نبض أرقام
15:06
توقيت مكة المكرمة

2024/06/19

عدم اليقين.. سمة طبيعية تقود ديناميات الأسواق أم دخيل يدمر الاستثمار ويكبح النمو؟

2019/10/30 أرقام

لا شك أن حالة عدم اليقين السياسي تزعج المستثمرين، ويعتبرونها خبرًا سيئًا للاقتصاد والأسواق، وقد أثبتت الدلائل المستقاة من الأبحاث التي تم إجراؤها على أيدي المختصين، أن عدم اليقين يكبح النشاط الاقتصادي بالفعل.

 

 

خلصت الباحثة والاقتصادية المهتمة بالتجارة الدولية "ميريديث كراولي" إلى أنه من غير المرجح دخول الشركات البريطانية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، وأنها أكثر ميلًا للخروج، إذا كانت هذه الأسواق أكثر تأثرًا بخطر انهيار مفاوضات "بريكست".

 

وأظهرت جهود الباحث وأستاذ الاقتصاد بجامعة ماريلاند "نونو ليماو" أن عدم اليقين بشأن السياسة التجارية، هو أحد أبرز العوائق أمام التجارة نفسها، فيما توصل أستاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد "نيكولاس بلوم" إلى أن عدم اليقين يميل عادة إلى أن يكون سببًا في ركود الاقتصاد.

 

في الخامس من أغسطس الماضي، سجلت الأسهم العالمية أسوأ هبوط يومي لها منذ فبراير 2018، حيث تراجع مؤشر "إم إس سي آي" للأسهم العالمية بنسبة 2.52% متجاوزًا حتى نسبة التراجع التي سجلها في ديسمبر الماضي.

 

أرجع المحللون هذا الانخفاض الحاد إلى عدم اليقين التجاري والمخاوف من تصاعد الخلاف بين واشنطن وبكين ما قد يكون له أثر سلبي على الاقتصاد العالمي، ومنذ ذلك الحين، سلكت الأسهم مسارًا متعرجًا، تارة ارتفاع وأخرى انخفاض، وفقًا للمعطيات بشأن المحادثات التجارية.

 

 

الخطر المعروف أفضل من غير المعروف

 

- في عام 1961، حاول اقتصادي شاب واعد يدعى "دانييل إلسبرغ" (عرف على نطاق واسع بعد ذلك باسم الشخص الذي سرب أوراق البنتاغون) استكشاف سر القلق بشأن عدم اليقين والغموض والتداعيات الاقتصادية المترتبة.

 

- تخيل "إلسبرغ" أنه يدعو الناس للمقامرة على جرتين، كل منهما تحتوي على 100 كرة حمراء وسوداء، لكن الأولى معلوم يقينًا أن بها 50 كرة حمراء و50 أخرى سوداء، والثانية تحتوي مزيجًا غير محدد.

 

- بفرض أنه سيعرض مبلغ 100 دولار إذا كانت الكرة التي سيسحبها المقامر حمراء، فمن أي جرة سيختار أن يسحب؟ تبين أن معظم الناس يفضلون الأولى، لكنهم أيضًا سيفضلون الأولى إذا طُلب منهم أن يسحبوا كرة سوداء مقابل مبلغ المائة دولار.

 

- الأمر ليس أنهم يشعرون بأن فرص الفوز أفضل، فمن المنطقي أنه لا يمكن لنفس الجرة أن تكون الخيار الأفضل لكلا اللونين، إنه فقط عدم اليقين، فبطبيعة البشر يشعرون بعدم ارتياح أقل إزاء الخطر المعروف مقارنة بنظيره غير المعروف.

 

- عقب انخفاض الأسهم في الخامس من أغسطس، لم تكن مخاوف المستثمرين نابعة من القلق بشأن معدلات النمو فحسب، وإنما جاءت في الأساس من تأثير عدم اليقين على ثقة الشركات، حيث خشي المستثمرون أن يترتب على ذلك تراجع في الإنفاق والاستثمار، ما دامت السياسات غير متوقعة.

 

 

التأثير على الاستثمارات

 

- هذا النفور من المجهول قد يفسر جزءًا من كيفية تسبب عدم اليقين في تآكل أسس الاقتصاد، لكن البعض أيضًا يعتقد أن المشكلة الرئيسية ترتبط بشيء أكثر مادية.

 

- لو أن هناك رائد أعمال لديه خطط وتصاريح لبناء منشأة لإعادة تدوير الورق في إحدى مدن إنجلترا، وكان هناك "بريكست" مع اتفاق جيد، فمن المرجح أن تصبح المنشأة الكبيرة رابحة، لكن إذا كان الاتفاق سيئًا أو لم يكن هناك اتفاق فربما يكون باستطاعته الكسب لكن بإقامة منشأة صغيرة.

 

- الأمر بسيط، سيكون عليه الانتظار ليتخذ القرار الأفضل عندما ينقشع الغمام من فوق قضية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وبذلك يمكن القول إن عدم اليقين يجعل التأخير أكثر ربحية للمستثمرين.

 

- هذا ما تشير إليه البيانات بالفعل، فاستثمارات القطاع الخاص ضعيفة بشكل ملحوظ، علمًا بأن المملكة المتحدة ليست في حالة ركود، وفي الواقع، من الصعب معرفة كيف أن الاقتصاد البريطاني واصل النمو في ظل ضعف الاستثمارات.

 

- استمر هذا الضعف منذ الاستفتاء على قرار الانسحاب في عام 2016، وهو عند مستوى منخفض تاريخيًا ومقارنة بالولايات المتحدة وألمانيا، ربما يرى البعض الأمر مجرد صدفة، لكن ليس هذا ما يعتقده الخبراء، فمن المرجح أن الشركات تحاول الحفاظ على مرونتها في ظل عدم اليقين.

 

 

لعدم اليقين أوجه جيدة أحيانًا

 

- يقول الاقتصاديان "بنيامين نابارو" و"كريستيان شولز" إنه بالنظر إلى حالة عدم اليقين المستمرة بشأن "بريكست" فإن هذه الرغبة في المرونة يتم تلبيتها من خلال توظيف العمال بدلًا من الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة، ما يوفر سبيلا لزيادة الإنتاج دون قرارات لا يمكن العدول عنها.

 

- مثال لك مصنع إعادة تدوير الورق، فإن عدم اليقين سيدفع المستثمر إلى الحد من الاستثمارات، لكن عدم اليقين ليس دائمًا العقبة التي ينتهي عندها الطريق، فإذا كانت التصاريح مكتملة، فسيعني ذلك أنه يجب اتخاذ قرار بالشروع الآن أو التراجع نهائيًا، لذا سيكون الخيار الأمثل بناء شيء ما (ربما محدود النطاق).

 

- على سبيل المثال، لو كانت مفاوضات "بريكست" وما يصاحبها من عدم يقين، ستستمر حتى عام 2025، ربما يرى المستثمر أن تكاليف التأخير كبيرة جدًا، ويتخذ قرارًا بإنشاء المصنع على الفور.

 

 

- في بعض الحالات يشجع عدم اليقين الاستثمارات الاستكشافية، فرغم أن المستثمرين لا يعلمون ما سيحدث لاحقًا، لكنهم يحاولون التأكد من أن لديهم موطئ قدم في المستقبل، فمثلًا احتمال أن حكومة ما ستكون جادة للغاية إزاء مواجهة تغيرات المناخ، يشجع البحث في التقنيات منخفضة الانبعاث.

 

- تقول مقدمة الخدمات المالية "فيدليتي" في تقرير لها: يقال أحيانًا إن الأسواق تكره عدم اليقين، وهذا ليس دقيقا، فهذه الحالة سمة أساسية للأسواق، وتخلق نوعا من التوتر بين المشترين والبائعين من شأنه تحديد الأسعار، دون عدم يقين لا توجد أسواق.

 

- عادة ما يؤدي ارتفاع عدم اليقين إلى خفض أسعار الأسهم، والعكس صحيح، أما ما يتعلق بحب أو كره هذه الحالة فيتوقف على ما إذا كان المستثمر هو المشتري أم البائع، وفقًا لتقرير "فيدليتي" الذي حمل عنوان "الأمر اليقيني الوحيد في الاستثمار هو عدم اليقين".

 

- ليس كل عدم يقين يقلل الاستثمار، لكن هناك سيناريوهات تضطر المستثمرين إلى تجميد خططهم، حيث يحتمل أن تكون لها عواقب وخيمة أو نتائج متباينة للغاية.

 

المصادر: فاينانشيال تايمز، بلومبيرغ، موقع "فيدليتي"

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة