نبض أرقام
19:16
توقيت مكة المكرمة

2024/05/29

دون إعادة اختراع العجلة.. كيف ستهيمن الصين على العالم؟ وهل ستنجح حقاً؟

2021/08/11 أرقام - خاص

حين بدأت الجهات التنظيمية في الصين حملتها على شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "علي بابا" و"تنسنت" و"ديدي"، تصور البعض أن "بكين" تنتحر وتهدف إلى منع تسريب بياناتها بأي ثمن حتى ولو كان هذا الثمن "وأد" -أو بلهجة أخف وطأً- إضعاف شركاتها الناجحة والكبيرة.

 

 

لكن الحقيقة ليست كذلك بالضبط، الصين استفادت بالفعل من النهضة التكنولوجية الكبيرة لشركاتها العامة والخاصة، فطورت التعليم ونظم المرور والصحة والعلاج والأنظمة الأمنية والتحويلات المصرفية والمالية ودعم المشروعات، لكن القيادة الصينية لها رؤية معينة لمثل هذه الأمور هي السبب فيما حدث ويحدث مؤخرا.

 

هذه الرؤية تنقسم إلى شقين:

 

- أشياء من الجيد أن تمتلكها الصين.
- أشياء يجب على الصين أن تمتلكها.

 

الشق الأول يعني شركات التكنولوجيا، من الجيد امتلاكها وأن تكون الشركات الكبيرة حول العالم هي شركات صينية، لكن الشق الثاني يعني المصانع والصناعات التحويلية وقطاع التصنيع، يجب أن تكون الشركات الكبيرة حول العالم شركات صينية، ويمكن استشفاف واستكشاف طريقة تفكير القيادة الصينية بزعامة "تشي جين بينج" من خلال خطاباتها وبياناتها المنشورة مؤخراً والتي ترجمها وحللها الباحثون في جامعة "جورج تاون" الأمريكية بالشراكة مع مركز أبحاث "الأمن والتكنولوجيا الناشئة" CSET.

 

ورغم انخفاض مساهمة التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي الصيني في السنوات الأخيرة، فإنها تظل الدولة الصناعية الكبرى في العالم بمسافة شاسعة مع الدولة التي تحتل المركز الثاني وهي اليابان. القيادة الصينية تؤمن بأن الاقتصاد الحقيقي هو الاقتصاد الصناعي الذي يمثل الأساس الصلب للدولة والعمود الفقري للحفاظ على التفوق الصيني في المستقبل والهيمنة ومواكبة الغرب.

 

 

العظمة الصينية لا تتمثل في امتلاك شركات عالمية في مجال تطبيقات النقل التشاركي أو برامج المحادثات والمكالمات، العظمة تتمثل في امتلاك شركات صناعية كبرى تُنتج أشباه الموصلات، الطائرات، الأجهزة، والآليات وغيرها، هذه هي رؤية القيادة الصينية لسُبل تحقيق المجد الاقتصادي.

 

 

هل الامتعاض لدى القيادة الصينية يمتد ليشمل شركات تكنولوجيا الاتصالات أو شركات السيارات الكهربائية وصناعاتها المغذية؟ بالطبع لا، القيادة الصينية تعتبر تكنولوجيا الاتصالات وبالأخص الجيل الخامس أحد أعظم وأهم مشروعاتها للقرن الحالي لتثبيت الهيمنة والصعود الصيني على حساب الغرب عبر الشركة شبه الحكومية "هواوي".

 

 

الشركات المملوكة للدولة في الصين هي ركن رئيسي من أركان الاقتصاد الصيني، ومعظمها يقود القطاع الصناعي والعقاري والبنكي في الصين، بإجمالي عدد يناهز150 ألف شركة مملوكة للدولة الصينية في كافة القطاعات.

 

إحصائيات الشركات المملوكة للدولة – SOE’s - في الصين حتى 2019/2020

نسبة مساهمة الشركات في الناتج المحلي الإجمالي

25%

عدد الشركات

150 ألفاً

عدد العاملين في الشركات

54 مليوناً

حصة الشركات الحكومية الصينية في قائمة أكبر 500 شركة بالعالم

91 شركة

 

أما البطاريات والسيارات الكهربائية فهي ثاني أهم مشروع يروج له ويدعمه الحزب الشيوعي الصيني، وبكين تملك العديد من المزايا التنافسية ونقاط القوة في مجال السيارات الكهربائية، وخاصة مع تصنيع الشركات الصينية نحو 50% من السيارات الكهربائية المنتجة حول العالم في 2020.

 

 وهذا يجعل بينها وبين أقرب منافسيها فوارق ومسافات شاسعة تعطيها أريحية في التطوير والتخطيط المستقبلي، وكذلك تضمن لها تحقيق أرباح هائلة في المستقبل من توسع هذه الصناعة مدفوعة بمبادرات مكافحة التلوث والانبعاثات.

 

لكن في ظل التوجه الصناعي للقيادة الصينية في العقود المقبلة، تظهر في خلفية هذا التوجه العملاق مخاوف التلوث والانبعاثات الكربونية، فالصين وحدها تستحوذ على أكثر من 10 مليارات طن من الانبعاثات الكربونية العالمية سنوياً من إجمالي نحو 36 مليار طن تنتجها كل دول العالم.

 

نبعاثات ثاني أكسيد الكربون - حتي 2019

العالم

36.44 مليار طن

الصين

10.17 مليار طن

أوروبا

5.45 مليار طن

الولايات المتحدة

5.28مليار طن

الهند

2.62 مليار طن

روسيا

1.68 مليار طن

اليابان

1.11 مليار طن

ألمانيا

701 مليون طن

 

وبالتالي، المخاوف العالمية تدور حالياً حول ما إذا كانت الصين قادرة على أن تكون مثالاً يُحتذي به في الصناعة النظيفة أم ستستمر في صدارة قائمة دول العالم إنتاجاً للانبعاثات الكربونية في الهواء، ويبدو أن هذا ما إستوعبته القيادة الصينية مؤخراً وقررت الإعلان عن استراتيجية الطاقة الجديدة 2060.

 

طوال عقود مضت كانت الصين تعتمد على العالم الخارجي في تدبير احتياجاتها من الطاقة الأحفورية من نفط وغاز، فهي أكبر مستورد للنفط وثاني أكبر مستورد للغاز وأكبر مستهلك للفحم، لكن الآن وفقاً للاستراتيجية الجديدة ترغب "بكين" في تحقيق هدفين:

 

- التوجه نحو مصادر الطاقة النظيفة.
- التوجه نحو الاعتماد على الذات.

 

 

تحقيق الهدف الأول يحسّن من سمعة الصين عالمياً من أكبر ملوث ومنتج للانبعاثات إلى أكبر دولة تكافح التلوث وتدعم الطاقة النظيفة، أما تنفيذ الهدف الثاني فيعني تغيراً كبيراً في خريطة العلاقات الدولية بين الصين والعالم التي كانت تتخذ من استيرادها للطاقة مفتاحا لإدارة علاقاتها مع القوى الكبرى وتأثيرها على تذبذبات الأسعار، لكن حال انتقلت الصين نحو الاكتفاء الذاتي ووقف الاستيراد سوف تحدث هزة كبيرة في موازين العلاقات الدولية.

 

حصص واردات النفط والغاز للقوى الصناعية الكبرى في 2020

الدولة/التكتل

الحصة السوقية

من واردات النفط  (%)

الحصة السوقية

من واردات الغاز (%)

الصين

19.8%

14.8%

أمريكا

12.1%

7.4%

أوروبا

19.4%

34.7%

اليابان

5.1%

20.9%

 

الهيمنة العالمية على مرحلتين

 

الهدف الرئيسي هو الهيمنة ولكن على مرحلتين وليس دفعة واحدة، المرحلة الأولى في استراتيجية الطاقة المتجددة التي أعلنتها الصين أوائل أغسطس الجاري أن تكون الصين قد تخلصت من ارتهانها بالخارج فيما يخص مصادر الطاقة الرئيسية وأن تكون قد أتمت التحول إلى الاعتماد شبه الكلي على نفسها في توليد مصادر الطاقة بالكميات التي تحتاج إليها.

 

وعبر تحويل مزيج توليد الطاقة من حوالي 70٪ من الوقود الأحفوري اليوم إلى 90٪ من مصادر متجددة مثل طاقة الرياح أو الشمسية أو الكهرومائية أو النووية، يمكن استنتاج أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر مستقبلاً سوف يُخفض من ارتهان "بكين" بالمصادر والدول الأجنبية الموردة للطاقة الأحفورية، وهكذا تكون الصين قد حققت استقلالاً واكتفاءً في قطاع الطاقة.

 

أما المرحلة الثانية من تحقيق الهيمنة العالمية الصينية، فهي تعني أن يكون العالم مرتهناً بالصين ومعتمداً على الاستيراد منها في بعض المجالات والسلع والمنتجات، على رأسها منتجات قطاع السيارات الكهربائية والصناعات المغذية لها مثل البطاريات والموصلات، لأن الحكومة الصينية تضع خططها بناءً على تفوقها الكبير الحالي والمتوقع بهذا القطاع.

 

المشكلة الجيو- سياسية تظهر أمام الصين في تلك المسألة، حيث إن 70% من احتياجاتها من الطاقة الأحفورية تأتي عبر البحار، وتمر بمناطق وممرات بحرية مزدحمة ويشوبها الكثير من التذبذبات والهشاشة مثل مضيق ملقا، وهو ما دفع الحكومة الصينية إلى بناء خطوط أنابيب مع الجيران مثل روسيا وكازاخستان وميانمار لتتجنب الارتهان بالنقل النفطي عبر البحار وما يحمله من مشكلات ومخاطر أمنية أو لوجستية.

 

 

وفى أثناء تحقيق الهيمنة، سيتم الاعتراف بالصين بصفتها أكبر مكافحي التلوث وأهم الداعمين للاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولكن تحقيق هذا الطموح يشوبه كثير من العقبات والشكوك، العام الماضي ارتفعت واردات الصين من الطاقة الهيدروكربونية وزاد استهلاك الفحم في المصانع الصينية ليستحوذ وحده على ما يصل إلى نصف مصادر استهلاكها من كافة أنواع الطاقة، ويبدو أن السلطات سوف تستمر في الاعتماد على الفحم مادامت الأولوية للنمو الاقتصادي المرتفع مستمرة.

 

استهلاك الصين لم يرتفع فقط في الفحم، بل أيضاً من النفط والذي سيصل إلى ذروته هذا العقد كما تتوقع شركة البترول الوطنية الصينية، ولذلك فالانتقال من عصر الهيدروكربونات إلى الطاقة المتجددة لن يكون بين عشية وضحاها، يؤكد ذلك "بو كونغ" الأستاذ في جامعة "أوكلاهوما"، والمتخصص في سياسة الطاقة الصينية والأمن القومي والدراسات الآسيوية، ويوضح: "النفط سيظل ضروريا، وسوف يستغرق الغاز- الذي ينظر إليه في بكين باعتباره وقوداً انتقاليا- وقتاً أطول ليتلاشى، لن يكون هناك تحول فوري من الوقود إلى الألواح الشمسية".

 

والتحول العالمي في الطاقة بين 2020 و2060، يعني تغيراً في المواد الخام التقليدية، ورغم ذلك سوف نظل في احتياج إلى النفط والغاز والفحم لفترة ولكن بالتزامن سوف نتوجه نحو مزيد من التعدين عن مواد خام أخرى مثل: النيكل، الكوبالت، الليثيوم، الجرافيت، الفوسفات والمعادن النادرة من أجل إمداد صناعة الطاقة المتجددة بما تحتاجه لتنمو سريعاً وتأخذ البشر نحو العصر الكهربائي.

 

وبمعرفة الدول التي تملك الاحتياطات الأكبر من المعادن المطلوبة لإمداد الصناعات المتجددة، يمكن رسم خريطة العلاقات الدولية في الـ 40 عاما المقبلة بين الصين والقوى الدولية:

 

توزيع احتياطيات المعادن اللازمة لصناعات الطاقة المتجددة على دول ومناطق العالم

المعدن

أكبر 3 دول تملك المعدن

المنطقة الجغرافية للدول المالكة للمعدن

الجرافيت

تركيا

الصين

البرازيل

أوروبا

أمريكا الجنوبية

المعادن النادرة

الصين

فيتنام

روسيا

آسيا

كوبالت

الكونغو

أستراليا

كوبا

أفريقيا

آسيا

أمريكا الجنوبية

نيكل

إندونيسيا

أستراليا

البرازيل

آسيا

أمريكا الجنوبية

ليثيوم

بوليفيا

الأرجنتين

تشيلي

أمريكا الجنوبية

منجنيز

جنوب أفريقيا

البرازيل

أستراليا

أفريقيا

أمريكا الجنوبية

آسيا

فوسفات

المغرب

الصين

مصر

أفريقيا

 

الصين تملك 60% من احتياطيات المعادن النادرة حول العالم، وهي المعادن المستخدمة في صناعة البطاريات الكهربائية، الليزر، توربينات الرياح وصناعات أخرى متقدمة ومتنوعة، كذلك الصين هي أكبر منتج للألومنيوم وتهيمن على معدلات استخراج الجرافيت عالمياً، وهو المعدن المستخدم في صناعة ألواح وبطاريات الطاقة الشمسية.

 

المحصلة النهائية، الصين تبعث برسالة إلى العالم أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتقليل الانبعاثات الكربونية سوف يكون مقابله ثمنًا يُدفع (تزايد الهيمنة الصينية على الاقتصاد العالمي) أو على الأقل القطاعات الأهم التي سوف تقود التحولات المستقبلية للاقتصاد العالمي، وسواء تسامح العالم مع الطموحات الصينية أم رفضها، يظل التحول نحو عصر الطاقة الخضراء أمراً حتمياً في العقود المقبلة.

 

 

المصادر: أرقام – بلومبرغ – شركة BP – جامعة أوكلاهوما – جامعة جورج تاون – مركز أبحاث سياسات الطاقة العالمية CGEP – وول ستريت جورنال – قنوات سي جي تي إن الصينية – نيويورك تايمز – وكالة أنباء شينخوا الصينية – هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية "USGS".

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة