نبض أرقام
19:05
توقيت مكة المكرمة

2024/05/29

كيف حققت تشيلي "المعجزة الاقتصادية" ودحرت الفقر في نهاية المطاف؟

2019/01/18 أرقام - خاص

نما اقتصاد تشيلي بمتوسط سنوي 5% على مدار ربع قرن منذ عام 1990 -الذي سقط فيه النظام العسكري الحاكم- لكنه كان قد بدأ مساره الصعودي طويل الأجل قبل ذلك منذ تلاشي أزمته في الثمانينيات وتحديدًا منذ عام 1984، وطوال هذه الفترة لم ينكمش اقتصاد البلد اللاتيني سوى مرتين، الأولى عام 1999 والثانية في 2009 تزامنًا مع الأزمة المالية العالمية، بواقع 0.5% و1.5% لكل مناسبة منهما على التوالي.
 

 

ويرجع الفضل في هذا النمو المطرد بعد الفترة العصيبة التي شهدها اقتصاد تشيلي في أوائل الثمانينيات إلى الإدارة الفعالة للاقتصاد الكلي الذي أصبح أكثر انفتاحًا فيما بعد، والسياسات الجريئة التي أسهم في صياغتها مجموعة من الخبراء الوطنيين والذين عرفوا آنذاك باسم "فتية شيكاغو"، حيث كانوا من دارسي الاقتصاد في جامعة شيكاغو.

 

تميز التجربة
 

- عُرفت هذه الحقبة باسم "معجزة تشيلي"، حيث نما الاقتصاد بشكل استثنائي وبمعدلات أقوى من نظيرتها في كثير من بلدان العالم (تخطت 10% في بعض السنوات)، ومع هذا التطور تحسن مستوى رفاهية المواطنين وانخفض كل من الفقر والبطالة وأصبحت سمعة البلاد أفضل على الصعيد العالمي.
 

- مع ذلك، لم يكن المسار الذي عبرت من خلاله تشيلي إلى هذه التجربة الفريدة ممهدًا، وفي بعض اللحظات كانت الطفرة اللاتينية مهددة بالحياد عن الطريق، وتبدأ القصة في عام 1982 عندما انكمش اقتصاد البلاد بأكثر من 11% خلال ركود عالمي قاس، تزامنًا مع تقييم العملة المحلية بأكثر من قيمتها الحقيقية وهو ما يدعها عرضة للخطر مع تدهور الاقتصاد العالمي.
 

 

- في هذه الأثناء تعطلت تدفقات رأس المال، ما أضعف قدرة الاقتصاد على تمويل الاستثمار، ومع هبوط قيمة العملة المحلية في وقت لاحق تفاقم سوء الأوضاع حيث حد ذلك من الثروة الفعلية للشركات والأفراد، ودامت هذه الاضطرابات طيلة عامين، وارتفع معها معدل البطالة إلى ما يربو على 23%، وتراجعت مستويات الأجور بأكثر من 10%، حسبما أفاد موقع مؤسسة "هريتِج" للأبحاث والدراسات.
 

- رغم أن بلدان المنطقة شهدت أزمات مماثلة، إلا أن أيًا منها لم يسجل انكماشًا لعام واحد كالذي سجلته تشيلي، لكن على أي حال، نجحت إدارة الأزمات في إيقاف هذا النزيف الاقتصادي، وبعد عشر سنوات أظهرت الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة أن البلد شهد أقوى معدل نمو بين جميع دول منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي خلال الثمانينيات، مع استثناء بلدين كاريبيين لم يتأثرا من الأساس بصدمات الاقتصاد العالمي.

 

إنجازات تاريخية
 

- الأيام الصعبة على الاقتصاد التشيلي ولت أخيرًا، ورغم تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنوات القليلة الماضية، إلا أنه يظل قويًا، ويصل حجمه إلى نحو 277 مليار دولار، مقارنة بنحو 20 مليارًا فقط في عام 1984 (العام الذي بدأ فيه المسار الصعودي)، وفقًا لبيانات البنك الدولي المنشورة عبر موقعه الإلكتروني.
 

- الاقتصاد التشيلي الآن أكثر انفتاحًا على الاستثمار، ويدعم حرية التجارة بقوة ولديه سياسات مرنة، ما خفف من حدة الصدمات الخارجية الأخيرة، ولعل إحدى أبرز العلامات الفارقة في تاريخ البلاد والتي تبرهن على قوة المسار الاقتصادي؛ انضمامها إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
 

 

- في مراجعة نشرتها المكتبة الإلكترونية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جاء: عملت الإدارة الفعالة للاقتصاد الكلي على عزل تشيلي عن أنماط النمو الأكثر تقلبًا في بلدان أمريكا اللاتينية، وقادته للتفوق على البلدان المجاورة، ما أدى إلى إلغاء الفجوات في دخل الأفراد.
 

- على سبيل المثال، أصبح متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (نحو 24 ألف دولار) أعلى 40% عن المتوسط المسجل في منطقة أمريكا اللاتينية، وبينما كانت حصة الفرد التشيلي من الناتج المحلي الإجمالي تعادل 26% فقط من حصة نظيره الأمريكي عام 1990، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى 40% عام 2016.
 

- تقول موسوعة المعلومات المالية والاقتصادية "إنفستوبيديا" في تقرير لها حول المعجزة في تشيلي: ساعد النمو المستدام وبرامج الدعم الاجتماعي على خفض الفقر في البلاد، وتراجعت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع (2.5 دولار يوميًا) من 20.8% عام 1990 إلى 2% فقط بحلول عام 2013، فيما انخفضت نسبة من يعيشون في فقر معتدل (4 دولارات يوميًا) من 40.8% إلى 6.8% خلال نفس الفترة.

 

كيف فعلتها تشيلي؟
 

- كان أحد أسباب الازدهار الاقتصادي هو السياسات الحكيمة، بالإضافة إلى الفوائض الكبيرة التي حققتها البلاد من ارتفاع أسعار النحاس، ما ساعدها على تمويل حزمة التحفيز الاقتصادي التي بلغت قيمتها 4 مليارات دولار عام 2009.
 

 

- ساعد ذلك تشيلي على الحد من آثار الاضطراب الذي هز الأسواق العالمية، جنبًا إلى جنب مع الزلزال الذي ضرب البلاد ثم كارثة تسونامي في عام 2010، مما تسبب في خسائر قيمتها 30 مليار دولار.
 

- ساعدت جهود إعادة الإعمار إلى جانب نمو الاستثمار والاستهلاك الخاص، اقتصاد البلد اللاتيني على تسجيل معدل نمو يبلغ 5.3% خلال الفترة من عام 2010 إلى 2013 رغم التحديات المحلية والعالمية.
 

- لكن قبل هذه الحقبة، يرجع الفضل في المسار القوي طويل الأجل للاقتصاد التشيلي إلى عقد من الإصلاحات التي أجرتها الحكومات المتعاقبة، والتي شملت تحسين نظام الضمان الاجتماعي والالتزام بسياسات تحرير التجارة والتي شملت تخفيض الرسوم الجمركية على دفعتين، علاوة على توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة.
 

 

- خلال التسعينيات، عمقت الحكومات الديمقراطية التي استبدلت الحكم العسكري في البلاد، جهود الخصخصة مع تمسكها بمعايير أعلى للشفافية، والتنافسية في إجراء العطاءات، والتسعير العادل، كما منحت أولوية لصياغة وتنفيذ القواعد التنظيمية الحديثة والأكثر ملاءمة، ونتيجة كل ذلك، زادت عائدات البلاد من حيث الكم والقدرة الشرائية أيضًا، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
 

- كما ركزت الحكومات الديمقراطية مبكرًا على تنمية رأس المال البشري والتطوير المؤسسي، وفي ذلك الإطار دعمت جودة التعليم وزادت الميزانية المخصصة له، ووضعت خطة إصلاح شامل للقطاع برمته؛ شملت تدريب المعلمين وزيادة ساعات الدراسة وتحديث المناهج.
 

- عملت تشيلي أيضًا على تحسين نوعية وكفاءة نظامها القضائي، وشرعت في إصلاحات واسعة النطاق نتج عنها تبني مفهوم جديد للمحاكمات الجنائية، وبشكل عام استهدفت هذه الإصلاحات تحسين توقيت المحاكمة وضمان شفافيتها ونزاهتها.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة