نبض أرقام
02:02
توقيت مكة المكرمة

2024/05/20
2024/05/19
15:21
14:03
13:49
12:21

الذعر العكسي .. كيف غيّر الوباء نظريات الخوف الجماعي؟

2020/07/17 أرقام - خاص

بعد 36 ساعة من تولّي رئاسة الولايات المتحدة، خرج الرئيس "فرانكلين روزفلت" في عام 1933 ليعلن فرض عطلة لكل البنوك العاملة في البلاد لمدة أسبوع كامل لوقف الانهيار القريب للنظام المصرفي.

 

قبل هذا التاريخ بعامين بدأ تدافع محموم من قِبل الأمريكيين لسحب أموالهم من البنوك خوفاً من تعثر المصارف على خلفية الكساد العظيم الذي انطلق في نهاية 1929 وتسبب في فقدان ملايين الأمريكين وظائفهم وانكماش غير مسبوق للاقتصاد.

 

 

 ومع انهيار مئات المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة تحت ضغط سحب المودعين لأموالهم، اضطر الرئيس الجديد لإغلاق كل البنوك ووقف كل عمليات السحب أو الإيداع منها مع تكليف لجنة برصد الموقف المالي للمصارف والسعي لدعم البنوك الضعيفة بأموال فيدرالية.

 

وتحدث "روزفلت" في خطاب إذاعي عن أن حكومته لن تسمح بانهيار البنوك وأن أموال المودعين مضمونة، ناصحاً الأمريكيين بإبقاء أموالهم داخل البنوك وليس في المنازل.

 

بدأت البنوك عملها يوم الإثنين التالي والسؤال يشغل بال الجميع: هل سيصطف المئات بعد قليل لسحب أموالهم؟، بالفعل ظهرت بعد دقائق طوابير طويلة من المواطنين أمام البنوك لكنهم جاءوا هذه المرة لإعادة نقودهم للمصارف.. لقد انتهى الذعر.

 

تاريخ من الذعر والانهيار

 

يعمل النظام المصرفي بطريقة معروفة للجميع، يذهب المواطن لوضع أمواله في حساب شخصي وينصرف إلى حاله، ليقوم البنك بإقراض جزء من هذه الأموال إلى عملاء آخرين مستفيداً من فارق الفائدة بين ما سيدفعه على الودائع وما سيحصل عليه من الإقراض.

 

البنك يمتلك سيولة كافية لسداد أموالك في أي وقت تطلبها، لكن ماذا لو اصطف نصف المودعين أمام المصرف لطلب أموالهم؟ ماذا عن كل المودعين؟، هذا يسبب الذعر المصرفي ويسقط البنك.

 

بعض حالات الذعر المصرفي حدثت بناءً على شائعة متداولة حول الموقف المالي للبنك، بينما البعض الآخر بسبب معلومات حقيقية أو حتى تخوف مستقبلي بشأن قدرة المصرف على سداد أموالهم، في حين أن حدوث أزمة اقتصادية كان سبباً في كثير من الحالات نتيجة إقبال الناس على سحب ودائعهم.

 

وبالطبع تاريخ الأزمات الاقتصادية التي شهدت تدافعاً من جانب المودعين لسحب أموالهم من البنوك طويل، بداية من الكساد العظيم ومروراً بالأزمة المالية الآسيوية في التسعينيات وأزمة ديون الأرجنتين في 2001 وحتى في بعض الحالات الفردية إبان الأزمة المالية العالمية في 2008.

 

 ولعل آخر هذه المشاهد هو اليوناني الكهل الذي جلس باكياً أمام فرع أحد البنوك بعد قرار إغلاق المصارف ووضع حد أقصى للسحب لمنع انهيار النظام المصرفي بأكمله خلال أزمة أثينا مع الدائنين في عام 2015.


 

ولكن بصفة عامة، انخفضت حالات الذعر المصرفي بشكل كبير في السنوات الماضية مع تعهد البنوك المركزية بضمان كل الودائع المصرفية وفرض الجهات التنظيمية قواعد مشددة لرأس المال البنوك.

 

2020.. الهروب إلى البنوك

 

إذا كانت الأزمات السابقة شهدت ذعراً مصرفياً واضحاً بتدافع المودعين لسحب أموالهم من البنوك، فإن أزمة وباء "كوفد-19" كشفت ما يمكن تسميته "الذعر العكسي إلى المصارف".

 

وبدلاً من ظهور طوابير المودعين من المطالبين بأموالهم، شهدت الأشهر الماضية تدافعاً من قِبل الأسر والشركات في عدد من دول العالم لحفظ أموالهم في البنوك.

 

وتظهر البيانات أن الودائع لدى البنوك الأمريكية كانت تقف عند حاجز 13.3 تريليون دولار في شهر فبراير الماضي، قبل أن ترتفع إلى 13.8 تريليون في مارس ثم إلى 14.7 تريليون في أبريل وأخيراً 15.3 تريليون دولار بنهاية مايو.

 

ويعني هذا أن المودعين قاموا بضخ نحو تريليوني دولار في المصارف الأمريكية منذ بداية ذعر الوباء العالمي.

 

 

وفي الربع الأول من العام الجاري، تلقت البنوك الأمريكية ودائع بقيمة تريليون دولار، نصفها تقريباً دخل لخزائن المصارف الأربعة الكبرى "جي بي مورجان تشيس" و"بنك أوف أمريكا" و"ويلز فارجو" و"سيتي جروب".

 

وجاء هذا التدافع المحموم رغم حقيقة إن معدل الفائدة على الودائع بلغ 0.52% في "جي بي مورجان" خلال الربع الأول من العام الجاري، بينما دفع "بنك أوف أمريكا" متوسط 0.47% لعملائه، في حين كانت الفائدة تقف قرب 1% في البنوك الصغيرة.

 

والمثير في الأمر أن هذا التطور لم يتوقف على الولايات المتحدة فحسب، بل امتد لبعض الدول الأوروبية والآسيوية أيضاً والتي شهدت ارتفاعاً قياسياً لودائع العملاء في البنوك.

 

وفي أكبر أربعة اقتصادات في منطقة اليورو (ألمانيا – فرنسا – إيطاليا – إسبانيا) قفزت ودائع الأسر بنحو 100 مليار يورو خلال شهري مارس وأبريل/ ما يعادل ثلاث مرات المتوسط المسجل في العقد الماضي.

 

وأعلن البنك المركزي في إسبانيا أن ودائع الأسر والشركات لدى المصارف قفزت لمستوى قياسي خلال مايو الماضي عند 882 و287 مليار يورو على التوالي.

 

كما كشفت بيانات هيئة النقد في سنغافورة أن الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك المحلية وصلت لمستوى تاريخي في أبريل الماضي عند 27 مليار دولار سنغافوري

 

ما الذي تغير الآن؟

 

رغم أن معدلات الفائدة تقف في عدد كبير من دول العالم عند مستويات تاريخية متدنية، فإن الخوف بشأن وباء كورونا وتقلبات الأسواق المالية دفع الناس لوضع أموالهم في المصارف بحثاً عن الأمان.

 

وعلى عكس الاتجاه لسحب الأموال من البنوك الأمريكية في أزمة 2008 فيما يمثل عقاباً للبنوك الكبرى التي كان ينظر إليها كسبب رئيسي في الانهيار، فإن المدير المالي لبنك أوف أمريكا "بول دونوفريو" يرى أن الشركات تنظر الآن للمصارف على أنها ملاذ آمن في الأوقات الصعبة.

 

 

وضخّت الحكومات في كثيرٍ من الدول حزم تحفيز ضخمة بقيمة تقارب 11 تريليون دولار، مع إقرار برامج لتقديم أموال للمواطنين والشركات للتغلب على أثار الوباء.

 

وأقرت الولايات المتحدة برنامجاً يقضي بزيادة إعانات البطالة 600 دولار أسبوعياً حتى نهاية يوليو المقبل، بالإضافة إلى منح مبلغ 1200 دولار لكل أمريكي.

 

لكن المستهلكين فضّلوا الاتجاه للادخار في الفترة الماضية، سواء مع عدم وجود أماكن للتسوق والإنفاق مع تدابير الإغلاق للسيطرة على تفشي الوباء، أو رغبة في التحوط من حالة عدم اليقين المستقبلية فيما يتعلق بالوظائف والدخل والوضع الاقتصادي العام.

 

وأظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية أن معدل الادخار في الولايات المتحدة قفز من 8.4% من الدخل المتاح في فبراير إلى 12.6% في الشهر التالي ثم إلى 32.2% في أبريل.

 

وحتى بالنسبة للشركات، والتي تلقت دعماً عبر قروض ومنح من البنوك المركزية وخاصة الاحتياطي الفيدرالي، فإن هذه الأموال عادت مجدداً للبنوك في شكل ودائع.

 

ورغم أن الحزم التحفيزية كان الغرض منها في الأساس دفع الأسر للاستهلاك والشركات للاستثمار وتشغيل الموظفين لانتشال الاقتصاد من كبوته، فإن الجميع بانتظار وضوح الرؤية حيال كورونا قبل العودة للإنفاق والتخلي عن الأمان الذي تكفله البنوك الآن.

 

المصادر: أرقام - بنك الاحتياطي الفيدرالي – بنك أوف إسبانيا – مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي - بلومبرج – وول ستريت جورنال

 

دراسة: Market Discipline under Systemic Risk: Evidence from Bank Runs in Emerging Economies

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة