إلى أين يتحرك معدل البطالة في الخليج؟

تُمثل التنافسية المتزايدة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، والانتقال من مرحلة التعليم إلى العمل المُنتج والمُجزي تحديًا كبيرًا أمام  المنضمين حديثا لسوق العمل في كل مكان، إلا أن الوضع في منطقة الخليج يبدو مختلفا، مع وجود إشكالية في التوزيع الجغرافي للبطالة كما ترى منظمة العمل الدولية وكذلك عدد العاطلين داخل مناطق مختلفة في البلد الواحد.
 

ويرى محللون أنه من الضروري تهيئة بيئة مواتية تمكّن الشباب -الذين تتجاوز البطالة بينهم 27% وهو معدل يوازي ضعف المتوسط العالمي- فيها من توجيه المهارات والمعرفة المُكتسبة من التعليم إلى سوق العمل لتحقيق تطلعاتهم وتجنب إحباطهم وضمان استقرارهم الاجتماعي.
 

وفي نفس الوقت تمثل للأفواج الكبيرة من الشباب تجمعًا هائلاً للمواهب، ويُمكن بناء اقتصادات أكثر تنافسية واستدامة، من خلال استغلال طاقتهم مع توفير إمكانات هائلة لدفع عملية الابتكار.
 

التعداد السكاني
 

وفقًا للتقرير الذي أصدرته مؤسسة الخليج للاستثمار عام 2012 فقد زاد عدد سكان الخليج من 7.7  مليون نسمة عام 1970 لـ 39.2 مليون نسمة عام 2010، ومن المتوقع أن يصل أعداد السكان في المنطقة إلى 53  مليون نسمة بحلول عام 2020، وإلى 65 مليون نسمة بحلول عام 2050.
 

ويوضح الجدول التالي مقارنة بين أعداد سكان كل دولة من دول الخليج عام 1970 و 2010 و2050، ونسبة النمو في الأعوام الثلاثة.

وفي سياقِ متصل، كشف تقرير صدر على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد في سويسرا عام 2014 عن وجود مخاوف من عدم قدرة الحكومات على توفير الرعاية الاجتماعية للمواطنين لوقت أطول، بسبب انخفاض سعر النفط ونمو أعداد السكان، إذ إن الصناعات والخدمات لن تكون قادرة على استيعاب المزيد من الخريجين.
 

وأكد التقرير على حاجة دول الخليج -باستثناء المملكة - إلى الحفاظ على الأيدي العاملة الأجنبية لنقص الموارد البشرية الوطنية، في الوقت الذي تآكلت فيه الطبقة الوسطى وارتفعت نسبة الفقر.
 

وأكد التقرير الذي أعدته دائرة الإحصاءات العامة على ارتفاع نسبة البطالة في السعودية، إذ بلغ أعداد العاطلين من الذكور عن العمل 261 ألف عاطل عام 2013، مقارنة بـ 17 ألف عاطل عام 2012، وبلغ عدد النساء العاطلات عن العمل 361 ألف عاطلة عن العمل عام 2013، مقارنة بـ 358 ألفا عام 2012.
 

ويوضح الجدول التالي الصادر عن البنك الدولي عام 2013 مقارنة بين نسبة البطالة الكلية ونسبة البطالة بين الشباب في كل دولة من دول الخليج:

بينما يُظهر الجدول التالي الصادر عن مؤسسة الخليج للاستثمار نمو معدل البطالة في كل دولة من دول الخليج منذ عام 1991 وحتى عام 2010.

أسباب ارتفاع معدلات البطالة
 

تتعدد أسباب ارتفاع معدلات البطالة في منطقة الخليج. فوفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد الإقليمي، سوف تزيد نسبة البطالة في المنطقة بسبب اتجاه الحكومات لخفض الإنفاق لمواجهة ارتفاع العجز المالي.
 

وإذا ظل نمو الوظائف في القطاع الخاص على نفس المنوال السابق، وإذا توافق نمو الوظائف في القطاع العام مع التوقعات المالية الحالية فإن أكثر من نصف مليون موظف سوف تنتهي بهم الحال ليكونوا عاطلين عن العمل، بالإضافة إلى مليون شخص عاطل بالفعل عن العمل في منطقة الخليج، باستثناء الإمارات.
 

ورغم أن القطاع الخاص ينبغي أن يحل محل القطاع العام في خلق فرص عمل، ورغم توسع القطاع الخاص بعيدًا عن مجال النفط، إلا أن بعض الصناعات في المنطقة لا تزال تعتمد بشكل كبير على رأس مال قطاع الغاز والنفط، مما يولد فرص عمل مباشرة محدودة.
 

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القطاع الخاص يعتمد في حد ذاته على الإنفاق الحكومي بشكل كبير، وبحاجة إلى أن يُصبح مكتفيا ذاتيًا من خلال زيادة القدرة التنافسية في الأسواق الأخرى بما في ذلك الصادرات.
 

ومن الضروري لحل هذه المشكلة تحفيز المواطنين على الانتقال إلى القطاع الخاص، وتحسين مهاراتهم، وجعل هذه المهارات أكثر ملاءمة للقطاع الخاص من خلال تحسين نوعية التعليم.

أزمة التعليم وعلاقتها المباشرة بالبطالة
 

رغم أن التعليم يُشكل حجر الأساس لتطور ونمو سوق العمل، إلا أن هناك عدم توافق في دول الخليج بين المؤهلات والمهارات التي ينتجها النظام التعليمي وبين متطلبات سوق العمل والمواصفات التي يحتاجها أرباب العمل في القطاع الخاص، مما جعل من الصعب على الخريجين الجدد في دول الخليج منافسة العمال الأجانب وكسب فرص عمل في القطاع الخاص.
 

وتم إصدار تقريرين خاصين بقطاع التعليم في دول الخليج عام 2014، وقد ألقيا اللوم على المؤسسات التعليمية المحلية في مستوى جودة الخريجين، وسلط التقرير الأول الذي أعدته شركة "إرنست ويونغ" الضوء على انعدام ثقة أرباب العمل في دول الخليج في النظام التعليمي، ويعتقد 29% منهم فحسب أن النظام التعليمي يؤهل الطلاب بالمهارات المطلوبة لسوق العمل.
 

بينما أشار التقرير الثاني الذي أصدرته شركة " ألبن كابيتال" إلى أنه على الرغم من الاستثمارات التي تُقدر بالمليارات والإصلاحات التي تتم في قطاع التعليم، إلا أن دول الخليج تواجه نقصًا في اليد العاملة المختصة والماهرة.

عدد فرص العمل المفترض توفيرها
 

ربما يعد خلق فرص عمل كافية مع النمو المتزايد للشباب في دول الخليج هو الهدف الأكثر تحديًا في سياسة دول مجلس التعاون الخليجي، فقد أعلن وزير الاستثمار السعودي عام 2014 عن حاجة المملكة لتوفير 1.3 مليون فرصة عمل إضافية بحلول عام 2020.
 

ووفقًا لتوقعات مؤسسة الخليج للاستثمار فإن إجمالي عدد فرص العمل التي يجب توافرها لمواطني الخليج بين عامي 2010 و2020 هي 2.1 مليون فرصة عمل، بينما يبلغ عدد الوظائف التي ينبغي توافرها وفقًا لمنظمة العمل الدولية 3.3 مليون وظيفة، ويرجع هذا الرقم الأخير إلى حقيقة أنه يتضمن وظائف الأجانب.
 

وفيما يلي جدول يوضح عدد الوظائف بالآلاف المفترض توفيرها خلال الخمس سنوات القادمة وفقًا لمنظمة العمل الدولية.

بينما يوضح الجدول التالي عدد الوظائف بالآلاف المفترض توفيرها في نفس الفترة وفقًا للبيانات الوطنية.

فرص تضافر مجهودات القطاعيّن العام والخاص
 

يواجه سوق العمل الخليجي مشكلات هيكلية، فلا يزال القطاع العام يجذب الشباب أكثر من القطاع الخاص بسبب ارتفاع الأجور والأمان الوظيفي، كما جرت العادة على أن القطاع الخاص في الخليج هو عبارة عن شركات عائلية، يتم توظيف عمال منخفضي المهارة والأجور بها من العمال المهاجرين.
 

ورغم زيادة الاستثمار في القطاع الخاص المحلي والأجنبي، إلا أن الشركات تواصل توظيف العمال الأجانب، وعلى الرغم من الجهود السياسية لتأميم القوى العاملة، فإن المواطنين يسيطرون على القطاع العام، بينما يسيطر العمال الأجانب على القطاع الخاص.
 

وقد أجريت العديد من الدراسات على قضايا البطالة بين الشباب على مدى العقد الماضي، وقامت الحكومات بتقديم البرامج والسياسات التي تهدف إلى معالجة وضع فرص العمل للشباب، وتشمل هذه الإصلاحات نظام التعليم.
 

وتحتاج الحكومات في المنطقة إلى إيجاد طرق لإعادة هيكلة مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، من أجل تحسين قدرة نظام التعليم على تخريج المواطنين الشباب، المؤهلين بالمهارات اللازمة التي يتطلبها سوق العمل، وزيادة قدرة القطاع الخاص على خلق فرص عمل مستدامة جيدة للمواطنين الشباب.