قال أستاذ القانون الجنائي للإعمال التجارية وأسواق المال في كلية الحقوق بجامعة الكويت د.حسين بوعركي إن جريمة اختلاس الأموال العامة تنطبق على جميع من يختلس مالاً من أي شركة تملك الحكومة أو احدى الهيئات العامة حصة فيها دون تحديد لتلك النسبة، وهو ما يعني عدم اشتراط ملكية الدولة او احدى الهيئات العامة لنسبة الـ %25 من رأس مال الشركة حتى يمكن مساءلة المتهمين عن تهمة الاختلاس.
وأوضح د.بوعركي في تصريح خاص لــ القبس: أن قانون حماية الاموال العامة الكويتي قد تضمن عدة جرائم أهمها جريمة اختلاس الأموال العامة المنظمة بالمادة التاسعة، وجريمة الاستيلاء على الاموال العامة وتسهيل الاستيلاء عليها المنظمة بالمادة العاشرة، مبيناً انه فلا فرق بين الاختلاس والاستيلاء من حيث طبيعة الفعل الإجرامي ذاته.
وأضاف: بالنظر الى منهج المشرع الكويتي نجد فرقين، الأول انه جعل جريمة الاختلاس لمن يختلس بسبب وظيفته، أي يختلس من ذات الجهة التي يتبعها، وأما بخصوص جريمة الاستيلاء فتقع من أي موظف في الحكومة أو احدى الهيئات أو المؤسسات العامة أو الشركات التي تملك فيها الدولة نسبة %25 أو أكثر من رأس المال، وأما الفرق الثاني فيكمن ان المشرع الكويتي يعاقب على مجرد تسهيل الاستيلاء المنظم بالمادة العاشرة.
الأموال العامة
وبين ان المادة 3 من قانون حماية الاموال العامة بينت من هو الموظف العام بقولها: «يعد في حكم الموظف العام في تطبيق أحكام هذا القانون الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 43 من القانون رقم 31 لسنة 1970م المشار إليه». وبالرجوع الى المادة 43 من القانون 31-1971 نجدها تنص على: «يعد في حكم الموظف العام في تطبيق نصوص هذا الفصل: – الموظفون والمستخدمون والعمال في المصالح التابعة للحكومة او الموضوعة تحت اشرافها او رقابتها. – اعضاء المجالس النيابية العامة او المحلية سواء أكانوا منتخبين او معينين. – المحكمون والخبراء ووكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون. – كل شخص مكلف بخدمة عامة. ـ- اعضاء مجالس ادارة ومديرو وموظفو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت اذا كانت الدولة او احدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأي صفة كانت»، وهو ما يعني ان أي موظف في أي شركة تملك الحكومة فيها أي نسبة يعتبر في حكم الموظف العام.
وأضاف: أن المادة 9 من قانون حماية الأموال لم تشترط صفة في المال محل الحماية الجنائية (محل الجريمة)، انما اشترطت شرطاً مفترضاً يتمثل في صفة الفاعل وهي الموظف العام او من في حكمه فقط، وذلك بقولها: «يعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت، الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات، كل موظف عام أو مستخدم أو عامل اختلس أموالا أو أوراقاً أو أمتعة أو غيرها مسلمة إليه بسبب وظيفته». وهو ما يعني ان موظفي واعضاء مجالس ادارة الشركات أياً كانت نسبتها يخضعون الىهذا النص ومساءلين بتهمة الاختلاس، ولم تشترط هذه المادة ان يكون المال مملوكاً لشركة تملك الدولة فيها نسبة %25، وذلك بخلاف الجرائم المنظمة في المواد 10، 11، 12و 13 من قانون حماية الأموال العامة، حيث جرى نص المادة 10 على: «يعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات كل موظف عام أو مستخدم أو عامل استولى بغير حق على شيء مما ذكر في المادة السابقة لإحدى الجهات المشار إليها في المادة الثانية»، وكذلك المادة 11 التي نصت على: «كل موظف عام أو مستخدم أو عامل كلف بالمحافظة على مصلحة لإحدى الجهات المشار إليها في المادة الثانية في صفقة أو عملية أو قضية أو كلف بالمفاوضة أو الارتباط…».
والمادة 12 بنصها على: «يعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت الذي لا تقل مدته عن سبع سنوات كل موظف عام أو مستخدم أو عامل، له شأن في إدارة المقاولات أو التوريدات أو الأشغال المتعلقة بإحدى الجهات المشار إليها في المادة الثانية»، وكذلك المادة 13 بقولها: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل موظف عام أو مستخدم أو عامل في إحدى الجهات المشار إليها في المادة الثانية»، فمن قراءة هذه النصوص يتضح ان الفرق جلي وواضح بين جريمة الاختلاس والجرائم الاخرى التي اشترطت ان يكون المال مملوكاً او تحت ادارة الجهات المشار اليها في المادة الثانية.
جريمة الاختلاس
وبيّن ان قضاء محكمة التمييز مستقر على ذلك، فقد بينت المحكمة في حكمها رقم 114 لسنة 2005 أنه: «من المقرر ان جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الاموال العامة تتوفّر عناصرها القانونية متى كان المال المختلس ـــ سواء كان مملوكاً للدولة أو أحد الأفراد ـــ قد أودع في عهدة الموظف العام أو من في حكمه أو سلم اليه بسبب وظيفته، وأن تتجه نيته الى اعتباره مملوكاً له بأي فعل يكشف عن ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن قد عين حارساً قضائياً على التركة السابق بيانها، فقد عد في حكم الموظف العام ـــ وفقاً لنص الفقرة ج من المادة 43 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 ـــ واختلس من ايرادات تلك الشركة مبلغ واحد وأربعين ألفاً وثلاثمئة واثنين وعشرين ديناراً كويتياً ومئة وخمسين فلساً، فهذا حسبه في التدليل على توافر جريمة الاختلاس في حق الطاعن ـــ أياً ما كان وجه الرأي في ما أثاره في أسباب طعنه من أن المال العام محل الاتهام لا يعتبر مالاً عاماً ـــ ومكن ثم، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يضحى ـــ بدوره ـــ غير سديد»، ففي هذا الحكم أدانت المحكمة المتهم بتهمة الاختلاس، وأيّدت حكم حبسه خمس سنوات، على الرغم من أن الدولة لا تملك أي نسبة في هذه الشركة، وأموالها أموال خاصة، ولكنها أدانته لانه في حكم الموظف العام وفق المادة 43 من القانون 31 لسنة 1970، وعلاوة على ذلك فإن المادة 9 لم تتكلم عن مال عام، فمن غير الصحيح ربطها بالمال العام، لأنها قالت: «أموالاً أو أوراقاً أو أمتعة، أو غيرها..»، ولفظ المال أتى مطلقاً غير مقيّد، كما لا يتصور ان تكون الاوراق والامتعة وغيرها من الامور اوراقا عامة، فالواضح ان المشرع اورد هذه الاموال على سبيل التعداد، لا الحصر.
ملكية الدولة
وقال بوعركي: من هنا نستنتج ان جريمة الاختلاس لا تتعلق بمدى ملكية الدولة لها، او نسبة مساهمة الدولة في تلك الشركة، انما اكتفت بشرط مفترض واحد يتعلق بصفة الفاعل، ما يعني إسباغ التجريم على اي موظف يقوم باختلاس مبالغ من اي شركة، تملك فيها الحكومة، ومهما كانت تلك الملكية.
وبيّن ان الأمر ذاته ينطبق على جريمة إلحاق الضرر بأموال او مصالح الشركة، حيث ان المادة 14 من قانون حماية الاموال العامة جرمت الاضرار بمصالح الجهات التي يعمل بها الموظف العام او من يعد في حكمه بقولها: «كل موظف عام أو مستخدم أو عامل تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها، أو يتصل بها بحكم وظيفته»، ولم تحدد هذه المادة ان يكون المال مملوكاً بالكامل للدولة أو تملك نسبة فيه، ما يعني الإضرار بمصالح اي شركة تملك الدولة او احدى الهيئات نسبة فيها يعتبر مجرماً، وفقاً لهذا النص.
وعن اهم نتيجة تترتب على ذلك الى جانب تشديد العقوبة التي تصل الى الحبس المؤبد، وبرد المبلغ المختلس وغرامة ضعف ذلك المبلغ تتمثّل في ان جرائم الاموال العامة لا تنقضي الدعوى الجزائية فيها بمضي المدة، ولا تسري عليها مدد سقوط الدعوى الجزائية أو العقوبة المحكوم بها، وهو أمر مهم بالنسبة الى الشركات، خصوصاً أنه عادة ما يجري اكتشاف الاختلاس بعد تغيّر الإدارة التنفيذية ومرور سنوات على ذلك.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: