نبض أرقام
05:40
توقيت مكة المكرمة

2024/05/20
2024/05/19
15:21
14:03
13:49

ما السر؟ .. الفيدرالي يضخ مليون دولار كل ثانية في الاقتصاد الأمريكي ولا يخشى التضخم!

2020/05/29 أرقام - خاص

في الأشهر الأخيرة يعيش العالم بدون مبالغة أكبر أزمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك على إثر انتشار فيروس كورونا المستجد والذي تسبب في وفاة مئات الآلاف وجلوس الملايين في منازلهم خوفًا على أنفسهم منه، وبلا شك تعتبر الأزمة الحالية أكبر وأوسع نطاقًا من أزمة 2008 وربما أشد إيلامًا من الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
 

الأزمة التي أخذت العالم كله على حين غرة في بداية العام الجاري أربكت صناع السياسة المالية والنقدية في كل مكان بينما يحاولون مجاراة تطوراتها وتداعياتها المتسارعة، وكالعادة كانت الساحة الأبرز والأكثر سخونة هي الولايات المتحدة، والتي يحاول فيها مجلس الاحتياطي الفيدرالي باعتباره البنك المركزي للبلاد استخدام كل أدواته المتاحة في إدارة الأزمة لكي يخرج الاقتصاد الأمريكي منها بأقل الأضرار.
 

الفيدرالي وأمواله التي لا حصر لها
 

كل شيء متاح ولا توجد هناك خطوط حمراء.. هذا هو جوهر تصريحات قيادات الفيدرالي وفي مقدمتهم رئيسه "جيروم باول" في الأسابيع الأخيرة بينما يؤكدون استعداد البنك لفعل أي شيء من أجل تجنيب الاقتصاد الأمريكي – الأكبر في العالم – أسوأ السيناريوهات.
 

وكجزء من جهوده لإدارة الأزمة، أنشأ الفيدرالي تسع آليات إقراض (MLF) جديدة لتزويد العالم بأسره بالسيولة الدولارية، وفي الوقت ذاته دخل الفيدرالي إلى سوق الديون ليشتري كميات هائلة من الديون العامة والخاصة، مما أدى إلى ارتفاع قيمة ميزانيته العمومية من 4.1 تريليون دولار في أواخر فبراير الماضي إلى ما يقرب من 7 تريليونات دولار حاليًا.
 


ويتوقع المحللون أن تصل قيمة الميزانية العمومية للبنك إلى 9 تريليونات دولار بحلول نهاية العام الجاري. وتشير تقديرات "هارفارد بيزنس ريفيو" إلى أنه وفق السرعة الحالية وسياسة اللاسقف المعلنة فإن الفيدرالي يضخ تقريبًا مليون دولار كل ثانية في النظام المالي الأمريكي.
 

الإبحار في مياه بحر كورونا المجهولة يقتضي التفكير في نوع المخاطر التي قد تغرق سفينة الاقتصاد الأمريكي، وفي ضوء هذا الكم الهائل من السيولة التي يضخها الفيدرالي منذ بداية الأزمة ربما لا يوجد سيناريو يخافه الناس أكثر من خروج معدل التضخم عن نطاق السيطرة ودخول الاقتصاد الأمريكي في كارثة تضخمية.
  

الكل يفترض أنه بما أن المعروض النقدي زاد بهذه الكميات الهائلة من الأموال، فإن التضخم الجامح هو النتيجة المنطقية المتوقعة، ولكن على عكس ما يتوقعه الجميع، فإن الاقتصاد الأمريكي ورغم كل التريلوينات التي يتم ضخها فيه الآن أبعد ما يكون عن خطر التضخم المفرط، وهذا يرجع بشكل أساسي لعدة عوامل ستوضحها السطور التالية.
 

أين ذهبت الأموال؟
 

في العادة يرتفع معدل التضخم في حالة من اثنتين: الأولى هي عندما ترتفع الأسعار بسبب زيادة تكاليف الإنتاج وسط ارتفاع أسعار المواد الخام أو الأجور، أما الثانية فهي حين يصبح المستهلكون على استعداد لدفع المزيد مقابل السلع والخدمات، بعد أن أصبح لديهم أموال أكثر على خلفية زيادة المعروض النقدي.
 

حال الاقتصاد الأمريكي اليوم لا تتوافر فيه أي من الأسباب التي قد تؤدي إلى التضخم، بل إن ما يحدث هو العكس تمامًا. فهناك انخفاض هائل وغير مسبوق في مستويات الطلب من قبل المستهلكين وتراجع حاد في مستويات الإنفاق، وفي ذات الوقت هناك انهيار في أسعار الطاقة.
 


ولكن أين ذهبت الأموال التي تم ضخها في الاقتصاد الأمريكي خلال الأسابيع الأخيرة؟ التريليونات التي ضخها الفيدرالي لم تدخل بشكل مباشر إلى الاقتصاد الحقيقي بل استقرت في الميزانيات العمومية للبنوك بغرض دعمها في مواجهة حالات الذعر والتخلف عن السداد المحتملة. أما الشيكات التي أرسلتها وزارة الخزانة الأمريكية إلى المواطنين فلم تؤثر كثيرًا على مستويات الطلب بسبب ميل أغلب المستهلكين إلى الادخار في الوقت الحالي.
 

ببساطة إن كل الأموال التي تم ضخها في الفترة الأخيرة سواء من قبل الكونجرس أو الفيدرالي أو وزارة الخزانة لن تعوض حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد منذ بداية الأزمة. هذه التريليونات بالكاد تحل محل الدخول والإيرادات التجارية الضائعة، وسيستخدمها معظم المستفيدين في دفع ثمن أساسيات مثل الإيجار والطعام والدواء. حتى الشركات التي حصلت أو ستحصل على قروض أو دعم مالي مباشر ستفكر ألف مرة قبل أن تنفق هذه الأموال في ظل الظروف الحالية.
 

وعلى هذا الأساس من غير المرجح أن يخرج معدل التضخم في الولايات المتحدة عن نطاق السيطرة مهما ضخ الفيدرالي أو وزارة الخزانة من أموال.
 

في حالة واحدة فقط!
 

سيناريو التضخم الجامح يمكن أن يحدث في حالة واحدة فقط، وهي أن يتم اكتشاف لقاح أو علاج لفيروس كورونا خلال الأسابيع القادمة ويصبح متاحًا للجميع على الفور ويتم إعادة توظيف كل من فقد وظيفته مؤخرًا بسرعة لتعود مستويات الإنتاج إلى ما كانت عليه، وترتفع مستويات الإنفاق مرة أخرى، بشرط أن يحدث كل هذا قبل أن يتمكن الفيدرالي من سحب التريليونات التي قام بضخها، في هذه الحالة فقط سيخرج التضخم عن نطاق السيطرة، ولكن ما احتمالية حدوث ذلك؟
 

للأسف تشير المعطيات الحالية إلى أن الأزمة قد تستمر لفترة غير قصيرة، وأن سيناريو الانتعاش السريع أصبح مستبعدًا، وسيحتاج الاقتصاد العالمي لسنوات قبل أن يتعافى تمامًا، وإلى أن يحدث ذلك لن يقلق الفيدرالي ولا غيره من البنوك المركزية الكبرى بشأن التضخم.
 


وهذا ليس مجرد تكهن بل هو أثبته الواقع، ففي خضم أزمة 2008 وافقت دول مجموعة العشرين على حزمة بقيمة 4 تريليونات دولار لإنعاش الاقتصاد العالمي. وكانت الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر في هذه الحزمة من خلال توفيرها 700 مليار دولار لشراء الأصول المتعثرة من البنوك، وإطلاقها برنامجًا للتيسير الكمي بقيمة 600 مليار دولار لتوفير السيولة للمؤسسات المالية.
 

حينها صرخ الكثيرون قائلين إن هذه الإجراءات ستؤدي حتمًا إلى كارثة تضخمية على غرار ما حدث في ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي، ورغم ذلك لم يحدث أي من شيء أثناء أو بعد الأزمة، بل ظل معدل التضخم تحت السيطرة مستقرًا بالقرب من النسبة المستهدفة من قبل الفيدرالي.
 

ما الذي يرعب الفيدرالي ويحاول تجنبه بأي ثمن؟
 

الخطر الحقيقي الذي يخشاه الفيدرالي حاليًا ليس التضخم وإنما الانكماش، ففي النصف الأول من العام الجاري من المحتمل أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بأسرع وتيرة له منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات، حتى أكثر الخبراء تفاؤلًا لا يتوقعون أن يتعافى الاقتصاد بشكل كامل من الأزمة الحالية قبل بضع سنوات.
 

المشكلة هي أنه كلما طال أمد التباطؤ الحالي قلّت قدرة الاقتصاد على الارتداد مرة أخرى، خصوصًا أن الركود عادة ما يتسبب في تدمير جزء من القدرة الإنتاجية للاقتصاد، فإذا استمرت الأزمة الحالية لفترة طويلة فسوف تخرج بعض الشركات من السوق ولن تعود إليه أبدًا، وهو ما سيؤدي بالطبع إلى عدم عودة كثيرين إلى وظائفهم، كما ستصبح موارد مثل الآلات والمعدات غير مستخدمة.
 

مستويات الطلب المتراجعة حاليًا سنخفض أكثر بسبب الانكماش؛ فالإنكماش يقلل من الطلب لأنه بشكل ما يدفع المستهلكين نحو تأخير إنفاقهم – خاصة على سلع مثل السيارات والأجهزة الكهربائية – لأنهم يتوقعون انخفاض الأسعار في المستقبل، وبالتالي سيفضلون الانتظار.
 

  

هذا السلوك له عواقب خطيرة، لأنه عندما لا يشتري المستهلك سيضطر المنتجون لخفض الأسعار، وهو ما سيؤكد توقعات المستهلكين ويزيدهم اقتناعًا بموقفهم المتمثل في الامتناع عن الإنفاق لفترة أطول، ليضطر المنتجون لخفض الأسعار مرة أخرى، وهكذا إلى أن تجف المبيعات وتفشل الشركات في المواكبة وتخرج من السوق.
 

بهذا الشكل سيدخل الاقتصاد ببساطة في حلقة مفرغة من الشلل الاقتصادي، لأنه عندما لا تبيع الشركات ما يكفي كي تحقق أرباحًا فسوف تطرد موظفيها ولن توظف آخرين، وهؤلاء الذين سيفقدون وظائفهم لن يصبح لديهم المال الذي ينفقونه، بينما سيخشى من لديهم وظيفة بالفعل من فقدانها وسيميلون للادخار لكي يحموا أنفسهم من المستقبل المجهول، وهكذا سنعود من حيث بدأنا مرة أخرى حيث لن تحقق الشركات مبيعات وتضطر للاستغناء عن موظفيها.
 

باختصار، هناك مخاطر جمة تحاصر الاقتصاد الأمريكي يقلق بشأنها الفيدرالي حاليًا، التضخم ليس واحدًا منها.
 

المصادر: أرقام – هارفارد بيزنس ريفيو – نيويورك تايمز – وول ستريت جورنال – فورين بوليسي – بلومبرج – تشارلز شواب

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة