سلطنة عُمان تعزّز منظومتها التمويليّة لتمكين الاستثمار الأجنبي
تُعيد سلطنةُ عُمان صياغة واقعها المالي والاقتصادي بخطى متسارعة، مدفوعة بإرادة حكوميّة واضحة لإحداث تحوّل في منظومة التّمويل وجذب الاستثمار وتنفيذ إصلاحات تشريعيّة وماليّة مكثّفة.
وحقق القطاع المصرفي نموًّا ملموسًا؛ إذ قفزت الائتمانات إلى أكثر من 34 مليار ريال عُماني، واستقطبت البنوك المحلية في سلطنة عُمان ودائع متزايدة تعكس ثقة القطاع الخاص، بينما سجلت أنظمة الدفع الرقمي أرقامًا قياسية.
وبهذا الحراك المتواصل، تفرض سلطنة عُمان حضورها كاقتصاد صاعد يتمتع ببيئة تمويليّة مستقرّة وواعدة، ويستعد لمرحلة أكثر اتساعا في استقطاب الاستثمارات النوعية وفق مُستهدفات رؤية "عُمان 2040".
وأسهمت استدامة الأداء المالي للدّولة في ترسيخ الثقة الدولية بالاقتصاد العُماني؛ حيث ثبّتت وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان عند BBB- بنظرة مستقرة، مؤكدة على قوة المركز المالي وقدرة الحكومة على إدارة الدّين العام بكفاءة، كما رفعت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى درجة الاستثمار Baa3، ما يعكس متانة الوضع المالي وتراجع نسبة الدين العام مقارنة بالناتج المحلي، الأمر الذي يعزز قدرة سلطنة عُمان على جذب رؤوس الأموال الأجنبية طويلة الأجل.
وفي جانب الأداء المصرفي، أظهرت أحدث البيانات نموًّا مستمرًّا في الائتمان المصرفي، حيث ارتفع إجمالي رصيد الائتمان الممنوح من قِبل القطاع المصرفي في سلطنة عُمان بنهاية سبتمبر 2025م بنسبة 8 بالمائة ليصل إلى 34.5 مليار ريال عُماني.
ووضحت البيانات الصادرة عن البنك المركزي العُماني أن الائتمان الممنوح للقطاع الخاص شهد نموًّا بمقدار 5.7 بالمائة ليبلغ 28.2 مليار ريال عُماني بنهاية سبتمبر 2025م.
وسجّل إجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي نموًّا بنسبة 4.7 بالمائة ليصل إلى 33.1 مليار ريال عُماني بنهاية سبتمبر 2025م، وضمن هذا الإجمالي، شهدت ودائع القطاع الخاص لدى النظام المصرفي ارتفاعًا بنسبة 7.5 بالمائة لتصل إلى 22.3 مليار ريال عُماني بنهاية سبتمبر 2025م.
وفيما يتعلق بتوزيع إجمالي قاعدة الودائع للقطاع الخاص على مختلف القطاعات، تشير الأرقام إلى استحواذ قطاع الأفراد على الحصة الأكبر التي بلغت حوالي 50 بالمائة، يليه قطاع الشركات غير المالية وقطاع الشركات المالية بحصة بلغت 30.5 بالمائة و17.3 بالمائة على التوالي، أما النسبة المتبقية 2.2 بالمائة فتوزعت على قطاعات أخرى، ما يعكس نشاطا ائتمانيًّا مُتناميًا وتدفّقًا أكبر للسيولة في النظام المصرفي.
ويعكس هذا النمو ثقة القطاع الخاص والأفراد في البنوك العُمانية، وارتفاع الطلب على التمويل، وتوسع القطاعات الاقتصادية غير النفطية.
وإلى جانب البنوك التقليدية، شهد قطاع التمويل الإسلامي نموًّا ملحوظًا في حجم الائتمان والودائع، ما وفر خيارات تمويليّة أوسع للمستثمرين، سواء في مجالات التمويل التجاري أو تمويل الأصول والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأسهمت مبادرات البنوك الإسلامية وشركات التمويل في توفير منتجات مبتكرة تتوافق مع احتياجات المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
وبلغت حصّة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من محافظ الإقراض 3.7 بالمائة، وتعمل سلطنة عُمان من خلال البنك المركزي العُماني وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمصارف المحلية على تنفيذ استراتيجية وطنيّة تستهدف رفع هذه النسبة إلى 5 بالمائة، مع تسهيل إجراءات التقييم الائتماني وتخفيض متطلبات الضمانات وإنشاء وحدات متخصّصة للتّمويل داخل البنوك.
وفي السياق التّشريعي، تمضي سلطنة عُمان في تحديث الإطار القانوني الداعم للقطاع المالي؛ إذ صدر قانون المصارف الجديد الذي يشكّل نقلة في تنظيم الخدمات المصرفيّة الرقميّة ويحظر البنوك الصورية ويعزّز متطلبات الحوكمة وحماية المستهلك المالي.
كما أن إنشاء هيئة الخدمات المالية أعاد هيكلة قطاع الخدمات المالية غير المصرفية، بما يشمل الإشراف على بورصة مسقط وقطاع التأمين ومهنة المحاسبة والمراجعة.
وأطلقت الهيئة برنامجًا تحفيزيًّا شاملًا لبورصة مسقط يهدف إلى تشجيع الشركات العائليّة والخاصّة على التحوّل إلى شركات مساهمة عامة أو مقفلة، وإنشاء سوق الشركات الواعدة لاستقطاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، ويتضمن البرنامج حوافز ضريبية وتسهيلات تشريعيّة وإجرائيّة تشجّع على الإدراج في بورصة مسقط، وتعزّز قدرة الشركات على الحصول على التمويل طويل الأجل.
وأكد سعادةُ عبد الله بن سالم السالمي رئيس هيئة الخدمات المالية أن برنامج التحفيز المالي يهدف إلى حثّ الشركات بشكل عام بما فيها الشركات العائلية والمؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة الناشئة ذات النمو العالي إلى التحول إلى شركات أكثر استدامة من ناحية تبنّيها معايير حوكمة مناسبة تضمن استقرارها واستدامتها بتعاقب الأجيال، مشيرًا إلى أن هذه الشركات تمثل النسبة الكبرى من الشركات العاملة في الاقتصاد وتضيف قيمة عالية وتقدم منتجات وخدمات للسوق المحلي وللتصدير وتشغل قوى عاملة وتوفر وظائف للعُمانيين.
وقال سعادتُه في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إن برنامج التحفيز يشجع هذه الشركات على التحول إلى أشكال قانونية أكثر استدامة وتخضع إلى الرقابة والتنظيم من قبل هيئة الخدمات المالية ومن السوق بشكل عام، حيث تقوم هذه الشركات بالإفصاح عن بياناتها المالية التي تتيح للمستثمرين التعرّف على الشركات وأدائها ومدى التزامها بمعايير ومتطلبات الحوكمة والإفصاح.
وأضاف سعادتُه أن البرنامج يهدف إلى تمكين هذه الشركات بتحولها إلى الأشكال القانونية المعلن عنها من الانخراط في منظومة سوق رأس المال الأمر الذي يمكنها من الاستفادة من البدائل التمويلية المتاحة لاستعمالها في التوسع في عملياتها وتحقيق النمو الذي تسعى إليه والإسهام في التنمية الاقتصادية وتحقيق المستهدفات التي تسعى إليها الحكومة لإيجاد اقتصاد حقيقي متنوّع ومُستدام.
وأشار سعادتُه إلى أن سوق رأس المال يعد أداة تمويليّة مهمّة وتقدم بدائل مختلفة تتناسب مع الاحتياجات الفعلية والظروف التي تمر بها الشركات وأهم ما يميز هذه البدائل أنها تقدّم تمويلًا متوسط وطويل الأجل بخلاف التمويل الذي يقدمه القطاع المصرفي.
وأكد سعادتُه أن البرنامج يهدف أيضًا إلى وضع سوق رأس المال كأداة تمويلية تسهم وتساعد على تجميع المدخرات من شرائح المجتمع المختلفة وتوجيهها لتمويل مشروعات اقتصادية ذات أحجام مناسبة تسهم في التنمية الاقتصادية وتحقيق رؤية "عُمان ٢٠٤٠" وزيادة حجم السوق وتعميق التعامل فيه للوصول إلى الكفاية المناسبة التي تمكنه من قيام بدوره في دعم النمو الاقتصادي وإيجاد الثروات.
وتحدث سعادتُه عن أهمية سوق رأس المال كأداة مكملة للقطاع المصرفي بتوفير بدائل متعددة متمثلة في تمويل رأس المال أو من خلال السندات والصكوك وغيرها، ما يوفر المرونة المرونة التي تتناسب مع حاجة المقترض بشكل كبير ويساعد على توزيع المخاطر وإتاحة للمستثمر حرية الدخول والخروج من أي استثمار من خلال السوق الثانوية في بورصة مسقط.
وقال سعادةُ رئيس هيئة الخدمات المالية إنه يجب توفير البنية الأساسية المتكاملة من حيث المنظومة القانونيّة والتشريعيّة والمنظومة الرقابيّة ووسائل التّداول في السوق الثانويّة والفاعلين في هذا الجانب لتكون سلطنة عُمان مركزا إقليميًّا للصكوك والسندات الخضراء.
وتشهد سلطنة عُمان توسّعًا ملموسًا في أدوات التمويل الحديثة؛ إذ بلغ حجم التمويل عبر منصات التمويل الجماعي منذ إطلاق أول منصة في عام 2022م وحتى نهاية الربع الثاني من عام 2025م نحو 14.9 مليون ريال عُماني؛ ما يعكس الدور المتزايد للتمويل الجماعي في دعم الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر إتاحة بدائل تمويلية بعيدة عن النظام المصرفي التقليدي.
أما في مجال المدفوعات الإلكترونية، حققت سلطنة عُمان تقدمًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، إذ ارتفع عدد معاملات الدّفع عبر الهواتف النقالة إلى نحو 40 مليون معاملة سنويًّا، مقارنة بأقل من 5 ملايين قبل ثلاثة أعوام، مدعومًا بأنظمة دفع وطنيّة متقدّمة تشمل نظام التسوية الإجمالية الفورية، ونظام المقاصة الإلكترونية، ومنصة المدفوعات عبر الهاتف، ويسهم هذا التحول في تعزيز كفاءة الأعمال وتقليل الاعتماد على النقد وتوفير بيئة تشغيليّة تتّسم بالسّرعة والأمان.
ووضّح مصطفى بن أحمد سلمان عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان رئيس لجنة المال والتأمين بالغرفة أن الحكومة بذلت جهودًا في تعزيز منظومة التمويل أهمها إطلاق البرنامج التحفيزي لسوق رأس المال وتعزيز محفظة بنك التنمية، وإنشاء بنك الاستثمار العُماني كأول بنك استثماري متخصص في سلطنة عُمان لدعم الأهداف والطموحات الاستراتيجية لسلطنة عُمان والمستثمرين محليًّا وإقليميًّا، وإطلاق سوق الشركات الواعدة ليكون منصة تمويليّة واستثماريّة مبتكرة تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر تبسيط متطلبات الإدراج وتقديم حوافز ضريبية وتسويقية وتشغيلية، بما يسهم في تعزيز نمو هذه الشركات واستدامتها ورفع مستوى شفافيتها وحوكمتها وبناء الثقة بينها وبين المستثمرين.
وأشار إلى أن غرفة تجارة وصناعة عُمان قامت بمواءمة أهدافها وخططها الاستراتيجية مع مستهدفات وأولويات رؤية "عُمان 2040" لتحسين بيئة الأعمال والعمل مع الجهات الحكومية لتعزيز مكانة سلطنة عُمان باعتبارها وجهة استثمارية قادرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعمل الغرفة على تنظيم الوفود التجارية والملتقيات والفعاليات الاقتصادية داخل سلطنة عُمان وخارجها بمختلف الدّول الشقيقية والصديقة.
وأضاف أن الغرفة اعتمدت التوجّه الاستراتيجيّ بتوسيع قاعدة التنويع الاقتصادي من خلال العمل مع الجهات المعنية لجذب الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاقتصادية المستهدفة إلى جانب الشراكة في تنمية المحافظات اقتصاديًّا عبر استكشاف الفرص الاستثمارية بالمحافظات وتوجيه المستثمرين للاستفادة من تلك الفرص بالشراكة مع مكاتب المحافظين.
وأكد على أن لجنة المال والتأمين تضطلع مع لجنة الاستثمار الأجنبي وباقي اللجان في غرفة تجارة وصناعة عُمان بدور محوري في تعزيز كفاءة المنظومة التمويلية وتحسين بيئة الاستثمار لا سيما للمستثمر الأجنبي، ومناقشة التحدّيات التي تواجه القطاعين المالي والتأميني ورفع المقترحات إلى الجهات المختصة بما يسهم في تطوير التشريعات والإجراءات المرتبطة بتسهيل الوصول إلى التّمويل، كما تسهم اللجنة في تعزيز الوعي بالأنظمة المالية من خلال تنظيم الفعاليات المتخصصة مثل ندوة التحكيم في عقود المعاملات المصرفية التي هدفت إلى رفع المعرفة لدى المستثمرين والشركات بآليات فض النزاعات المالية وضمان حقوق الأطراف.
وقال إن اللجنة تعمل على بناء جسور التعاون مع المؤسسات ذات العلاقة من بنوك ومؤسسات تمويل وجهات تنظيمية من خلال الاجتماعات المباشرة واستعراض التحديات، الأمر الذي يسهم في توفير حلول تمكن الشركات من التوسع والاستثمار.
كما تمضي سلطنة عُمان في تطوير بيئة التكنولوجيا المالية عبر البيئة التنظيمية التجريبية التي تسمح للشركات الناشئة باختبار منتجات وخدمات مالية مبتكرة قبل طرحها في السوق، إلى جانب تطوير إطار المصرفية المفتوحة، الذي يمكّن شركات التكنولوجيا من تقديم خدمات مالية متقدمة تعتمد على مشاركة البيانات المصرفية بشكل آمن.
وتكتمل المنظومة التمويلية بتطوير نظام المعلومات الائتمانية، إذ يواصل مركز ملاءة للمعلومات المالية والائتمانية توسيع نطاق تغطيته عبر دمج بيانات شاملة للأفراد والشركات بما يعزز دقة التقييم الائتماني ويمنح المستثمر الأجنبي قاعدة معلومات واضحة لاتخاذ قرارات التمويل والاستثمار.
وتتمتع سلطنة عُمان بعوامل تنافسيّة قوية تشمل الاستقرار السياسي والموقع الاستراتيجي على خطوط التجارة الدولية والبنية الأساسية المتطورة في الموانئ والمناطق الاقتصادية الخاصة منها المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي تُعد بوابة لوجستيّة وصناعيّة واعدة لربط الأسواق الآسيوية والأفريقية.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}

تحليل التعليقات: