نبض أرقام
15:48
توقيت مكة المكرمة

2024/05/29

"الفوران الاقتصادي".. كيف يأكل النمو المتسارع نفسه؟

2018/12/01 أرقام - خاص

جرت العادة أن يكون هناك -كما يقول المثل الشهير- "ضارة نافعة"، لكن بخلاف المعتاد فبعض الأنشطة كالاقتصاد تشهد "نافعة ضارة"، حيث يؤدي طول مدة وقوة النمو إلى عواقب غير محمودة، يعتقد الكثيرون أنها لا تحدث إلا كنتيجة للأداء الهزيل للاقتصادات، والحقيقة أنه حتى الأداء المميز قد يقوض نفسه بنفسه ويضع نهاية لطفرة النمو.

 

تشهد فترات النمو الممتدة في كثير من الأحوال ما يعرف بـ"الفوران الاقتصادي"، وخلاله لا تستطيع القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني مجاراة الطلب الإجمالي للبلاد، وهو ما يقود بطبيعة الحال إلى ارتفاع التضخم نظرًا لامتلاك المستهلكين أموالًا كثيرة يحاولون من خلالها الحصول على عدد غير كاف من السلع (لا يكفي لتلبية الطلب).

 

 

هذا لا يجعلنا ننكر حقيقة أن النمو الاقتصادي القوي مفيد للمستهلكين والشركات والمجتمع ككل، حيث يوفر المزيد من الوظائف للمواطنين وبالتالي يمنحهم فرصة لكسب المال وتحسين مستوى معيشتهم، لذا يستحسن الكثيرون الحفاظ على معدل نمو متسارع ومستدام، لكن في بعض الأحيان قد يصبح النمو أسرع بكثير لدرجة "الإنهاك".

 

وبذلك يمكن القول إن الفوران الاقتصادي يقصد به؛ تسبب فترة طويلة من النمو والأداء الجيد في ارتفاع التضخم بفعل زيادة الثروة الاستهلاكية، ويؤدي إلى عدم كفاية المعروض، ويدفع المنتجين إلى تعزيز طاقتهم الإنتاجية في محاولة للاستفادة من هذه الثروة الكبيرة، لكن عدم الكفاية والتضخم يقوضان في النهاية نمو الاقتصاد، وفي كثير من الأحيان ينذران بقرب الركود.

 

كيف يمكن تجنبه؟

 

- ببساطة، الاقتصاد المحموم أو ذلك الذي يشهد حالة من الفوران، يتوسع بوتيرة لا يمكن تحملها، وتعد معدلات التضخم المرتفعة (في الغالب)، من أهم العلامات التي تدل على دخول الاقتصاد إلى هذه المرحلة، ونتيجة لذلك، عادة ما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة في محاولة لتهدئة الإنفاق وتقليل الاقتراض، بحسب "إنفستوبيديا".

 

- رغم أن المصارف المركزية قادرة وعادة ما تتدخل لاحتواء التضخم عبر زيادة معدل الفائدة، لكنها تأتي متأخرة كثيرًا في أغلب الأحوال، نظرًا لكون التضخم مؤشرا متأخرا بطبيعته، فسيستغرق الأمر بعض الوقت كي تتمكن تعديلات السياسة من إحداث التغيير المستهدف.

 

- الفوران في هذه الحالة، لا يقصد به عدم القدرة على تلبية طلب المواطنين فقط، وإنما الطلب الكلي، ويشمل ذلك الأفراد والشركات والجهات الحكومية، ولعل أحد أبرز ملامح هذه المرحلة هي "التوظيف الكامل" التي تحدث عندما يقترب الاقتصاد من توظيف كل شخص يحتاج لعمل، وحينها يكون هناك قدر ضئيل للغاية وربما منعدم من الموارد غير المستخدمة أو الطاقة الفائضة في الاقتصاد، ما يشكل عقبة أمام زيادة الإنتاج، حسبما أفاد الموقع الرسمي للبنك المركزي الآيرلندي.

 

 

- مع ذلك، فليست كل زيادة في الأسعار أو معدل الفائدة تعني أن هناك حالة من الفوران في الاقتصاد، بل يتطلب الإقرار ببلوغ هذه المحطة الارتفاع المستمر إلى ما يفوق المتوسطات التاريخية، وفي النهاية حتى مع حدوث هذا لن يكون الاقتصاد قد دخل بالفعل إلى مرحلة الفوران وإنما ربما تكون إشارة على الاتجاه نحوها، بحسب "واشنطن بوست".

 

- كما أن ليس كل تدخل من السلطات المعنية يؤتي أكله، فخلال الفترة بين عامي 2004 و2006، رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة 17 مرة بشكل تدريجي لاحتواء حالة الفوران في الاقتصاد الأمريكي، ومع ذلك، بلغ التضخم 5.6%، وأعقب الارتفاع السريع للأسعار حالة من الركود التي تسببت في هبوط التضخم إلى ما دون الصفر خلال ستة أشهر.

 

- بشكل عام، على صناع السياسات التحرك سريعًا للحد من الإقراض المفرط، والاستعداد لاحتواء الصدمات المحتملة في الاقتصاد، وفي سبيل ذلك يلجأ البنك المركزي إلى سياسات التحوط الكلية، التي تهدف لصد المخاطر النظامية في القطاع المالي، كأن يسن البنك المركزي حزمة من الإجراءات المصممة لضمان تقديم البنوك مستويات معقولة ومحمية من قروض شراء المنازل.

 

مخاطر منطوية

 

- من الضروري التيقظ لاتجاهات الاقتصاد ومراقبة المسافة بينه وبين الفوران، والذي يميل دائمًا إلى إحداث تباطؤ ضار، فكما أشرنا في الأعلى، لن يستطيع المنتجون توفير جميع السلع التي يطلبها السوق، وهو عامل يُعجل بارتفاع الأسعار، ويتسبب في ظاهرة "دوامة الأسعار والأجور" حيث تقود الأسعار المرتفعة إلى زيادة الأجور، والعكس بالعكس.

 

- عادة ما تحدث هذه الظاهرة مع اقتراب الاقتصاد من التوظيف الكامل، لأنه سيكون على أصحاب العمل تقديم المزيد من الإغراءات لجذب العمال الجدد والحفاظ على الحاليين، ومعها سيجد المصدرون صعوبة في بيع منتجاتهم في الخارج لأنها أكثر تكلفة.

 

- يشار هنا إلى أن العمال الأقل مهارة ربما يكونون الأكثر استفادة خلال فترة الفوران، حيث من المرجح تحقيقهم مكاسب أكبر في الأجور كلما انخفضت البطالة وزاد الطلب على العمالة، بحسب "الإيكونوميست"، لكن هذه المكاسب لن تكون مستدامة كما سنستعرض في السطور القادمة.

 

 

- يمكن لهذه الظاهرة أن تدفع الأسر والشركات نحو الواردات لتلبية مطالبها، وإذا طال أجلها، فستشكل معضلة كبيرة، فعلى سبيل المثال ستتسبب الأسعار المرتفعة في تآكل القدرة التنافسية للبلاد في الأسواق العالمية، ما يترتب عليه تدهور التجارة وفقدان الوظائف.

 

- لعل أبرز تداعيات الفوران الاقتصادي، هو ارتفاع ثقة الأسر والشركات بشكل مبالغ فيه، حيث يصبح الناس أكثر تفاؤلًا بشأن آفاق دخلهم في المستقبل، وهذا الشعور سيقودهم بطبيعة الحال إلى مزيد من الاستدانة، وفي حال خابت توقعاتهم، سيكون من الصعب عليهم التكيف مع الوضع الجديد للاقتصاد، وبقول آخر ستكون هناك حالات إفلاس وتسريح للعمالة وتخفيض للأجور وتدهور في الخدمات العامة.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة