نبض أرقام
21:43
توقيت مكة المكرمة

2024/05/19
15:21
14:03
13:49
12:21

بتفكيره خارج الصندوق .. كيف أضاع الابن الشركة التي بناها الأب وشرد موظفيها في عام ونصف؟

2021/11/12 أرقام - خاص

"لا تستثمر أبدًا في أعمال لا تفهمها".. نصيحة قالها المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت" قبل سنوات لجمهور المستثمرين، محذرًا إياهم من عواقب الاستثمار في شركات لا يفهمون طبيعة أعمالها أو أحوال القطاع التي تعمل فيه، ولكن رغم بساطتها الظاهرة إلا أن كثيرًا من الناس يجدون صعوبة في تطبيق هذه النصيحة، فتجدهم يستثمرون في شركات وقطاعات ربما لا يعرفون عنها سوى اسمها طمعًا فيما قد تحققه لهم من أرباح.



نصيحة "بافيت" ربما لا يوجد أولى بها من المستثمرين سوى مديري الشركات الذين يقع على عاتقهم مهمة توجيه دفة الشركة وتخصيص مواردها وأصولها كي تحقق أكبر عائد ممكن؛ بحجة التفكير خارج الصندوق، شركات كبيرة أغرتها سيولتها النقدية الوفيرة للدخول في قطاعات لا تفهم فيها، وسرعان ما انتهت مغامراتها الجديدة على نحو سيئ، حيث لم تخسر ما استثمرته من أموال فقط وإنما كادت تدمر الشركة بالكامل.


الأب يسلم الدفة للابن


في كتابهما الصادر في عام 2012 تحت عنوان "حكمة الفشل" يروي الكاتبان الأمريكيان، "جيممكونوجي" و"لورانسجيوينزيمر" قصة شركة أمريكية –رفض أصحابها الكشف عن هويتهم– أضاعها نجل مؤسسها في عام ونصف، بعد أن اتخذ قرارًا غير مدروس بإدخال الشركة إلى قطاع جديد لا يعلم عنه شيئًا ولا صلة له من قريب أو بعيد بأعمال الشركة الأساسية، ظنًا منه أنه بذلك ينقذ الشركة ويفكر خارج الصندوق.


الشركة بطلة هذه القصة بدأت العمل في مجال تطوير الأراضي في سبعينيات القرن الماضي، وبحلول 2005 أصبحت الشركة واحدةً من أكبر مطوري الأراضي في الولايات المتحدة. في البداية، كانوا يشترون الأراضي غير المستغلة ثم يقومون بتطويرها لجعلها قابلة للبيع للآخرين، وفي مرحلة لاحقة بدأت الشركة الدخول في شراكات لبناء متاجر تجزئة على الأراضي التي تمتلكها ثم تؤجرها لأصحاب سلاسل التجزئة.



في عام 1997 قرر مؤسس الشركة التقاعد ليتولى ابنه منصب المدير التنفيذي، مضى الابن على خطى الأب بنجاح على مدار السنوات الثماني اللاحقة قبل أن يقرر التفكير خارج الصندوق بحسب رأيه! قرر الابن فجأة البحث عن فرص نمو جديدة، قبل أن يهديه تفكيره إلى استغلال المحفظة العقارية للشركة التي تضم عددًا كبيرًا من مباني متاجر التجزئة في الدخول إلى قطاع التجزئة ذاته.


"بدت إدارة سلسلة من متاجر التجزئة فكرة جيدة.. إنها مربحة وبصراحة تامة بدا الأمر مثيرًا في ذلك الوقت، حيث كان القطاع العقاري يمر بحالة ركود، هل يمكنك التفكير في أي عمل آخر يمكنه توليد النقد على مدار اليوم؟ أقنعت نفسي بأن عمل متاجر التجزئة كان مجرد تجارة عقارية ولكن بوتيرة أسرع"، هذا ما قاله الابن لكاتبي الكتاب في معرض سرده لتفاصيل ما حدث.


حفرة لا قاع لها!


استثمر الابن رأس مال كبيراً جدًا في فكرته الجديدة التي راهن عليها وآمن بها بشدة، ولكن لسوء حظه لم يكن هو ولا أحد في شركته العقارية لديه أي فكرة عن كيفية إدارة أعمال البقالة أو سلاسل التجزئة، والأكثر من ذلك أنها كانت هي المرة الأولى التي يضطر فيها موظفو الشركة للتعامل مع المستهلك العادي، حيث إن أعمال الشركة العقارية كانت تتم مع أصحاب المشاريع التجارية، كانت سلاسل التوريد مختلفة والعمليات مختلفة، وكان الموظفون مختلفين.


بعد أن كانت الشركة وموظفوها يعملون بجداول زمنية تمتد لشهور وأحيانًا سنوات أصبح لزامًا عليهم العمل وفق جداول زمنية يومية، سيطرت حالة من الارتباك والارتجال على إدارة أعمال سلاسل التجزئة الجديدة، وفي سعيه لتغطية آثار الأخطاء اليومية وما تسببت فيه من خسائر، اضطر الابن لسحب المزيد من الأموال من خزينة الشركة ومشاريعها الإنشائية وضخها في أعمال التجزئة على أمل أن ينصلح حالها يومًا ما.



خلال أقل من عام بدأت حيازات الشركة من النقد تقترب من النفاد بشكل كامل، وبدلًا من أن يتوقف عن المضي قدمًا في مشروعه الذي تأكد فشله، قرر الابن اللجوء للاقتراض بضمان المحفظة العقارية للشركة ليضخ أموالاً جديدة في سلاسل التجزئة التي بدت كحفرة لا يمكن ردمها، رهن الابن الأعمال العقارية للشركة والتي كانت سر نجاحها على مدار عقود محاولًا إنقاذ مشروعه الفاشل من أول يوم.


ضاعت الشركة!


بينما يسترجع ذكرياته عن هذه الفترة يقول الابن لكاتبي الكتاب: اعتقدت أنني كقائد لهذه الشركة يجب علي أن أفكر خارج الصندوق للمضي قدمًا بشركتي، لكن لو كنت ركزت على ما نفهم فيه فقط لاستمرت الشركة إلى اليوم، التفكير خارج الصندوق قتل شركتي".


في العام 2007 قرر الابن أخيرًا التخلي عن مشروعه الفاشل بمجال التجزئة التي لا يفهم فيها، ليعود ليركز على النشاط الأساسي للشركة وهو النشاط العقاري، ولكن عاجله القدر فاندلعت أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة التي قلبت أحوال السوق الأمريكي رأسًا على عقب، وفي ظل افتقارها لحيازات معتبرة من الكاش الذي أضاعه الابن على مغامرته التجارية، لم تتمكن الشركة من الصمود وانهارت.



في عام 2009 أغلقت الشركة جميع مكاتبها باستثناء مكتب واحد، وقامت بتسريح مئات الموظفين، وفي العام الذي يليه أغلقت الشركة أبوابها للأبد، بعد أن فشلت في مجاراة المنافسين الذين كانوا في وضع مالي جيد مكنهم من تجاوز الأزمة رغم شدتها.


بفضل تفكيره خارج الصندوق كما يدعي، أضاع الابن الشركة التي حافظ عليها والده لأكثر من ربع قرن في 18 شهرًا فقط، وساهم في تشريد مئات الموظفين وضياع أموال الدائنين والموردين والشركاء، ما سبق يستدعي السؤال المنطقي التالي: لماذا يضيع الجيل الثاني والثالث في أغلب الأحوال ما بناه الجيل الأول؟


المصادر: أرقام 

كتاب: The Wisdom of Failure: How to Learn the Tough Leadership Lessons Without Paying the Price

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة