90 % من غذائنا مستورد.. ونسعى جادين إلى تغيير الأرقام

كشفت مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري وزيرة دولة للأمن الغذائي المستقبلي، عن إطلاق برنامج؛ تسهم فيه أكثر من 50 جهة حكومية اتحادية ومحلية، إلى جانب ممثلين من القطاع الخاص، ويوفر منصة تحاورية؛ تركز على تذليل التحديات، التي يواجهها رواد أعمال هذا القطاع الحيوي.

وقالت في حوار خاص مع «الخليج»، إن الإمارات تسعى للارتقاء من المرتبة ال33 عالمياً في التصنيف العالمي للأمن الغذائي إلى الأفضل عالمياً في مجال الأمن الغذائي، بحلول «مئوية الإمارات 2071»، مشيرة إلى أن هذا الهدف يعد طموحاً وهو بحاجة إلى تضافر كافة الجهود بين الجهات الحكومية والخاصة ذات الصلة.

وكشفت أن مساهمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي أقل من 0.1%؛ حيث تشير آخر الإحصاءات إلى أن 90% من الغذاء في الدولة مستورد.

وذكرت أن دولة الإمارات قطعت أشواطاً طويلة في التغلب على التحديات، التي تواجه عملية الزراعة؛ من خلال تسخير الأدوات والتكنولوجيا الحديثة؛ ممثلة في الذكاء الاصطناعي، واستغلال الثورة الصناعية الرابعة؛ للوصول إلى الأهداف المرجوة بملف الأمن الغذائي.. وتالياً نص الحوار:

* ما أبرز تلك المبادرات، التي تقومون بها بملف الأمن الغذائي منذ تعينكم وزيرة دولة للأمن الغذائي المستقبلي؟

- في البداية دعونا نحدد بشكل دقيق تعريف الأمن الغذائي المستقبلي، وما أهميته بالنسبة لدولة الإمارات؛ حيث إن الأمن الغذائي المستقبلي؛ يتمثل في تمكين جميع مواطني ومقيمي دولة الإمارات العربية المتحدة من الحصول على غذاء صحي كافٍ وآمن وله قيمة غذائية مناسبة؛ من أجل حياة نشيطة وصحية، وبأسعار مقبولة في كافة الظروف، بما في ذلك حالات الطوارئ والأزمات؛ وذلك من خلال تطوير رؤية استراتيجية موحدة للأمن الغذائي، تتكامل في طرحها الوطني مع أهم التوجهات والتحديات العالمية؛ وذلك بما يدعم أولويات ومستهدفات «مئوية الإمارات 2071».

وهذه الأهداف ليست بالأمر البسيط، ولتحقيقها علينا تفعيل خطط وطنية لأهم محاور الأمن الغذائي، بالشكل الذي يشمل العديد من المبادرات؛ حيث يعمل مكتب الأمن الغذائي المستقبلي على تحقيق هذه الأهداف؛ من خلال حزمة من خطط العمل والمبادرات الطموحة، التي تشمل العديد من المقاربات العملية والعلمية؛ كالعمل على تغيير مفهوم الأمن الغذائي من مفهوم غامض ومعقد إلى مفهوم بسيط وسلس، ويضمن التعامل مع الأمن الغذائي كأسلوب حياة لأفراد المجتمع.

كما نعمل على تطبيق مشروع المزرعة المنزلية، إحدى المبادرات المستدامة والبديلة عن الزراعة التقليدية؛ حيث تعتمد الفكرة على مبدأ تمكين مساهمة المجتمع في توفير جزء من احتياجاته الغذائية، وتتميز بكونها صديقة للبيئة، وتعمل على الاستغلال الأمثل للمياه المستخدمة في الزراعة؛ من خلال إعادة التدوير، وتقليل الفاقد من المياه، كما بالإمكان التحكم بها بشكل ذكي عن طريق التطبيقات الذكية، كما تتسم النباتات المزروعة بكونها «ذات قيمة غذائية عالية» وعدم حاجتها لأسمدة، أو كيماويات، الأمر الذي يجعلها صديقة للبيئة.

وتظهر الإحصاءات بأنه من المتوقع أن ينمو حجم السوق العالمي للزراعة الذكية من حوالي 13.74 مليار دولار أمريكي في عام 2015 إلى 26.76 مليار دولار بحلول عام 2020.

وبهدف توحيد الجهود الوطنية؛ لدعم وتسريع عمليات تبني التكنولوجيا الحديثة الزراعية، التي تعتمد على نهج الاستدامة في جميع مراحل سلسلة الإمداد، قمنا بإطلاق البرنامج المشترك، الذي يجمع مكتب الأمن الغذائي المستقبلي والمسرعات الحكومية، الذي يساهم به أكثر من 50 جهة حكومية اتحادية ومحلية، إلى جانب ممثلين من القطاع الخاص؛ بحيث يوفر هذا البرنامج منصة تحاورية تركز على تذليل التحديات، التي يواجهها رواد أعمال هذا القطاع الحيوي.

ويتضمن البرنامج مبادرتين محددتين ضمن نطاق عمله؛ الأولى تُعنى بتبني التكنولوجيا الحديثة لأنظمة الزراعة المغلقة، التي تهدف إلى تسريع تبنيها في الدولة، التي تعد مستدامة في تقليل اعتمادها على المياه ومدخلات العملية الزراعية، إضافة إلى تقليل التكاليف التشغيلية والإنشائية لهذه المنشآت؛ من خلال مراجعة المتطلبات الفنية لها، وتدعيم القطاع بالتمويل المستدام بالشراكة مع المؤسسات المالية الرائدة. وتدعيم المعلومات الرئيسية المطلوبة؛ لتطوير برامج ودراسات متطلبات السوق المحلي.

ويتضمن البرنامج مشروع المزرعة المدرسية، وهي مبادرة نسعى إلى تطبيقها في مختلف المدارس على مستوى الدولة؛ حيث تضمن هذه المزارع، وتعد هذه المبادرة لبنة أساسية في ترسيخ ثقافة الأمن الغذائي في الثقافة المجتمعية، وتعمل على غرس حب مهنة الزارعة بين الأوساط الطلابية، وفي الوقت نفسه، تعليمهم القيمة الغذائية العالية للمنتجات المحلية الخالية من المبيدات الحشرية.

ومن جانب آخر، سنعمل على تطوير قطاع استزراع الأحياء المائية التجاري في الدولة، الذي يعد أحد ممكنات الأمن الغذائي المستقبلي، بالشكل الذي يضمن الارتقاء بكميات الإنتاج، وسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وتعزيز إجراءات الرقابة على منتجات الأسماك بالأسواق، وربط التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في عملية الإنتاج والإشراف والتغذية.

كما قمنا بتعزيز شراكتنا مع مصدر؛ من خلال مذكرة تفاهم تتضمن مبادرتين رئيسيتين، الأولى هي «حاوية الزراعة العمودية التجريبية»؛ وذلك من خلال برنامج ومنشأة تجريبية للمزارع العمودية، يتم إنشاؤها في مدينة مصدر، وتشمل تحديد المتطلبات الأساسية وأفضل الممارسات (التنظيمية والاقتصادية والفنية)؛ لتطوير المزارع العمودية في دولة الإمارات.

كما تشمل المذكرة مبادرة رئيسية أخرى، تحمل عنوان «عرض المزرعة المنزلية الذكية» وهي عبارة عن مزرعة منزلية في الفيلا المستدامة في مدينة مصدر، سيتم من خلالها تحديد واختيار تقنيات وحلول المزارع المنزلية من الموردين المحليين والدوليين.

وقمنا ببدء مشروع ترويج المنتجات الوطنية المستدامة من الأغذية في القطاع السياحي والضيافة؛ وذلك من خلال المشروع الأول من نوعه بيننا وبين دائرة التنمية السياحية بإمارة عجمان؛ حيث نوفر قناة للتواصل، ومنصة فعالة بين المنتجين المحليين وأهم شركات الضيافة والفنادق والمنشآت السياحية.

أهداف

* ما الأهداف المرجوة من تطبيق المبادرات وما تتضمنه من برامج في المستقبل القريب والمتوسط وما خططكم للمستقبل البعيد؟

- نسعى من خلال هذه المبادرات إلى أن ترتقي دولة الإمارات العربية المتحدة من المرتبة ال33 عالمياً في التصنيف العالمي للأمن الغذائي إلى الأفضل عالمياً في مجال الأمن الغذائي بحلول «مئوية الإمارات 2071»، وطبعاً هذا هدف طموح، ويحتاج إلى تضافر كافة الجهود بين الجهات الحكومية والخاصة ذات الصلة وأفراد المجتمع ليس فقط لتحقيقه؛ بل للحفاظ على هذا التصنيف، وضمان استدامته للأجيال القادمة.

تحديات

* ما أبرز التحديات التي واجهتكم منذ توليكم مهام منصبكم وكيف تغلبتم عليها؟

- بالطبع لا يخلو أي هدف ومشروع ما من منظومة من التحديات والفرص المرتبطة به، وبالنسبة للأمن الغذائي المستقبلي تواجهنا مجموعة من التحديات النوعية المتعلقة بالطبيعة البيئية والمناخية لدولة الإمارات، التي بدورها تؤثر في الإنتاج الزراعي في الدولة؛ حيث تشكل مساهمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي أقل من 0.1%، وتشير آخر الإحصاءات إلى أن 90% من الغذاء في الدولة مستورد، كما أن هناك مجموعة من التحديات العالمية المرتبطة بأمن الغذاء، ومن المتوقع أن يزيد الطلب على الغذاء عالمياً بنسبة 70% حتى عام 2050.

أنواع الدعم

* كيف تتغلبون على التحديات التي تواجهكم في عملية الزراعة مع شح المياه والطاقة والتغيرات المناخية التي يشهدها العالم؟

- قطعت دولة الإمارات أشواطاً طويلة في التغلب على التحديات، التي تواجه عملية الزراعة، وقدمت كافة أنواع الدعم والرعاية اللازمين؛ لتحسين مساهمة هذا القطاع في عملية التنمية المستدامة الشاملة في الدولة، بما في ذلك القيام بتمويل وإنشاء مشروعات تطوير البنية التحتية الزراعية وغيرها؛ لكن على الرغم من ذلك، يواجه هذا القطاع منظومة من التحديات المرتبطة بضعف الإنتاج وكلفته العالية، مقارنة بالمواد المستوردة، كما توجد عوامل مرتبطة بضعف التسويق للمنتج المحلي، وضعف البحث العلمي، والتغيرات المناخية وغيرها من التحديات، التي تشاركنا بها الكثير من دول العالم.

ولا يخف على أحد بأنه علينا لمواجهة هذه التحديات؛ أن نضع الخطط والتصورات، بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة ذات الصلة؛ لتطوير القطاع الزراعي؛ والارتقاء به إلى المستويات المطلوبة في الدولة، إضافة إلى رفع إمكانية تصدير مخرجات هذا القطاع إلى الخارج في المستقبل، وهذا هو أحد الأهداف الاستراتيجية، التي نسعى لتطبيقها.

وهنا تجدر الإشارة بأنه علينا أن نستفيد من التقنيات الحديثة المختلفة، التي تستغلها الكثير من دول العالم؛ لتحسين إنتاجها الزراعي، وخاصة نظم الإنتاج المغلقة، ومواءمة هذه التقنيات مع الظروف البيئية الخاصة بالدولة، كما علينا دعم البحث العلمي والتطوير في المجالات الزراعية؛ وذلك لاستنباط سلالات مقاومة للملوحة وغزيرة الإنتاج، وهنا لا بد من الإشارة بأن المركز الدولي للزراعة الملحية «أكبا» وهو مركز دولي غير ربحي للبحوث الزراعية في الإمارات يعمل على تطوير العديد من التقنيات التي تشمل استخدام المياه التقليدية وغير التقليدية في الزراعة، وإقامة شراكات مع القطاع الخاص في التقنيات المبتكرة، وتقديم المساعدة في تقييم وإدارة الزراعة والمياه والأراضي وتغير المناخ.

كما يجب علينا تفعيل آليات تسهيل تقديم الدعم والتمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال العاملين في هذا القطاع الحيوي.

التكنولوجيا والملف الغذائي

حول تسخير التكنولوجيا لخدمة الملف الغذائي وكيفية التنفيذ، قالت مريم المهيري وزيرة دولة للأمن الغذائي المستقبلي: بالتأكيد؛ حيث ساهم تطور التكنولوجيا في السنوات الأخيرة في زيادة إمكانية إنتاج كميات كبيرة من المنتجات الزراعية في بيئات لم نعهدها من قبل، كالمدن على سبيل المثال؛ وذلك باستخدام الحد الأدنى من المساحة والمياه، مقارنة بالمزرعة التقليدية، وبالتالي ضمان الاستدامة لهذا الإنتاج وزيادة تنافسيته.

وفي هذا السياق، ستستثمر الاستراتيجية العديد من التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة، التي نذكر منها: تطوير مشاريع أنظمة الزراعة المغلقة؛ ومنها الزراعة العمودية ضمن المدن، التي تشكل حلاً طموحاً؛ لمحاربة تحديات الزراعة المرتبطة بالبيئة الطبيعية؛ كندرة الأراضي الصالحة للزراعة، وشح المياه، والتلوث؛ حيث تختصر هذه التقنية الكثير من المساحات المطلوبة لزراعة المحاصيل، وتوفر ما يكفي من الشمس والهواء للنباتات، ولا تستهلك سوى 10% من كميات المياه، التي تستهلكها الزراعة التقليدية؛ الأمر الذي يجعلها منظومة مستدامة للإنتاج الزراعي. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الزراعة العمودية إلى 3.88 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 30.7٪ بين عامي 2015 و2020.