نبض أرقام
04:51
توقيت مكة المكرمة

2024/05/20
2024/05/19
15:21
14:03
13:49

أزمة الدولار.. حين دفعت المصارف الأمريكية اقتصاد الولايات المتحدة نحو الحافة

2019/11/02 أرقام - خاص

مع ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق الأوروبية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، بدأت المصارف الكبرى في نيويورك تدير ظهرها للولايات المتحدة، وأقبلت بدلاً من ذلك على أوروبا التي كانت تعاني من نقص حاد في رؤوس الأموال بسبب الحرب وانهيار الصناعة.

 

 

وفي ظل تلك الظروف اضطرت الدول الأوروبية إلى دفع أسعار فائدة مرتفعة جداً بغرض جذب رؤوس الأموال الدولية من البنوك الكبيرة في نيويورك. وبالفعل انتهزت البنوك الكبرى مثل "تشيس مانهاتن" و"سيتي بنك" الفرصة، وهرعت إلى أوروبا طمعاً في أرباح غير مسبوقة لم يكونوا ليحصلوا على نصفها حتى، لو استثمروا أموالهم في سندات الحكومة الأمريكية.
 

نزوح جماعي للأموال الأمريكية
 

بحلول أوائل عام 1957 ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية أصبح حجم رؤوس الأموال الخارجة من الولايات المتحدة أكبر من تلك الداخلة إليها. وفي خلال الفترة ما بين عامي 1957 و1965 ارتفع صافي التدفقات الخارجة من السوق الأمريكي في اتجاه أوروبا من حوالي 25 مليار دولار إلى أكثر من 47 مليار دولار.
 

ما زاد الطين بلة بالنسبة للأمريكيين هو أنه لم يكن الدولار وحده الذي يغادر السوق الأمريكي، فالمشكلة الأخرى هي أن احتياطيات الولايات المتحدة من الذهب كانت هي الأخرى آخذة في الانخفاض بوتيرة متسارعة.
 

كان انهيار نظام "بريتون وودز" يلوح في الأفق، ولكن صناع السياسة الأمريكيين رفضوا الانتباه. فقد كانوا يصغون بشكل كبير إلى المصارف الكبيرة بنيويورك وشركات النفط الكبرى، وهي ذات المؤسسات التي بدأت مع ركود عام 1957 في نقل أعمالها إلى خارج الولايات المتحدة للاستفادة من العمالة الرخيصة وتحسين هوامش الربح.



 

في الفترة ما بين عامي 1962 و1965 حققت الشركات الأمريكية العاملة في أوروبا الغربية عائدات تتراوح ما بين 12 و14%، وفقاً لمذكرة تم إرسالها من البيت الأبيض إلى الكونجرس في يناير من عام 1967. في الوقت نفسه لم تحقق الشركات العاملة في السوق الأمريكي نصف تلك العائدات.
 

احتفظت الشركات الأمريكية بأرباحها في أوروبا بدلاً من إعادتها إلى الولايات المتحدة واستثمارها في مشاريع التنمية الأمريكية. وكانت هذه بداية ما يعرف باسم سوق اليورودولار. وكان هذا أيضاً هو السرطان الذي اقترب من تدمير النظام النقدي العالمي بحلول أواخر السبعينيات.
 

"بريتون وودز".. الشرط القاتل
 

المفاوضون الأمريكيون الذين وضعوا شروطهم للشكل الذي يجب أن يكون عليه النظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمر "بريتون وودز" عام 1944 وافقوا -دون أن يدروا- على شرط خطير وعيب قاتل كان من شأنه أن يقوض النظام المالي الأمريكي.
 

ففي ذلك المؤتمر تم إنشاء ما يسمى "معيار الذهب"، والذي وافقت بموجبه جميع الدول الأعضاء على تحديد قيمة عملتها مقابل الذهب لكن ليس بشكل مباشر بل عن طريق الدولار الذي تم تحديد قيمته أمام الذهب بما يعادل 35 دولارًا للأوقية.  وكان من المفترض أن يحتفظ الفيدرالي بأوقية ذهب لكل 35 دولاراً تتم طباعتها.



 

لكن المفارقة هي أن واشنطن طلبت في عام 1961 من حلفائها في أوروبا واليابان عدم المطالبة بتحويل حيازاتهم الدولارية إلى ما يساويها من الذهب وهو ما تسمح به اتفاقية "بريتون وودز" لأن هذا من شأنه أن يستنزف الاحتياطيات الأمريكية من المعدن الأصفر.
 

في عام 1959 كانت الديون الخارجية للولايات المتحدة تقارب القيمة الإجمالية لاحتياطياتها من الذهب، حيث كانت قيمة كل منهما تقترب من 20 مليار دولار. وبحلول عام 1967، ارتفع إجمالي الديون الخارجية السائلة إلى 36 مليار دولار في حين انخفضت قيمة حيازات البلاد من الذهب إلى 12 مليار دولار.
 

"نيكسون" يفعلها أخيراً
 

نظراً لأن الديون الخارجية الأمريكية قصيرة الأجل بدأت تتجاوز قيمة مخزونات البلاد من الذهب بدأ الجميع يدرك أن أيام "معيار الذهب" باتت معدودة. وفي خطاب الاتحاد الذي ألقاه أمام الكونجرس في يناير من عام 1961 أشار الرئيس كيندي إلى أن الفجوة بين الدولارات المستثمرة في الخارج وبين الدولارات المعادة إلى البلاد آخذة في الاتساع منذ عام 1958.
 

أوضح "كيندي" في ذات الخطاب أن العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي زاد بنحو 11 مليار دولار في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأن مالكي تلك الدولارات في الخارج طلبوا تحويل جزء كبير منها إلى الذهب، وهو ما ساهم في تراجع احتياطيات البلاد من الذهب بنحو 5 مليارات دولار.

 

 

اغتيل "كيندي" قبل أن يجد حلاً لتلك المشكلة، وخلفه "ليندون جينسون" الذي لم يفعل شيئاً هو الآخر حيال ذلك الوضع. ثم جاء "نيكسون" الذي عقد في 13 أغسطس من عام 1971 اجتماعاً سرياً مع رئيس الفيدرالي آنذاك "آرثر بيرنز" ووزير الخزانة "جون كونالي" وغيرهما من كبار المستشارين في كامب ديفيد لبحث الوضع.
 

بعد مداولات مطولة وبناء على نصيحة وزير الخزانة قرر "نيكسون" إعلان نهاية "بريتون وودز" من خلال إلغاء إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب، كما فرض رسوماً إضافية قدرها 10% على الواردات لضمان عدم تأثر المنتجات الأمريكية بأسعار الصرف.
 

عرفت هذه الإجراءات لاحقاً باسم "صدمة نيكسون". وبينما لم يكن "نيكسون" يقصد ذلك في البداية، إلا أن قراره بفك ارتباط الدولار بالذهب أدى إلى انهيار نظام "بريتون وودز" الذي تم استبداله بسعر الصرف العائم الذي لا يزال يعمل حتى يومنا هذا.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة