نبض أرقام
17:50
توقيت مكة المكرمة

2024/05/30

إلى المنزعجين من هيمنة الدولار .. هل يملك العالم خيارًا آخر؟

2019/03/08 أرقام - خاص

في روايته الشهيرة "بلد العميان" حكى لنا الروائي البريطاني "هربرت جورج ويلز" قصة مجموعة من المهاجرين هربوا من طغيان الإسبان في بيرو إلى أحد الوديان قبل أن تقع انهيارات صخرية عزلتهم عن العالم في ذلك الوادي، وانتشر بينهم مرض غامض أصابهم بالعمى وظلوا يتوارثونه جيلاً بعد جيل، إلى أن أتى عليهم زمن لم يكن فيما بينهم مبصر واحد، لينسوا مع الوقت أن هناك ما يسمى بنعمة البصر أو عضو يسمى العين.

 

 

وبينما هم على هذه الحال يظهر لهم شاب مغامر من متسلقي الجبال شاء القدر أن تتقاطع طرقه مع طرقهم، ولم يمر الكثير قبل أن يدرك ذلك الشاب أنه في بلد العميان، لتقفز بسرعة إلى رأسه مقولة "في بلد العميان يصير الأعور ملكاً".

 

"في بلد العميان يصير الأعور ملكاً" .. هذه العبارة هي ربما أفضل وصف لحال العالم مع الدولار الأمريكي.

 

هل لديك بديل؟

 

قصة صعود الدولار بعد الحرب العالمية الأولى وهيمنته المطلقة على النظام المالي العالمي المستمرة حتى الآن ممتعة إلى حد كبير وربما مثيرة جداً للاهتمام، ولكن هل تعرفون ما هو الأكثر إثارة للاهتمام؟ الأكثر إثارة هو حقيقة أن الأزمات المالية العالمية تعزز مكانة الدولار ولا تضعفها كما يعتقد أغلبنا.

 

ما لا يدركه بعضنا هو أن الدولار أكثر من مجرد عملة، فهو قطب رحى النظام المالي العالمي وأساسه الذي لا يقوم من دونه، وسواء حدث ذلك غصباً أو عن طيب خاطر فإن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أنه لا يوجد مخرج سهل من النظام الذي يهيمن عليه الدولار.

 

وقبل أن نتابع يمكننا أن نختصر جوهر القصة في السؤال التالي: إذا لم يكن الدولار فماذا؟ ما البديل؟ للأسف لا يمتلك أحد إجابة مقنعة على هذا السؤال على الرغم من أنه مطروح بقوة منذ عدة عقود، وإلى أن يحدث ذلك يجب أن ندرك أنه لا جدوى من التذمر من هيمنة الأخضر الأمريكي على النظام النقدي العالمي.

 

عندما يحتاج المستثمرون إلى ملاذ آمن يضعون فيه أموالهم أثناء فترات الاضطراب المالي يتحولون مباشرة إلى الولايات المتحدة حتى لو كانت هي مصدر ذلك الاضطراب.

 

 

فمن المفارقات العجيبة أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي تسببت في انهيار سوق الإسكان بالولايات المتحدة عززت من مكانة الدولار العالمية، وذلك بفضل ارتفاع الطلب على الأصول المالية الأمريكية الآمنة.

 

الولايات المتحدة هي تقريباً الدولة الوحيدة في العالم التي يمكنها توفير أصول آمنة مقومة بعملة احتياطية. وما يعزز الطلب على الأصول الأمريكية المقومة بالدولار هو سلوك البنوك المركزية الأخرى الخاصة بالاقتصادات المتقدمة مثل بنك اليابان والبنك الوطني السويسري والتي تتعمد إضعاف عملاتها. حيث تتدخل هذه البنوك مباشرة في أسواق الصرف الأجنبي للحيلولة دون ارتفاع قيمة عملات بلادها.

 

والطريف هو أن الأسواق الناشئة التي يتذمر بعضها من آن لآخر من هيمنة الدولار تسهم هي الأخرى في تعزيز مكانة الدولار، من خلال الحرص على بناء كمية كبيرة من الاحتياطيات الأجنبية عادة ما يكون قوامها الأساسي هو الدولار.

 

لجوء الأسواق الناشئة إلى مراكمة كميات كبيرة من الدولار له أسبابه. فببساطة، تعتمد هذه البلدان بشكل كبير على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في تمويل النمو، ولكنها في الوقت نفسه تدرك أنه بمجرد أن يشعر المستثمرون الأجانب بأن هناك أزمة قادمة سيديرون ظهورهم على الفور ويخرجون بأموالهم، مما يعرض هذه البلدان لكوارث مالية.

 

لكن إذا كانت هذه البلدان تمتلك كميات معتبرة من الاحتياطيات الأجنبية وبالأخص الدولار فيمكنها التعامل بسهولة أكثر مع الطبيعة المتقلبة لرؤوس الأموال الأجنبية وأسعار الصرف، وتجنيب اقتصاداتها لأزمات لا داعي لها.

 

لماذا نثق في الدولار؟

 

الوضع الحالي للدولار لا يتعلق بما يمكن أن يسميه البعض "الاستثنائية الأمريكية"، بقدر ما يتعلق بمواطن الضعف في الموجودة في بقية العالم والمشكلات العميقة في بنية النظام النقدي العالمي. فالسبب الذي يجعل الولايات المتحدة شديدة الأهمية في النظام المالي العالمي ليس حجم اقتصادها كما يعتقد البعض وإنما حقيقة أنها رغم كل شيء لا تزال أفضل دولة مؤسساتية في العالم.

 

كونها دولة مؤسسات راسخة هو السبب في أنها تمتلك أكبر سوق سندات في العالم، والذي تبدو إلى جانبه الأسواق الخاصة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى كأقزام، وذلك على الرغم من كم الديون الهائل الذي يثقل كاهل الحكومة الأمريكية.

 

لكن ما هو سر ثقة المستثمرين بالنظام الأمريكي؟ هذا النظام لديه مجموعة من الضوابط والتوازنات التي تحكم العلاقة بين مختلف أذرع الحكومة الأمريكية، إلى جانب عملية ديمقراطية مفتوحة وشفافة، وهو ما يعطي المستثمرين إحساساً بالثقة في المؤسسات العامة الأمريكية.

 

 

يتم إرساء حكم القانون بحزم، وتخضع السلطة التنفيذية بكافة مستوياتها لقواعد القانون ولا يمكنها بأي شكل تجاوزه. وما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب أيضاً بالنظام الأمريكي هي معرفتهم أنهم سيعاملون بإنصاف إذا استثمروا في الولايات المتحدة، وأن ديونهم المستحقة لا يمكن شطبها بشكل تعسفي على حسب أهواء السياسيين.

 

على سبيل المثال، ينظر الآن إلى البنك المركزي الأمريكي أو مجلس الاحتياطي الفيدرالي من قبل العالم باعتباره المؤسسة القادرة بمفردها على الحيلولة دون انهيار النظام المالي العالمي. بفضل قدرته على إصدار كميات غير محدودة من الدولار، تمكن الفيدرالي من إنقاذ النظام المالي في ذروة الأزمة من خلال العمل كمقرض موثوق ليس للنظام المالي الأمريكي فقط وإنما العالم ككل.

 

اليوان الصيني لا يمكنه تهديد الدولار

 

سبب الثقة التي يحظى بها الدولار هو ذاته الذي تفتقر إليه عملة مثل اليوان الصيني، وهو ما يجعل سيطرة الأخير على مكانة الأول شبه مستحيلة تقريبا في الأمد المنظور على الأقل.

 

في العقود الأخيرة حقق الاقتصاد الصيني قفزات هائلة جعلته يقترب كثيراً من نظيره الأمريكي في عدة نواح من بينها الحجم، وهو الصعود الذي جعل البعض يتساءل عن مستقبل الهيمنة العالمية للدولار في ظل التغيرات المستمرة التي يشهدها ميزان القوة الاقتصادية العالمية.

 

ولكن الواقع يشير إلى أن الصين لن تتمكن بسهولة من التغلب على الريادة التي صنعتها الولايات المتحدة لنفسها من خلال أسواقها المالية ومؤسساتها العامة القوية. فربما يتخطى الاقتصاد الصيني نظيره الأمريكي قريباً من حيث الحجم، ولكن من غير المحتمل أن تمتلك الصين أسواقا بنفس كفاءة وشفافية نظيرتها الأمريكية.

 

 

التركيبة الحالية للنظام السياسي الصيني وعلاقة مؤسساته ببعضها البعض وكذلك نظامها القانوني الضعيف، كلها عوامل تشير إلى أنه لا الصين ولا اليوان سيحظيان أبداً بنفس الثقة التي تحظى بها حالياً الولايات المتحدة ودولاراتها.

 

ببساطة إن السر هو الثقة. وهذا هو السبب وراء صمود الدولار في وجه جميع الأزمات التي واجهها خلال العقود الأخيرة، مما جعله العملة الوحيدة غير القابلة للتنافس.

 

هذا الوضع الاستثنائي الذي يحظى به الدولار يعززه امتلاك الولايات المتحدة لتركيبة لا يمكن تقريباً مطابقتها، فهي لا تمتلك اقتصاداً كبيراً فحسب وإنما لديها أيضاً أسواق مالية عميقة ومؤسسات راسخة وإطار قانوني يثق به العالم أجمع، وهذه هي الحقيقة حتى إشعار آخر.

 

ونتيجة لذلك، من المرجح أن يظل الدولار هو الركن الذي يأوي إليه العالم متى وقعت أي أزمة أو عاصفة مالية في المستقبل، دون أي تهديد حقيقي من أي منافس آخر محتمل على أرض الواقع -في الوقت الراهن- على الأقل.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة