محللون لـ أرقام: قرار أوبك+ مرن ويعزز استقرار السوق

شعار أوبك

اتفق تحالف أوبك+ على رفع تدريجي للإنتاج بمقدار 548 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من أغسطس 2025، ضمن خطة لإلغاء التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا.

وأكد أن هذه الزيادات قابلة للتعديل أو الإيقاف وفقًا لتطورات السوق، بما يضمن استقرار الأسعار وتوازن العرض والطلب.

وقال عدد من الخبراء في تصريحات لـ أرقام، إن القرار يعكس سعي التحالف لتحقيق توازن دقيق بين دعم الاستقرار وتفادي أي ضغوط سعرية، خاصة مع الضبابية المحيطة بمسار الاقتصاد العالمي، مؤكدين أن مرونة القرار تمنح أوبك+ مساحة للتعامل مع أي تقلبات مفاجئة في الطلب أو الأوضاع الجيوسياسية.

مرونة استراتيجية وتحفظ في التوسع
 

وائل مكارم، كبير استراتيجيي الأسواق في Exness

قال وائل مكارم، كبير استراتيجيي الأسواق في "Exness"، إن تحالف أوبك+ من المرجّح أن يواصل الزيادة التدريجية في الإنتاج خلال اجتماع يوليو، مع التزام دقيق بالكميات المقررة، ضمن سياسة مرنة تسمح بالتعديل أو الإيقاف المؤقت استنادًا إلى تطورات السوق.

وأوضح مكارم في اتصال مع أرقام أن هذه المرونة تمنح التحالف أداة استراتيجية لإدارة السوق بشكل استباقي، لا سيما في ظل الضبابية الاقتصادية الناتجة عن التحولات السريعة في السياسات التجارية الأمريكية.
 

علي بن عبدالله الريامي، المدير العام السابق لتسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان

من جانبه، قال علي بن عبدالله الريامي، المدير العام السابق لتسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان، إن الدول الثمانية في أوبك+ ستواصل ضخ نحو 411 ألف برميل يوميًا من أغسطس حتى أكتوبر 2025، ضمن خطة تهدف إلى إعادة الكميات المستقطعة تدريجيًا حتى نهاية 2027.

وأشار في اتصال مع أرقام، إلى أن توقيت الزيادة مناسب، خصوصًا مع ارتفاع الطلب في موسم الصيف، الذي يتزامن مع ذروة السفر.

وأضاف أن أثر القرار كان محدودًا على الأسعار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، نتيجة تداخل عوامل سياسية وتجارية، أبرزها التوترات الجيوسياسية، وغموض ملف التعريفات الجمركية، وعدم وضوح الرؤية حول النمو الاقتصادي العالمي.

وأكد أن تلك العوامل ساهمت في توازن قرار أوبك زمنياً، مع بدء تطبيق الزيادة منذ مايو، لكنه حذر من أن الربع الأخير من 2025 قد يكشف التحديات الحقيقية، متسائلًا عما إذا كان النمو الصيني سيكون مستدامًا أم مؤقتًا، لما لذلك من أثر مباشر على اتجاهات السوق.

وفيما يخص الطلب الموسمي على البنزين في الولايات المتحدة، أوضح الريامي أن التراجع الظاهر يرتبط بتقلبات البيانات الأسبوعية وظروف التخزين، لكنه أشار إلى أن مستويات الطلب العالمي لا تزال مستقرة بين 104 و105 ملايين برميل يوميًا، وفقًا لتقارير "أوبك" و"وكالة الطاقة الدولية"، مؤكدًا أن التحول للطاقة المتجددة لم يترك بعد أثرًا ملموسًا على الاستهلاك الفعلي للنفط.

الطلب العالمي: الصين والولايات المتحدة في الواجهة

وأوضح وائل مكارم، أن تطورات الاقتصاد الصيني تؤثر بشكل كبير على توقعات الطلب العالمي على النفط، باعتبار أن الصين تمثل أحد أكبر مصادر الطلب.

وأشار إلى أن تباطؤ قطاع الخدمات، الذي وصل إلى أدنى مستوياته في عدة أشهر، قد يؤدي إلى ضعف في استهلاك وقود النقل، ويؤثر بالتالي على مجمل التوقعات المتعلقة بالطلب على مستوى الاقتصاد بأكمله.

وذكر أن ارتفاع المخزونات الأمريكية يعكس تراجعًا نسبيًا في الطلب الاستهلاكي، ما يضيف ضغوطًا على استقرار السوق.

بينما قال الريامي إن النشاط الاقتصادي في الصين لا يزال مستقرًا عند مستويات مناسبة، خاصة بعد تدخل الحكومة في نهاية الربع الرابع 2024 لدعم القطاع الصناعي والعقاري والأنشطة التجارية، وهو ما ساهم في استقرار النمو.

وأضاف أن أي اتفاق تجاري فعال بين الصين والولايات المتحدة - رغم غياب التفاصيل الكاملة - سيؤدي إلى استقرار الاقتصاد الصيني وزيادة النشاط التجاري في 2026، وبالتالي زيادة تدريجية في الطلب على النفط وإن كانت محدودة.

وشدد على أن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية، تعد عاملاً مهماً جداً في تشكيل ملامح الطلب على النفط.

وأعرب عن تفاؤله تجاه الصين، خاصة أن المؤشرات الأولية تظهر وجود تفاهمات متبادلة مع الولايات المتحدة، وهو أمر إيجابي للطلب العالمي.

خفض الفائدة: دفعة محتملة للنمو والطلب على الطاقة

رأى وائل مكارم، أن خفض أسعار الفائدة قد يمنح دفعة قوية للنشاط الاقتصادي العالمي، خاصة إذا قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى جانب البنوك المركزية الكبرى، تنفيذ تخفيضات خلال النصف الثاني من 2025.

وبيّن أن هذا التحفيز النقدي يُترجم غالبًا إلى ارتفاع في استهلاك الوقود، لا سيما في قطاعي النقل والصناعة، ما يعزز الطلب العالمي على النفط.

من جانبه، أشار علي الريامي إلى أن التوقعات في السوق الأمريكية ترجّح خفضين إلى ثلاثة للفائدة قبل نهاية العام، شريطة استمرار المؤشرات الإيجابية.

وأضاف أن كل نمو بنسبة 1% في الاقتصاد العالمي يُقدّر أن يقابله نحو مليون برميل يوميًا إضافي في الطلب على النفط.

ولفت إلى أن أي خطوة تحفيزية من الاحتياطي الفيدرالي قد تتبعها تحركات مشابهة من البنك المركزي الأوروبي وبنوك آسيا الكبرى، مما يُكرّس توجّهًا عالميًا نحو تنشيط النمو الاقتصادي.

وشدد الريامي على أن العنصر الحاسم في دعم الطلب يبقى مرتبطًا بالتوصل إلى اتفاقات واضحة بشأن التعريفات الجمركية، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، لما لها من تأثير مباشر على حركة التجارة وثقة الأسواق.

مخزونات الخام الأمريكية: قفزة في الواردات وتباين في الطلب

قال وائل مكارم، إن القفزة في واردات الخام الأمريكية التي تجاوزت 976 ألف برميل يوميًا، ساهمت في رفع المخزونات، مشيرًا إلى أن ارتفاع مخزونات البنزين يعكس ضعفًا في الطلب النهائي رغم نشاط المصافي.

من جانبه، أوضح علي الريامي أن هذه الزيادة تعود إلى استعداد المصافي لموسم الصيف، لكنه حذر من أن البيانات الأسبوعية وحدها لا تكفي لتقييم وضع السوق بدقة، داعيًا إلى تحليل موسمي أوسع يأخذ في الاعتبار تحركات السوق الكلية.

وشدد على أن قراءة هذه البيانات تتطلب تحليلاً ديناميكيًا وليس فقط متابعة أسبوعية رقمية، خاصة في الفترات التي تسبق مواسم الذروة مثل الصيف.

قرارات "أوبك بلس" بين العوامل الاقتصادية والجيوسياسية

قال وائل مكارم، إن قرارات أوبك+ تعتمد على توقعات الطلب العالمي، الذي يرتبط بالنمو الاقتصادي، بهدف تجنب فائض المعروض وضمان استقرار الأسعار.

وأوضح أن الحفاظ على أسعار مناسبة يعد ضروريًا لتغطية احتياجات ميزانيات الدول الأعضاء، كما أن الحفاظ على الحصة السوقية يمثل هدفًا استراتيجيًا.

من جهته، أشار علي الريامي إلى أن العوامل الجيوسياسية تلعب دورًا لا يقل أهمية عن العوامل الاقتصادية في صياغة قرارات "أوبك+".

وأكد أن السوق بدأ يتكيف تدريجيًا مع زيادة الإنتاج الأخيرة، وأن التوازن بين العرض والطلب في الصيف يدعم استمرار مستويات الإنتاج الحالية.

وحذّر الريامي من أن مخزونات النفط الكبيرة لدى الدول الكبرى قد تعيد تشكيل السوق لاحقًا، معتبرًا أن الربع الأخير من 2025 والأول من 2026 سيكونان حاسمين في توجهات "أوبك+".

كما توقّع استمرار السياسة الحالية دون تخفيضات طوعية إضافية، مرجحاً أن تتحرك المنظمة وفق تطورات السوق والملفات الجيوسياسية، لا سيما تلك المتعلقة بالتجارة العالمية.

وأشار إلى أن تحسّن الأوضاع التجارية، وخاصة ما يتعلق بالتعريفات الجمركية بين الصين ودول مثل الهند، واليابان، وكندا، وأوروبا، سيُسهم في دعم الاقتصاد العالمي، وينعكس إيجابًا على الطلب على النفط.

وعبّر عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاقيات تجارية وتهدئة في الملفات الجيوسياسية، خاصة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، معتبرًا أن العالم بحاجة إلى مرحلة من الاستقرار لما لذلك من تأثير مباشر على الحياة اليومية للناس والأسواق العالمية.