نبض أرقام
22:56
توقيت مكة المكرمة

2024/05/31

"الحركة اللاضية".. عندما حطم العمال الإنجليز مصانعهم خشية فقدان الوظائف لصالح الآلة

2019/08/24 أرقام - خاص

كما كان للفقراء بطل يسعى لاسترداد حقوقهم من طبقة الأثرياء المهيمنة على الثروة في إنجلترا خلال العصور الوسطى، كان للعمال البسطاء في أوروبا رمزٌ كـ"روبن هود" ألهمهم لمواصلة النضال من أجل انتزاع حقوقهم، لكنه أيضًا قادهم إلى سلسلة من الصدامات مع الحكومات والتخريب.

 

 

خلال أوائل القرن التاسع عشر، وفي خضم الثورة الصناعية، حينما كان الاتجاه السائد في أوروبا هو إبدال العمل اليدوي بالماكينات، شعر العمال بالخوف من احتمالية خسران سبيل عيشهم الوحيد حال تم استبدالهم، وفي البداية تركزت هذه المخاوف تحديدًا لدى عمال الغزل والنسيج في بريطانيا.

 

رغم أن بعض الروايات تشير إلى وقوع صدامات وحوادث تخريب في أواخر القرن الثامن عشر، فإن الثابت في أغلب المراجع أن سلسلة الاضطرابات الرئيسية الأولى كانت في عام 1811، وانطلقت من نوتنغهام سريعًا لتشمل جميع أنحاء الريف الإنجليزي.

 

في هذه الصدامات هاجم العمال المنضمون للحركة "اللاضية" -وهو مصطلح أصبح يعني "الكارهون" أو "المقاومون للتطور التقني"- مصانع الغزل والنسيج وأحرقوها ودمروا الآلات الجديدة، وفي بعض الحالات تبادلوا إطلاق النيران مع حراس أمن الشركات والجنود.

 

قائد خيالي يقود ثورة العمال

 

- اسم "اللاضية" أو "اللاضيون" جاء نسبة إلى شخص يدعى "نيد لاض"، والذي عرف أيضًا بـ"الجنرال لاض" و"الملك لاض"، وعلى الأرجح هو شخصية خيالية، إذ لا يعرف لقصته أصل، لكن يشاع أنه أول من دمر آلات للنسيج عام 1779 في إنجلترا.

 

- لا دليل على وجود "لاض" في الواقع، ويقال إنه سكن غابة "شيروود" على غرار بطل الفقراء "روبن هود"، ويعتقد أنه تم تطوير قصته الخيالية لإخافة الجنود والمسؤولين الحكوميين الذين شعروا بغضب عارم إزاء حركة العمال.

 

- كانت ترى الحركة في استخدام الآلات نوعًا من الاحتيال والتضليل والالتفاف على ممارسات العمل المعتادة، وبالطبع تهديداً لوظائفهم، وخشي العمال أن يضيع الوقت الذي قضوه في اكتساب مهارات النسج (قد يصل لسنوات) هباءً مع انتشار الآلات.

 

 

- كان يأمل العمال في أن تردع هجماتهم على المصانع أرباب العمل عن استقدام الآلات باهظة الثمن، لكن الحكومة البريطانية تحركت لسحق التمرد وتم التصدي لاحتجاجاتهم وغاراتهم بقوة القانون والسلاح، وغلظت السلطات العقوبة على المتمردين إلى حد الإعدام.

 

- استمرت هذه الحركة في إنجلترا لسنوات قليلة قبل أن تنحسر تمامًا، لكن بلغت ذروتها في أبريل من عام 1812، عندما أطلق الجند النيران على عدد من اللاضيين قرب مصنع في هدرسفيل، بحسب موقع "هيستوري".

 

- كان الجيش قد نشر عدة آلاف من الجنود لاعتقال اللاضيين واحتواء حركة التمرد، وبعد هذا الحادث، اعتُقل العشرات، منهم من قُتل شنقًا أو تم نفيه إلى أستراليا، وفقد اللاضيون قدرتهم على المقاومة بحلول عام 1813 (وفقًا لبعض المراجع انتهت الحركة تمامًا بحلول عام 1816).

 

الدولة تستنفر قواها للتصدي

 

- بالنسبة للبعض أمثال الكاتبة "كاترينا نافيكاس"، مؤلفة كتاب "الولاء والراديكالية في لانكشاير 1798- 1815"، كان اللاضيون من أبطال الطبقة العاملة، وأججت السلطات مخاوفهم عندما حظرت النقابات العمالية في عام 1800، لذا كان طبيعيًا أن يدافعوا عن سبل عيشهم.

 

- فيما تقول الدكتورة "إيما غريفين" مؤلفة كتاب "تاريخ قصير للثورة الصناعية البريطانية": لا شك أن اللاضية كانت عاطفية، ويعتقد أنها أول حركة عمالية تدمر آلاتها، لكنها كانت المجموعة الأكثر تنظيمًا من سابقاتها.

 

 

- لم يقتصر حراك اللاضيين على التظاهرات وتدمير الآلات، حيث بعثوا برسائل تهديد لأرباب العمل وهاجموهم بشكل شخصي واعتدوا على القضاة وتجار المواد الغذائية وكانت هناك معارك متجددة باستمرار بين أفراد الحركة وجنود الجيش الإنجليزي.

 

- لإنهاء هذه الاضطرابات انضم حراس المصانع إلى قوات الجيش لإرشادهم للقبض على العمال، وعُرضت مكافآت للحصول على معلومات حول أعضاء الحركة، لكن عمليات الاعتقال والإعدام كانت محدودة نسبيًا فيما يعتقد أنه بسبب حماية المجتمعات المحلية لللاضيين.

 

- تفاقمت الأزمات في البلاد، وتسببت الاضطرابات في نقص الغذاء وارتفاع أسعار القمح وانهيار أسعار الملابس، ورغم انحسار عمليات التخريب، ظل هناك نوع من التوتر حتى منتصف القرن التاسع عشر، بحسب الأرشيف الإلكتروني للحكومة البريطانية.

 

فهم خاطئ عن اللاضية الحديثة

 

- رغم الصدام بين الحكومة وأرباب العمل من جهة وبين العمال الخائفين على مصادر أرزاقهم من جهة أخرى، كانت هناك جهود للتوصل إلى حلول وسط على مدار عقود، إلى أن ابتعدت صناعة المنسوجات في النهاية عن الإنتاج اليدوي واعتمدت على الآلات.

 

- ربما يأتي التعاطف مع اللاضيين كونهم مدفوعين بالخوف على لقمة عيشهم هم وأطفالهم، فيما يعتقد أنها ظاهرة على وشك التكرار (وربما بدأت بالفعل) مع الموجة الجديدة من الثورة الصناعية، حيث يبدو العالم متجهًا نحو استبدال الأيدي العاملة بالذكاء الاصطناعي والروبوتات.

 

 

- بحسب "بي بي سي"، فإن كلا المؤرختين "إيما" و"كاترينا" تتفقان على أن إسقاط اسم "اللاضية" على التغيرات التي تلوح في الأفق اليوم يتم بشكل خاطئ، إذ لا يشير إلى المستهلكين الذين يرفضون استبدال التلفزيون التقليدي بالرقمي أو من لا يفضلون استخدام الجوال الذكي.

 

- تقول "إيما": كل ما يهم اللاضيين بشأن التقنيات الحديثة هو تأثيرها على أجورهم وفرص عملهم، والمثال الحديث على ذلك، هو معركة "وابينغ" عام 1986، عندما حاصر عمال الطباعة مكاتب الصحف التابعة للملياردير "روبرت مردوخ" احتجاجًا على عملية الرقمنة والحوسبة التي يخشون أنها ستجعلهم بلا قيمة.

 

هل تعود اللاضية في ثوب جديد؟

 

- في أكتوبر من العام الماضي، تسلل شاب في العشرينيات من عمره إلى موقف سيارات خلال الظهيرة ليعتدي على إحدى السيارات ذاتية القيادة تحمل العلامة "وايمو" (تابعة لشركة جوجل) ويمزق أحد إطاراتها ويفر هاربًا على وجه السرعة دون تحديد هويته.

 

- هذا الهجوم لم يكن الوحيد من نوعه حيث تكرر 21 مرة في مدينة تشاندلر بولاية أريزونا الأمريكية حتى نهاية عام 2018، وركز المهاجمون دائمًا على مركبات "وايمو" ذاتية القيادة، بحسب صحيفة "ذا أريزونا ريبابلك".

 

 

- مثل هذه الاعتداءات لم تكن مفاجئة للبعض، إذ يقول محللون إنهم يتوقعون مزيدًا من السلوك العدائي تجاه هذه التقنية، في ظل النقاش الدائر حول الإمكانات الهائلة للسيارات دون سائق، والتي تثير مخاوف حول احتمالية الاستغناء عن مهنة السائقين وهيمنة المركبات الذكية على قطاع النقل.

 

- المركبات الذاتية في قطاع النقل، والروبوتات في قطاع التصنيع، والدرون في أعمال تسليم الطلبيات، والذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، كلها ابتكارات تسهل إتمام المهمات وتجعلها أكثر دقة، لكنها في الوقت ذاته تهدد باختفاء وظائف بشرية، وتثير الخوف من عودة اللاضية في ثوب جديد.

 

- يقول تقرير لـ"الجارديان": لا أحد يريد تحطيم الآلات أو شن اعتداءات، وما فشل فيه المتمردون قبل 200 عام سيفشلون فيه الآن، لكن قليلًا من "اللاضية" في حياتنا لن يضر وقد يحقق التوازن المطلوب، التطور التقني ليس دائمًا مفيدًا، ومع ذلك لا يمكن التخلي عن الابتكارات.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة