مع ترقب اجتماعي البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر، والمتوقع أن يشهدا حفاظ صناع السياسات في القارة العجوز والولايات المتحدة على موقفيهما من التيسير النقدي، يواصل منحنى العائد الأمريكي عودته إلى طبيعته بعد الانقلاب الذي أثار مخاوف الكثيرين حول العالم.
لكن مثلما قلل البعض من هذه المخاوف بالقول إن انقلاب منحنى العائد الأمريكي ليس دليل قدوم الركوم قريبًا، يرى الخبير الاقتصادي "محمد العريان" أنه لا ينبغي التسرع في اعتبار عودة المنحنى إلى شكله الطبيعي إشارة خير بالنسبة لما ينتظر الاقتصاد.
الخطر لم يكن وشيكًا
- انقلب منحنى العائد الأمريكي خلال الصيف، وسط تزايد المخاوف مما يعنيه ذلك، حتى أن خبراء صندوق النقد حذروا في أوائل يوليو الماضي، من أنه ينذر بتباطؤ حاد للاقتصاد الأمريكي، لكن دون الإشارة إلى نطاق زمني محدد.
- رغم المخاوف بشأن الركود الوشيك للاقتصاد الأمريكي، قلل العديد من الخبراء والمراقبين من قلق الأسواق بشأن الانقلابات المتكررة مؤخرًا في منحنى العائد، والتي يرون أنها حدثت بسبب تشوهات عدة للعلامات في السوق وليس لعوامل أساسية.
- على سبيل المثال، يقول هؤلاء المعارضون لفكرة الركود الوشيك بسبب انقلاب منحنى العائد، إن الأساسيات الاقتصادية المسببة للركود ليست واضحة إلى الآن للحكم بقدومه، ويشمل ذلك، فوران الاقتصاد، وارتفاع التضخم الذي يتسبب في تشديد السياسة النقدية.
- في منتصف أغسطس الماضي، قالت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي السابقة "جانيت يلين" إنه من الخطأ أن تعتبر الأسواق انقلاب منحنى العائد إشارة على ركود وشيك في الولايات المتحدة هذه المرة.
- "يلين" ترى أنه رغم نجاح منحنى العائد في التنبؤ بالركود تاريخيًا، إلا أنه قد يكون إشارة غير صحيحة هذه المرة، معللة ذلك بأن هناك عوامل عدة تدل على قوة الاقتصاد الأمريكي، بما يمنحه القوة الكافية لتجنب الركود.
الآفاق الاقتصادية لم تتغير
- على مدار الأسابيع القليلة الماضية، كان منحنى العائد في الولايات المتحدة يستعيد ببطء وتدريجيًا شكله الصعودي التقليدي، حيث يتم تداول السندات ذات الأجل الأطول عند مستوى أعلى من نظيرتها ذات الأجل الأقصر.
- بالنسبة للمنحنى الأكثر متابعة، والذي يحدد العلاقة بين عائدات سندات الخزانة لأجل عامين ولأجل 10 أعوام، فقد تداولت السندات الأطول أجلًا عند عائد 1.75% بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، أي أكثر بـ17 نقطة أساس عن عائد نظيرتها الأقصر أجلًا.
- من الصعب القول إن عودة المنحنى إلى شكله الطبيعي كان مدفوعًا بتحسن المؤشرات الاقتصادية، فالحقيقة أنها تسوء أكثر، بما في ذلك الانخفاض المفاجئ في مبيعات التجزئة الأسبوع الماضي، الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة بشأن استهلاك الأسر الذي يعد أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد الأمريكي.
- علاوة على ذلك، كان تدهور المؤشرات أكثر وضوحًا على المستوى العالمي، خاصة في الصين وأوروبا، ولا عجب أن ذلك دفع صندوق النقد الدولي لخفض توقعات النمو إلى أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية.
- لذلك، فكما كان انقلاب منحنى العائد في البداية نتيجة تشوه العلامات في الأسواق، واستبعاد الكثيرين لفكرة قدوم الركود، فإن عودته إلى طبيعته ما هي إلا تذكير آخر بكيفية تشوه الإشارات بفعل السياسات غير التقليدية.
تضارب إشارات البنوك المركزية
- رغم علامات الضعف في الاقتصاد العالمي، تراجع حماس البنوك المركزية إزاء استمرار استخدام التدابير غير التقليدية، مثل أسعار الفائدة السالبة وشراء السندات على نطاق واسع، ومع ذلك، فإن هذا التخفيف تبدو فوائده الاقتصادية المستدامة محدودة (إن وجدت بالأساس).
- كما أنه يغذي المخاوف المتزايدة بشأن خطر عدم الاستقرار المالي مستقبلًا، وسوء تخصيص الموارد على الصعيد الاقتصادي، والسلوكيات المتناقضة لأولئك الذين يسعون وراء تأمين مستقبلهم، ما يقود إلى أمور مثل ارتفاع الادخار ويهدد منتجات التقاعد منخفضة المخاطر والتأمين على الحياة.
- من بين الإشارات التي تعكس انحسار حماس البنوك المركزية؛ المعارضة الصريحة من جانب بعض المسؤولين الحاليين والسابقين في المركزي الأوروبي لإجراءات التيسير الكمي، والتقارير الإعلامية التي تشير إلى شهية أقل لدى مسؤولي الفيدرالي الأكثر ميلًا للتخفيف بشأن الخفض الملحوظ للفائدة.
- يمكن لذلك أن يفسر السبب وراء اضطرار مسؤولي الفيدرالي إلى استئناف برنامج شراء الأوراق المالية استجابة للاضطرابات في سوق التمويل بالجملة، والتأكيد على كلمات رئيس البنك "جيروم باول" بأنه لم يطلق برنامجًا للتيسير الكمي.
- كلما استوعبت الأسواق هذه المعنويات والإشارات المتغيرة للسياسة النقدية، كانت أقل تأثرًا بتوقعات السياسة النقدية التي عادة ما تغذي القوى الدافعة لقلب منحنى العائد الأمريكي.
- يقول "العريان": من السابق لأوانه الاحتفال بالارتداد الجزئي الأخير لمنحنى العائد، باعتبار أنه مؤشر على تحسن الآفاق الاقتصادية الأمريكية، والحقيقة أن الانقلاب والارتداد يذكران بمدى تشوه الإشارات الاقتصادية التقليدية بسبب سياسات البنوك المركزية الاستثنائية.
المصادر: مقال للعريان بـ"بلومبيرغ"، التلغراف، أرقام
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}