نبض أرقام
21:45
توقيت مكة المكرمة

2024/05/19
15:21
14:03
13:49
12:21

قناة بنما .. من الذي يثير القلق في "الحديقة الخلفية" لواشنطن؟

2021/08/16 أرقام - خاص

تُعد قناة "بنما" واحدًا من أهم الممرات الملاحية العالمية، والتى تساهم بنحو 6% من التجارة العالمية سنوياً، وبعد مرور أكثر من 100 عام على إنشائها شهدت مرور أكثر من مليون سفينة، جاءت الجائحة في العام الماضي لترفع من شأن وأهمية القناة في التجارة الدولية وخطوط الإمداد حول العالم بعد الاضطرابات التى لحقت بسلاسل التوريد وقطاع اللوجستيات في أغلب الدول بسبب تفشي الفيروس من ناحية وآثار المناخ المتطرف من ناحية أخرى، لكن "بنما" أيضاً كانت مسرحا لحرب اقتصادية دولية بين القوى الغربية من ناحية، وخاصة الولايات المتحدة والصين من ناحية أخرى.



من بدأ العمل على إنشاء قناة بنما؟

 

البداية كانت في عام 1881 مع الفرنسيين ولكنهم لم يُكملوا العمل بسبب الحمى والملاريا التى تسببت في وفاة نحو 22 ألف عامل من عمال ومهندسي الحفر فتوقف المشروع، حتى جاء الأمريكيون وأنهوا ما بدأه الفرنسيون في 1904 وانتهى العمل في 1914 وتم الافتتاح في 1916.

 

 

بالنسبة لمن تُعد بنما ممراً ملاحياً مهماً؟

 

تخيل أنك على ظهر سفينة خرجت من أحد موانئ إسبانيا أو بريطانيا وتريد الذهاب إلى الجانب الآخر من المحيط الهادئ، إلى بيرو مثلا أو تشيلي، أو أبعد من ذلك مثلا: اليابان أو كوريا أو أستراليا، ستضطر للالتفاف حول أمريكا الجنوبية بالكامل، لكن بعد حفر قناة بنما لم تعد بحاجة لكل هذا العناء، تشق طريقك مباشرة عبر الشريط الواصل بين الأمريكتين لتعبر الأطلنطي إلى الجانب الآخر من المحيط الهادئ، هذا يوفر 22 يوماً من الإبحار مقارنة بفكرة الالتفاف حول القارة.

 

من هم أكبر زبائن قناة بنما؟

 

لأنها ممر يربط المحيط الهادئ بالمحيط الأطلنطي، فالولايات المتحدة تستحوذ على معظم الملاحة في القناة لأن السفن الأمريكية المحملة بالبضائع تخرج من موانئ الغرب الأمريكي وتريد الذهاب إلى أوروبا مثلا، أو حتى تريد الذهاب إلى الشرق الأمريكي، لا طريق أفضل من بنما أمامها.

 

 

كم يبلغ حجم الملاحة السنوية في قناة بنما؟


 

كم تبلغ الإيرادات السنوية لقناة بنما؟

 


 

علاقة خاصة بين واشنطن وبنما

 

الولايات المتحدة قامت ببناء وتشغيل قناة "بنما" من أوائل القرن العشرين وحتى 1977، ثم بداية من 1978 وحتى 1999 كانت الإدارة مشتركة بين البنميين والأمريكيين، ثم أصبحت منذ بداية القرن الحالي إدارة بنمية خالصة تخضع لسيادة الدولة البنمية.

 

بالطبع لكل الدول الحق في المرور بالقناة دون أن تتعرض لأي مضايقات أو تمييز أو منع، وهذا يشمل كافة أنواع السفن عدا العسكرية، وتلتزم بنما بالاتفاقيات البحرية المعمول بها دولياً والتي بدورها تنظم عمل الممرات الملاحية الدولية بعيداً عن التحالفات الجيوسياسية أو الحروب الباردة بين القوى الكبرى.

 

لكن الولايات المتحدة تحظى بمعاملة خاصة نظراً لأنها هي التي تحملت جهد بناء القناة من الأساس، لذا من حق "واشنطن" أن تستخدم القوة العسكرية للحماية والدفاع عن "حياد" قناة بنما وأن تظل مفتوحة للجميع دون تحيز لطرف على حساب آخر، وذلك وفقاً للمعاهدة الثانية التي وقعها الطرفان عام 1977 بجانب معاهدة تسليم القناة للبنميين التي تمت في نفس الفعالية بين الرئيسين "كارتر" و"توريخوس".

 

ما علاقة ذلك بالصين؟

 

الصين قامت في السنوات الخمس الأخيرة بمضاعفة تواجدها ونقاط نفوذها في أمريكا الوسطى واللاتينية، كما أنها أدرجت قناة "بنما" كنقطة من النقاط البحرية المهمة في مبادرة الحزام والطريق التي طرحتها الصين عام 2013، وما زاد الغيظ الأمريكي هو توقيع الحكومة البنمية اتفاقية مع نظيرتها الصينية كى تكون الأولى جزءا من مبادرة الأخيرة، وبذلك تكون أول حكومة لاتينية توقع اتفاقية من هذا النوع مع الصينيين.

 

قال "خوان كارلوس" الرئيس البنمي السابق والذي شهد توقيع الاتفاقية مع الصين: "هناك 50% من سفن الشحن التي تأتي إلينا من الساحل الشرقي للصين تعود فارغة، وسيسهم تعزيز البنية التحتية في منطقتنا في خفض عدد السفن الفارغة وتطوير التجارة البينية وخاصة في المنتجات الغذائية والزراعية، ويجعلها فعالة وملائمة من حيث التكلفة".

 

أهم ثلاثة تحركات صينية في بنما

 

- في 2016، وقعت كلٌ من الصين وبنما صفقة بقيمة 900 مليون دولار للإستحواذ على أكبر موانئ بنما في جزيرة "مارجاريتا" على الجانب الأطلنطي وبداخل منطقة التجارة الحرة "كولون" والتي تُعد أكبر منطقة تجارة حرة في النصف الغربي من الكوكب.

 

نتج عن الاتفاقية إنشاء كيان جديد هو محطة حاويات بنما-كولون PCCP لتخدم السفن العملاقة، وأعمال المقاولات والتوسعة نفذتها شركتان صينيتان هما CCCC&CHEC وهي شركات مقاولات، كما أنها من الشركات الرئيسية المتخصصة في بناء الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي.

 

- في 2018، تحالف شركات صينية بقيادة الشركتين السابق ذكرهما CCCC&CHEC فاز بعقد بقيمة 1.4 مليار دولار لتدشين جسر جديد لقناة بنما والذي وصفه لاحقاً الرئيس البنمي "فاريلا" بـ"خامس أهم مشروع في تاريخ البلاد"، كما أن "بكين" قامت بالاستثمار في مرافق الطاقة المرتبط بقناة بنما، فعلى سبيل المثال المجموعة الصينية "شنغهاى جورجس" أنفقت نحو 900 مليون دولار لبناء محطة كهربائية تعمل بالغاز الطبيعي.

 

- وفي 2020، حولت الصين أنظارها بعيداً عن البنية التحتية وركزت جهودها داخل بنما على دعم الحكومة في حربها لاحتواء جائحة كورونا، تلقت الدولة اللاتينية نحو مليوني دولار من المساعدة في شكل مستلزمات طبية ومعدات لازمة لمكافحة الوباء، وعلى الأرجح هذا التوجه الصيني ناحية القطاع الصحي البنمي كان تحركاً ذكياً من "بكين" لتعويض التأجيل والتوقف الذي سوف يصيب بعض مشروعات البنية التحتية بسبب الوباء، ولكى لا تخسر الصين القدم التي وضعتها بالفعل في بنما، حاولت تعويض ذلك عبر الاستثمار في القطاع الأكثر أهمية في ذلك الوقت وهو القطاع الصحي البنمي ودعمه لمكافحة الجائحة.

 

أمر كبير سيحدث يناير المقبل

 

عقد كبير لإدارة وتشغيل ميناء "كريستوبول" في بنما، سوف ينتهي في السادس عشر من يناير 2022، الميناء تديره شركة "هاتشيسون" للموانئ وهى شركة مقرها هونج كونج، "هاتشيسون" تريد التجديد لخمسة وعشرين عاما آخر وقدمت طلبا بذلك في مارس 2021.

 

في عام 1997 حين مُنحت "هاتشيسون" هذا العقد لهذا الميناء الحيوي، كانت تُصنف في الولايات المتحدة على أنها ليست تهديدا للأمن القومي الأمريكي وفقا لرأى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، لأنها شركة تتبع دولة هونج كونج وهي دولة تتمتع بالحكم الذاتي بعيداً عن الصين في ذلك الوقت، لكن من وجهة نظر العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية فإن هونج كونج حاليا وبعد مرور أكثر من 20 عاما على هذا العقد باتت تتأثر بدرجة أو بأخرى بالسياسة والتوجهات الصينية.

 

هذا الميناء – في حال فوز هاتشيسون به يناير المقبل – يكون الميناء الكبير الثاني الذي تديره الشركة المرتبطة بعلاقات مع الحكومة والمستثمرين الصينيين المدعومين حكومياً مما يشكل هاجسا لدى الولايات المتحدة من مخاطر أمنية كبيرة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقدين.

 

استمرار عقد "هاتشيسون" يعني تقوية للوجود الصيني في قناة بنما، في السنوات الأخيرة قام المستثمرون الصينيون بتوسيع مشاركتهم في شركة "هاتشيسون" عبر الشركة الصينية المملوكة للحكومة "COSCO" والمتخصصة في الخطوط الملاحية واللوجستيات، مما يجعل "هاتشيسون" التابعة لـ هونج كونج مُعرضة للوقوع تحت ضغط الشركاء الصينيين في مجلس إدارتها في السنوات المقبلة ما يشكل بواعث قلق للأمريكيين.

 

منصات التفكير ومراكز الدراسات في "واشنطن" تشجع الحكومة الأمريكية على دفع الحكومة البنمية نحو فتح الباب للمنافسة على إدارة ميناء "كريستوبول" وهو ما يمنح الفرصة للأمريكيين وحلفائهم من الشركات الغربية لوضع حد للنفوذ الصيني المتزايد في قناة "بنما"، وقرار الحكومة البنمية في هذا الخصوص يمكن أن يعيد تٌشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية لمنطقة القناة في السنوات المقبلة.

 

الخلاصة، الصين لا تدير ولا تشغل قناة "بنما" وإنما تدير ميناءين فقط  يقعان على إحدى ضفتي القناة، ولكن الأمريكيين يعتبرون ذلك جرس إنذار يشير إلى تعاظم وجود "بكين" في الحديقة الخلفية لـ"واشنطن"، وبالنظر إلى الصورة الكلية تجد بنما نفسها محصورة في صراع أمريكي صيني أكبر منها ويشمل كل مناطق العالم بلا إستثناء ولا يبدو أن له نهاية على الأجل القصير.


 

المصادر: أرقام - مركز أبحاث CSIS– قناة بنما – المكتب الفيدراليالأمريكي للوثائق - وزارة الخارجية الأمريكية – مركز أبحاث Global Americans– واشنطن بوست – كريتيكا  - شركة موانئ هتشسون – أبحاث Research-gate– المجموعة الإستشارية RWR–– ديالوج تشينو.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة