نبض أرقام
03:34 م
توقيت مكة المكرمة

2025/05/16
2025/05/15

العقوبات على عدم الإفصاح غير رادعة

2009/02/11 القبس-المحامي محمد التويجري

تم الاستغناء عن العقوبات الواردة بقانون 1999 حيث ان المادة 155 من مشروع قانون الهيئة قد ألغت بفقرتها الخامسة القانون رقم 2 لسنة 1999 بشأن الإعلان عن المصالح في أسهم الشركات المساهمة والمتمثلة في عقوبة وجوبية تتخذها اللجنة، وتتمثل في استبعاد الأسهم محل المخالفة من النصاب اللازم لصحة انعقاد الجمعية العمومية ومن التصويت على القرارات التي تتخذها لدورتين انتخابيتين، والجزاء الجوازي الذي توقعه لجنة التحكيم عند إحالة الملف لها من قبل إدارة السوق والمتمثل في الحرمان من الترشيح لعضوية مجلس الإدارة لدورتين انتخابيتين. ولعل مرّد ذلك هو عدم فاعلية هذه العقوبات في بعض الحالات، خصوصاً أن الواقع العملي اثبت توجه القضاء إلى رفض العديد من قرارات التحييد نظراً لغموض بعض الاحكام الواردة بقانون الإعلان عن المصالح لسنة 1999 خصوصاً آجال الإفصاح وطبيعة المعلومات الواجب الإفصاح عنها، وكذلك أحكام قرار لجنة السوق رقم 5 لسنة 1999 الخاص بالإعلان عن المصالح. كما أن جزاءات مخالفة الإفصاح التي وردت بمشروع قانون هيئة سوق المال قد روعي فيها قدر الإمكان أن تكون رادعة ومتنوعة بحسب درجة الخطورة التي يشكلهـا عدم الإفصاح. فالمادة 111 من المشروع تقتضي "بأنـه ومـع عـدم الإخلال بأي عقوبة اشد في قانون آخر يعاقب بغرامة لا تقـل عن ألف دينار ولا تتجاوز مائة ألف دينار كل من خالف أحكام الفصل العاشر". وهو الفصل المتعلق بأحكام الإفصاح عن المصالح. ولفهم مدى فاعلية مثل هذه العقوبـة كعقوبة جديدة (غرامات مالية)، فلا بد من معرفة الغاية التي يرمي إليها المساهـم مـن وراء عـدم الإفصاح. فالمساهمون عندما لا يفصحون فذلك حتى يخفوا وضعهم الحقيقي ومراكزهـم الفعليـة أو تأجيل ذلك بحسب الظروف، خصوصاً أنهم لا يطالبون بالإفصاح إلا فيما زاد عن ملكية الـ 5 في المائة في رأس مال الشركة. ولتدعيم مركزهـم السهمي يحاولون بكـل الطـرق اكتسـاب المزيد من ملكية أسهم الشركة ذاتها أو بطريق امتلاك نسبة مهمة من أسهـم شركـات أخرى تكون بدورها مالكة لنسبة من الأسهم في شركة المخالف الأصلية. فالغاية النهائية هـي اكتسـاب حقـوق أكثر تمنحها ملكية تلك الأسهم. وبجانب الحقوق المالية تمنح الأسهم لملاكها حقوقاً معنوية أي الحق في التصويت واتخاذ القرارات المهمة للشركة. فبقدر ما يزيد حجم الملكية بقدر ما يتدعم المركز التفاوضي والتقريري لمالك الأسهم. وبالتالي الغاية من التملك بصفة مباشرة أو غير مباشرة هي الوصول إلى مراكز القرار في الشركة عن طريق الولوج إلى عضوية تلك المجالس من دون احترام للأحكام المتعلقة بالنظام القانوني لأعضاء مجالس إدارة الشركات المساهمة أو مراعاة لمصالح بقية المساهمين أو المستثمرين المتعاملين بتلك الأسهم. لذلك فإن العقوبات التي وردت بقانون 1999 في محلها وملائمة لحقيقة مخالفة الإفصاح كعقوبات تأديبية إلا ان تجريم عدم الإفصاح، وإن كان يمكن ان يكون رادعا، فقد لا يردع المخالف عن إمكان الالتفاف على العقوبة كأن يحقق مكاسب جراء المخالفة تفوق مبالغ الغرامات القصوى. ويكون بالتالي مستفيداً حتى ولو وقعت عليه الغرامة وهو ما يوجب تدعيم هذا الجزاء بجزاء آخر، كأن تضاعف الغرامة بحدها الأقصى في حالة العود. ولأن المادة 111 من المشروع اقتضت بأنه "ومع عـدم الإخلال بأي عقوبة اشد في أي قانون آخر يعاقب بغرامـة لا تقـل عن ألف دينار ولا تتجاوز 100 ألف دينار كل من خالف أحكام الفصل العاشر" وهو الفصل المتعلق بالإفصاح، فهذا يعني انه لا يمكن توقيع أي عقوبة جزائية أخرى منصوص عليها بأحكام المشروع.


جواز الصلح

لكن يجوز الصلح في جرائم الإفصاح بحسب المادة 120 من المشروع، باعتبـار ان الجرائـم التي يمكن الصلح فيهـا قد تحددت على سبيل الحصر (جرائم المواد 112 ، 114 ، 117 ، 118) وهو ما يدّل على خطورة جريمة الإفصاح وهذا ما نؤيده، لكن إذا ما سلمنا بذلك فهل يجوز التحكيم في نزاعات الإفصاح. ونجد أن الأمر يشوبه بعض الغموض، فعلى الرغم من أن المبدأ أن ما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز فيه التحكيم فإن أحكام المادة 138 المتعلقة بتسوية المنازعات يمكن ان يفهم منها خلاف ذلك. وإيمانا من واضعي مشـروع الهيئـة بعـدم كفايـة هذه العقوبة منفردة كعقوبة مالية فقد سمحوا بإمكان تطبيق عقوبة أخرى، حيث ان المادة 111 من المشروع تقضي بأنه «يمكن تسليط عقوبة أخرى اشد واردة بقانـون آخر كالقانون الجزائي» باعتبار انه يمكن للهيئة إحالة أي مخالفة قد تشكل جريمة للنيابة العامة. أما على المستوى المدني فقد كرست المادة 103 المسؤولية المدنية للملزم بالإفصاح بحيث نصت على «أن الملزم بالإفصاح يتحمل المسؤولية عن أي ضرر يلحق بالهيئة أو البورصة أو الغير جراء عدم إفصاحه عن مصالحه وفق هذا القانون واللوائح الصادرة عنه».

ولأن المسؤولية المدنية للملزم بالإفصاح أصبحت واردة، فذاك يعني وجوب توافر أركانها أي الخطأ والضرر وعلاقة السببية. ففي حالة الإفصاح وبحسب هذا النص فالخطأ يعتبر محققاً بمجرد عدم الإفصاح أو الإفصاح بخلاف الإجراءات والآجال المطلوبـة قانوناً على أن يكون هذا الخطـأ مسبباً وبصفة مباشرة لضرر يلحق الهيئة أو البورصة أو الغير. ويلاحظ أولا بان المادة المذكورة وسّعت في مفهوم الضرر، بحيث تكون المسؤولية قائمة ولو كان الضرر بسيطاً بإيرادها (أي ضرر). وكأن بواضعي النص يؤكدون أهمية عدم الإخلال بآلية الإفصاح ويعتبرون أي مخالفة لها تشكل ضرراً. وهو ما يجرّنا إلى التساؤل عن طبيعة الضرر الذي قد يلحق الهيئة ، فإذا كان الضرر، الذي يمس البورصة كإطار منظم للتداول، والغير كمستثمرين ومضاربين، يمكن فهمه وملاحظته حين يؤدي عدم الإفصاح إلى التلاعب في القيمة السوقية للأسهم صعوداً او هبوطا، كما قد يخل بآليات وقواعد التداول بالبورصة القائمة بصفة أساسية على مبدأ العرض والطلب.

ولأن هذا الأخير يرتبط بصفة كبيرة بحقيقة المعلومات المفصح عنها والمتعلقة بكميات الأسهم المعروضة للبيع أو الشراء، فإن الضرر الذي يمكن أن يلحـق بالهيئـة يشوبه الغموض فلا يمكن فهم هذا الضرر إلا بالرجوع إلى المهمة الأساسية للهيئة، كما وردت بمشروع القانون، ألا وهي رقابة سوق المال الكويتي ككل وحيث تتم هذه الرقابة على أساس محاولة تحقيق الأهداف الأساسية للهيئة كما وردت في المادة 3 من المشروع. فمن ضمن مهامها تنظيم نشاط الأوراق المالية بما يتسم بالعدالة والكفاءة والتنافسية والشفافية، وعليه فإن عدم الإفصاح يمثل إخلالا بهذه المبادئ فلا عدالة في ممارسة نشاط الأوراق المالية طالما لم يطلع كل المستثمرين بالسوق على حقيقة انتقال ملكيات الأسهم ومراكز المساهمين. كما ان التنافس يستوجب الوقوف من قبل كل المتعامليـن بالبورصـة على حقيقة كـل ما يحيـط بها من معلومـات والمراكـز المالية. ولعل الضرر يتحقق بصفة أكبر في حالة عدم الإفصاح بالنسبة للهيئة، حيث ان هذا الأمر يقضي على مبدأ الشفافية وما يعنيه من وضع كل المعلومات والمعطيات المتعلقة بالشركات أمام الجميع وبكل وضوح، حتى تكون قرارات المضاربين والمستثمرين قد استندت الى الوضع الحقيقي وبدون مغالطة. علاوة على أن من أهداف الهيئة رفع كفاءة السوق وما يستوجب ذلك من ضرورة ضمان أن تكون القيمـة السوقيـة المتداولـة بها الأسهم قيمة حقيقية فإذا لم يتم الإفصاح أو تم بصفة مخالفة لما اقتضاه القانون. فسيصعب على الهيئة ممارسة صلاحيتها في رفع كفاءة السوق، وهذه الإعاقة في ممارسة الصلاحية وتحقيق الأهداف تمثل الضرر الذي قد يلحق بالهيئة والمشار اليه بالمادة 130من مشروع القانون.
المسؤولية المدنية
إن إيراد المسؤولية المدنية للملزم بالإفصاح شيء مطلوب، ونأمل من رجال القضاء عند نظر مسؤولية المخالف الأخذ بالاعتبار أهداف ومصالح كل من الهيئة والبورصة والغير . وتأكيداً لأهمية الإفصاح في مشروع القانون فبجانب المسؤولية الجزائية المنصوص عليها في المادة 111 والمسؤولية المدنية للمطالب بالإفصاح الواردة بالمادة 103، يقوم جزاء تأديبي ضد مخالف أحكام الإفصاح طبقاً لأحكام المادة 136 من المشروع. ففي حالة مخالفة أي من أحكام هذا القانون أو لوائحه ( بما فيها الإفصاح )، فللهيئة إحالة المخالف للمجلس التأديبي لاتخاذ الجزاء المناسب كإلغاء أي صوت أو توكيل يتم الحصول عليه بالمخالفة لأحكام هذا القانون. وهو ما يعني تحييد الأسهم في عملية التصويت، كما يمكن طبقاً للفقرة 13 من المادة 135 حظر ممارسة حق التصويت لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات للمساهم الذي يمتنع عن تقديم أي بيان أو يقدّم بياناً ناقصاً، وذلك بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو اللوائح الصادرة بموجبه وهو ما يعني أن هـذه العقوبـات التأديبية لا تسلط إلا على المساهم المطالب بالإفصاح وبالتالي لا تنطبق على المديرين. لكن هل أحكام المادة 119 يمكن أن تطبق كعقوبة جزائية إضافية على المساهم أو المدير المطالب بالإفصاح، خصوصاً ان محتواها يفيد ذلك بحيث يمكن الحكم بحرمان من تثبت إدانته بجريمة مثل الإفصاح مؤقتاً أو بصفة دائمة من العمل كعضو مجلس إدارة أو عضو منتدب أو مدير تنفيذي في شركة مساهمة مع ملاحظة أن الإجراءات المنصوص عليها في المادة 111 التي جرّمت عدم الإفصاح لم تشر الى إمكان اتخاذ عقوبة اشد بهذا القانون بل اكتفت بعقوبة الغرامة وأي عقوبة اشد في أي قانون آخر هو ما يدعو للنظر في إعادة صياغتها بصفة تنسجم مع بقية المواد الأخرى من مشروع القانون.
Www.twaijri.com

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.