أكبر حدث تصفية في تاريخ العملات المشفرة: كيف خسر مليون ونصف متداول مليارات الدولارات؟

انقلبت شاشات التداول من وميضٍ أخضر إلى موجةٍ حمراء عارمة، كأنّ الأسواق أُطفئت فجأة من قِبَل يدٍ غير مرئية، لتشهد العملات المشفّرة ما وُصف بأنه أكبر حدث تصفية في تاريخها، حيث تداعت المراكز المموّلة بالرافعة كما تتهاوى صفوف الدومينو تحت هبة ريح.

لم يكن الأمر مجرّد تقلبٍ عابر في الأسعار، بل أشبه بانهيارٍ صامتٍ يذكّر بأيام الأزمة المالية العالمية، غير أن الضجيج هذه المرة لم يصدر من قاعات "وول ستريت"، بل من عوالمٍ رقميةٍ تُدار بخوارزميات لا تعرف الشفقة.

خسائر قياسية

- اجتاحت الأصول الرقمية موجة بيع عنيفة وغير مسبوقة عشية عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أدت إلى تصفية مراكز برافعة مالية تصل إلى 20 مليار دولار، ومحت ما يقارب تريليون دولار من القيمة السوقية الإجمالية في غضون ثلاث ساعات فقط، ويُصنَّف هذا الانهيار، الذي طال أكثر من 1.6 مليون متداول، على أنه "أكبر عملية تصفية في تاريخ العملات المشفرة على الإطلاق".

تصفية تاريخية

- تجاوزت الخسائر المسجلة، التي جاءت بالتزامن مع تهديدات أمريكية بشأن الرسوم الجمركية على الصين، كل الأزمات السابقة، فهي أكبر بحوالي 16 مرة مقارنة بأزمة سوق العملات الرقمية خلال انهيار أزمة "كوفيد-19" في مارس 2020، والتي بلغت 1.2 مليار دولار، وتتجاوز أيضًا بشكل كبير خسائر انهيار منصة "إف تي إكس" في نوفمبر 2022، البالغة 1.6 مليار دولار.

البيتكوين تهوي

- لم تسلم البيتكوين، أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة السوقية، من هذه العاصفة، فقد تراجعت بنحو 10% في غضون ساعات، من مستويات قاربت 119 ألف دولار، وصولاً إلى أدنى نقطة له عند 102 ألف دولار لفترة وجيزة، وتعرّضت المراكز الشرائية في البيتكوين لتصفية قسرية تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار خلال يوم واحد.

الإيثريوم والسولانا

- تأثرت العملات البديلة الكبرى بشكل أقسى، فخسرت الإيثريوم، ثاني أكبر عملة مشفرة، نحو 14.2% من قيمتها لتلامس 3742.88 دولار، أما عملة "سولانا" فقد كانت الأشد تضرراً، حيث انخفضت بنسبة هائلة بلغت 20% تقريباً، لتلامس 178.72 دولار، مع تصفية مراكز شرائية تقدَّر بنحو 4.4 مليار دولار وملياري دولار على التوالي.

الخوف يسود

- انعكست حالة الذعر فوراً على ثقة السوق، فقد انهار مؤشر الخوف والجشع للعملات المشفرة من مستوى "الجشع" عند 64 نقطة، إلى مستوى "الخوف" الشديد عند 27 نقطة في أقل من 24 ساعة، مسجلاً أدنى قراءة له منذ ستة أشهر.

خسائر البورصات

- بين العاشر والحادي عشر من أكتوبر الجاري، تكبدت العديد من منصات التداول خسائر بمليارات الدولارات نتيجة عمليات التصفية، حيث استحوذت منصة "هايبرليكود" على الحصة الأكبر من هذه الخسائر (10.31 مليار دولار)، تليها "بايبيت" (4.65 مليار دولار) ثم "بينانس" (2.41 مليار دولار).

الأسواق التقليدية

- لم يكن الانهيار مقتصراً على الأصول الرقمية، فقد سجل مؤشر "إس آند بي 500" أسوأ انخفاض يومي له منذ ستة أشهر، وهبط مؤشر "ناسداك المركب" بنسبة 3.55%، فيما محا مؤشر "داو جونز" أكثر من 800 نقطة، وتقدر الخسائر الإجمالية في القيمة السوقية للأسهم بنحو تريليوني دولار.

الرافعة والمنصات

- تفاقمت الكارثة في سوق العملات الرقمية نتيجة تضافر عدة عوامل حادة: انتشار مراكز رافعة مالية فائقة المخاطر تصل إلى 100 ضعف، وانفصال بعض الرموز المستقرة عن قيمتها المرجعية مع تقلبات سعرية حادة، ما جعل المتداولين محاصرين بين أوامر غير منفذة وتعطّل بعض وظائف المنصات، وقد وجّهت أصابع الاتهام إلى "بينانس"، و"بايبيت"، و"هايبرليكويد"، إثر تعطل جزئي لأنظمتها أثناء الهبوط، ما عمّق موجة التصفية وأحدث تشوهات كبيرة في الأسعار الفورية.

تعويضات، ولكن!

- في خطوة غير مسبوقة، أعلنت منصة "بينانس" في 12 أكتوبر دفع تعويضات بقيمة283 مليون دولار للمستخدمين المتضررين من فك ارتباط ثلاثة أصول رئيسية : "USDe"، و"BNSOL"، و"WBETH"، وأكدت المنصة أن الانهيارات السعرية (ومنها هبوط "USDe" إلى 0.66 دولار) حدثت بعد الانهيار وليس قبله، نافيةً فرضية الهجوم الإلكتروني، لكنها اعترفت بوجود عيوب تقنية قديمة تعود إلى أوامر غير مغلقة منذ 2019، ومشكلات في عرض الأسعار جعلت بعض الأصول تبدو وكأنها هوت إلى الصفر.

الآفاق المستقبلية

- على الرغم من الانتكاسة، تشير البيانات التاريخية إلى أن هذا الشهر، الملقب بـ "أكتوبر الصعودي"، عادة ما يتبعه انتعاش قوي بعد أي انخفاض حاد يتجاوز 5%، لكن تظل الآفاق المستقبلية مرهونة بمسار الحرب التجارية، فإذا قامت الصين بتخفيف قيودها قبل الموعد النهائي للتعريفة (الأول من نوفمبر)، فقد يشهد السوق انتعاشاً سريعاً.

المصادر: أرقام – سي إن إن – بلومبرج – ميديم – سي إن بي سي – كوين تليجراف – بوليتيكو – كريبتو نيوز – ياهو فاينانس – حساب كوين جلاس على موقع "إكس" – كوين تريبيون