نبض أرقام
05:39
توقيت مكة المكرمة

2024/05/19
2024/05/18

قصة مشروع الغاز الفاشل الذي قد يكلف نيجيريا خسارة ربع احتياطياتها النقدية

2020/02/01 أرقام - خاص

38.1 مليار دولار هي كل ما تملكه نيجيريا حاليًا كاحتياطيات نقدية أجنبية، وذلك وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي النيجيري والتي أوضحت أيضًا أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي مستمرة في الانخفاض منذ بلوغها حاجز 45 مليار دولار في يوليو 2019.

 

 

ولأن المصائب في بعض الأحيان لا تأتي فرادى، تواجه الآن نيجيريا التي تمر بالفعل بظروف اقتصادية عصيبة خطر خسارة ما يقرب من ربع احتياطياتها النقدية المتناقصة أصلًا لصالح إحدى شركات الطاقة الغربية على إثر تداعيات مشروع فاشل لم يتم محاط بقدر كبير من الشبهات.

 

تفاصيل اتفاقية الغاز

 

في عام 2006 أسس الأيرلنديان "مايكل كوين" و"بريندان كاهيل" شركة "بروسيس آند إندستريال ديفلوبمنتس ليمتد" والمعروفة اختصارًا باسم (P&ID) أو "بي آند آي دي" في جزر العذراء البريطانية. وكان الغرض الوحيد الذي أسست من أجله هذه الشركة هو محاولة الاستفادة من الاحتياطيات النيجيرية الضخمة من الغاز الطبيعي.

 

وفي الحادي عشر من يناير 2010 وقعت الشركة البريطانية اتفاقية (GSPA) لتزويد ومعالجة الغاز مع وزارة الموارد البترولية النيجيرية. ووفقًا لهذه الاتفاقية ستقوم الشركة بمعالجة الغاز الطبيعي المستخرج من البلوكات النفطية رقم 67 و123 بغرض استخدامه في توليد الكهرباء لصالح الحكومة النيجيرية.

 

وافقت "بي آند آي دي" على بناء محطة لمعالجة الغاز الطبيعي في ولاية كروس ريفر في حين تعهدت الحكومة النيجيرية ببناء جزء من البنية التحتية التي يحتاجها المشروع بما في ذلك خط أنابيب لنقل الغاز من وإلى محطة المعالجة. كما التزمت الحكومة أيَضا بالتفاوض مع مالكي تراخيص التنقيب في البلوكين رقم 67 و123 للسماح للشركة البريطانية بمعالجة الغاز.

 

 

ووفقًا للاتفاقية، سيتم منح الغاز الطبيعي المستخرج من البلوكين 67 و123 مجانًا للشركة البريطانية التي ستقوم بمعالجته وتحويله من غاز رطب إلى غاز جاف ومن ثم استخدامه في تشغيل محطات توربينات ضخمة قادرة على توليد نحو ألفي ميجاوات من الكهرباء للنيجيريين. كما ستحصل الحكومة أيضًا على الغاز الجاف مجانًا كجزء من الصفقة.

 

لكن على ماذا ستحصل الشركة البريطانية في المقابل؟ ببساطة بعد أن تحصل على الغاز مجانًا وتحوله من غاز رطب إلى غاز جاف قابل للاستخدام في تشغيل محطات توليد الكهرباء ستملك الشركة حرية التصرف في الغازات المضافة المستخرجة خلال عملية المعالجة.

 

وفقًا لتقديرات الشركة في ذلك الوقت، كان من المرجح أن تبلغ أرباحها من مبيعات الغازات المضافة ما يتراوح بين 6 و9 مليارات دولار، لن تحصل الحكومة النيجيرية ولو على دولار واحد منها. وكان من المفترض أن تستمر الاتفاقية لمدة 20 عامًا قبل أن تنتقل ملكية محطة المعالجة لصالح الحكومة النيجيرية.

 

أنت السبب .. لا بل أنت السبب

 

تعثرت الاتفاقية بشكل ما في الفترة ما بين عامي 2010 و2012. وفي ظل عدم وضوح كامل التفاصيل حتى اللحظة التي اتهمت الشركة البريطانية الحكومة النيجيرية بالتسبب في انهيار الصفقة لتقاعسها عن بناء خط الأنابيب، في حين اتهمت الحكومة النيجيرية الشركة بأنها السبب لأنها لم تقم ببناء محطة المعالجة.

 

لماذا لم تبن الشركة محطة المعالجة؟ قالت "بي آند آي دي" إن السبب هو رفض الحكومة النيجيرية تقديم التفاصيل الفنية اللازمة من أجل المضي قدمًا في المشروع، كما أشارت إلى أنه في الوقت الذي انهارت فيه الاتفاقية كانت لا تزال في طور التفاوض مع حكومة ولاية كروس ريفر من أجل الحصول على أرض للمشروع.

 

 

ماذا عن الحكومة النيجيرية؟ لماذا لم تشيد خط الأنابيب المتفق عليه؟ قالت الحكومة ببساطة إنها لم تفعل ذلك نظرًا لعدم قيام "بي آند آي دي" بتشييد محطة المعالجة. وهكذا ظل كل طرف يلقي باللائمة على الآخر.

 

بعد أن تأكد لها أن الاتفاقية لن تتم طالبت الشركة البريطانية الحكومة النيجيرية بدفع 40 مليون دولار تقول إنها أنفقتها أثناء استعدادها لتنفيذ المشروع على التراخيص والرسومات والخدمات الهندسية ودراسات الجدوى فضلًا عن بعض التكاليف الأخرى. ولكن نيجيريا رفضت التسوية، وهو ما دفع الشركة إلى اللجوء إلى محكمة أمريكية في عام 2012.

 

إهمال مثير للاستغراب

 

لسبب غير معلوم، استهانت الحكومة النيجيرية بالأمر ولم ترسل أي محامٍ ليمثلها أمام المحكمة الأمريكية التي قررت في العشرين من مارس 2013 إلزام نيجيريا بدفع 6.6 مليار دولار لصالح "بي آند آي دي" كتعويض لها عن الأرباح التي كانت ستحققها لو تم المشروع.

 

في ذلك الوقت امتنع الرئيس النيجيري السابق "جودلاك جوناثان" عن استئناف الحكم، ولكنه تمكن من التوصل مع الشركة البريطانية إلى تسوية في الثالث من مايو 2015، أي قبل نحو 26 يومًا من تسليمه السلطة لرئيس البلاد الحالي "محمد بخاري".

 

 

وافق "جوناثان" على أن تقوم بلاده بدفع 850 مليون دولار للشركة البريطانية، ولكنه في نفس الوقت أخبر الشركة بأن سلفه "بخاري" الذي سيتسلم السلطة بعد أسابيع هو من سيدفع لهم نظرًا لأن ولايته الرئاسية قد انتهت تقريبًا.

 

لم يدفع "جوناثان" ثم جاء بعده "بخاري" الذي امتنع عن الدفع أيضًا ولم يكبد نفسه حتى عناء استئناف الحكم الصادر ضد بلاده أو محاولة التفاوض على تسوية جديدة مع الشركة البريطانية. ولسوء حظ الشعب النيجيري أيدت محكمة بريطانية الحكم الأمريكي في الحادي والثلاثين من يناير 2017.

 

وزاد الطين بلة حين ألزم القاضي البريطاني نيجيريا ليس فقط بدفع الـ6.6 مليار دولار، بل ألزمها كذلك بدفع فوائد هذا المبلغ منذ صدور الحكم الأول في يناير 2013 بواقع 1.2 مليون دولار عن اليوم الواحد بسبب تقاعسها عن استئناف الحكم، ليصل إجمالي ما تدين به الحكومة النيجيرية للشركة البريطانية حتى الآن إلى نحو 9.6 مليار دولار. وكل يوم يضاف 1.2 مليون دولار إلى هذا المبلغ.

 

هل تنقذ الرشوة نيجيريا؟

 

رغم كل ما سبق استمرت الحكومة النيجيرية في الامتناع عن اتخاذ أي خطوة من أجل استئناف الحكم أو محاولة تسوية الأمر مع الشركة إلى أن قامت محكمة بريطانية أخرى في أغسطس 2019 بإصدار حكم يسمح للشركة البريطانية بالاستيلاء على أصول نيجيريا واحتياطياتها النقدية بالمملكة المتحدة للحصول على المليارات التسعة التي تعادل تقريبًا ثلث الميزانية النيجيرية في عام 2019 (29 مليار دولار).

 

دفع هذا التطور الهام الحكومة النيجيرية أخيرًا للسعي لاستئناف الحكم وخصوصًا بعد أن عزمت الشركة البريطانية على طرح القضية أمام محكمة أمريكية من أجل السماح لها بالاستيلاء على الأصول النيجيرية في الولايات المتحدة أيضًا. وفي سبتمبر 2019 سمح قاضٍ بريطاني للحكومة النيجيرية بالشروع في استئناف الحكم الصادر ضدها.

 

في إطار سعيها لإلغاء الحكم أشارت الحكومة النيجيرية إلى أن الشركة البريطانية متورطة في دفع مبالغ مشبوهة للمسؤولين الحكوميين الذين ساهموا في حصولها على العقد في عام 2010. وفي إطار جلسة استماع عقدت في محكمة بلندن في 24 يناير 2020 تقدم محامو الحكومة بوثائق من المفترض أنها تثبت فساد الصفقة من البداية.

 

 

بحسب الوثائق المقدمة، فإن تحقيقاً أجرته وكالة مكافحة الغش النيجيرية بالقضية أثبت حصول المستشار الفني لوزارة النفط وقت عقد الاتفاقية "توفيق تيجاني" على رشوة قدرها 50 ألف دولار في حقيبة سوداء بعد مقابلته لمؤسس الشركة البريطانية "مايكل كوين".

 

وحتى اللحظة لا تزال القضية في أروقة المحاكم، ومن الصعب التكهن بما ستؤول إليه في النهاية. هل ستنجح نيجيريا في إلغاء الحكم أم سيتم تأييده أم سيلجأ الطرفان المتنازعان إلى التسوية؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال. ولكن لو كان هناك شيء واحد مؤكد فهو أن نيجيريا لم تصل إلى هذا الوضع الحرج إلا بسبب خليط من الإهمال والأكاذيب والفساد لن يدفع في النهاية ثمنه سوى الشعب النيجيري نفسه.

 

المصادر: أرقام – ميديام – بلومبرج – الجارديان – رويترز – البنك المركزي النيجيري

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة