5.2 % ارتفاع الصفقات السكنية في المناطق الداخلية

على امتداد الأشهر العشرة الماضية، لم يكن المشهد في القطاع السكني داخل المناطق الداخلية مجرد تحركات رقمية، بل لوحة ديناميكية تتبدل فيها المزاجات وتتغير فيها اتجاهات الشراء، سوق بدا هادئاً على السطح، لكنه يخفي تحت تفاصيله إشارات دقيقة عن كيفية تفكير المشترين اليوم، وما الذي يدفعهم إلى الإقدام أو التريث. وفي قلب هذا المشهد، تظهر مفارقات تكشف تحولاً عميقاً في طبيعة الطلب ومستوى الأسعار.

يبرز في بيانات السكن الخاص للمناطق الداخلية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام مفارقة لافتة، فعدد الصفقات ارتفع بنسبة %5.2 ليصل إلى 262 صفقة، في حين انخفضت قيمتها الإجمالية بنسبة %7.53 إلى نحو 222.93 مليون دينار، مقارنة بـ 241.09 مليون دينار عبر 249 صفقة في الفترة نفسها من العام الماضي، هذا التباين بين زيادة النشاط وعدد الصفقات من جهة، وتراجع القيمة الإجمالية من جهة أخرى، يشير إلى انتقال السوق نحو صفقات أقل سعراً أو أكثر تحفظاً في التسعير.

ووفق دراسة أعدتها القبس، احتلت البيوت داخل المناطق الداخلية مركز الثقل في التداولات، إذ استحوذت على %82.4 من إجمالي الصفقات بواقع 216 صفقة، فيما شكلت قيمتها %84.8 من إجمالي قيمة التداول السكني بنحو 189.06 مليون دينار. ومع ذلك، فإن القيمة الإجمالية لتداولات البيوت شهدت تراجعاً بنسبة %3.4 مقارنة بـ195.77 مليون دينار عبر 204 صفقات في الفترة المقابلة من عام 2024.

هذا المشهد يعكس حالة «تنفيس سعري» تدريجي داخل المناطق الداخلية، سوق البيوت لا يزال نشطاً في الحركة والطلب، لكنه يتجه نحو مستوى سعري أكثر واقعية وتوازناً، بما قد يمهد لمرحلة جديدة من الاستقرار في قيم العقار بعيداً عن موجات المضاربة السابقة.

تحولات لافتة

وفي التفاصيل، سجلت منطقة الروضة تحولاً لافتاً في نمط الطلب خلال العشرة الأشهر الأولى هذا العام، خصوصاً على البيوت ذات مساحة 750 مترا مربعا، والتي برزت كأكثر المساحات تداولاً في المنطقة، فمن أصل 36 صفقة تمت في الروضة بقيمة 27.5 مليون دينار لمساحات بين 125 و1000 متر مربع، استحوذت مساحة 750 على النصيب الأكبر بواقع 13 صفقة، بأسعار تراوحت بين 810 آلاف و1.28 مليون دينار، بينما بلغ بيت واحد فقط الحد الأعلى مسجلاً 1.28 مليون.

وتكشف هذه الأرقام عن اتجاه واضح نحو الشراء في المساحات المتوسطة، إذ شكلت صفقات الـ750 متراً شريحة رئيسية من التداولات، ما يعكس تفضيل المشترين لمعادلة تجمع بين حجم مناسب للسكن الداخلي وسعر أقل مقارنة بالمساحات الكبيرة. ويقابل ذلك صفقات استثنائية لا تُعد معياراً للسوق، من بينها بيع بيت بمساحة 493 متر مربع بقيمة 3.1 ملايين دينار، وهي أعلى صفقة منفذة في الروضة هذا العام، ما يشير إلى أثر الموقع والمواصفات الخاصة أكثر من تأثير المساحة.

وعند مقارنة هذه التداولات بالفترة نفسها من العام الماضي، يتبين تضاعف عدد الصفقات من 18 إلى 36 صفقة، أي نمو بنسبة %100، توازى معه ارتفاع حاد في القيمة الإجمالية بنسبة %85.18 مقابل قيمة سابقة بلغت 14.85 مليون دينار فقط. وفي العام الماضي، تراوحت المساحات المتداولة بين 220 و750 مترا مربعا، وبلغت أسعار بيوت الـ750 آنذاك بين 879 ألفا و1.17 مليون دينار، حيث تم بيع 9 بيوت فقط بهذه المساحة، منها 5 صفقات لامست حاجز المليون، و4 صفقات دون ذلك.

طفرة حركية

وتأتي منطقة كيفان في المرتبة الثانية من حيث عدد صفقات البيوت، إذ سجلت 21 صفقة بقيمة 13 مليون دينار لمساحات تتراوح بين 101 - 500 متر مربع، بزيادة بلغت %31.25 عن عدد الصفقات في الفترة نفسها من العام الماضي حين لم تتجاوز 16 صفقة بمساحات بين 125 - 1000 متر مربع، وارتفعت القيمة الإجمالية للتداول في كيفان بنسبة %5.27 مقارنة بالقيمة السابقة البالغة 12.35 مليون دينار.

والجدير بالذكر أن البيوت ذات مساحة 500 متر مربع سجلت اتجاهاً هبوطياً في الأسعار هذا العام، فبينما تم بيع 7 بيوت العام الماضي بقيم تراوحت بين 770 ألفاً و1.35 مليون دينار، تم تنفيذ 8 صفقات هذا العام ضمن نطاق سعري أقل، يتراوح بين 660 ألفاً و1.2 مليون دينار. ومن بين هذه الصفقات، بلغ سعر بيتين فقط مليون دينار، في حين جاءت بقية البيوع دون هذا المستوى، على عكس العام الماضي حين كانت غالبية صفقات الـ500 متر مربع تتجاوز حاجز المليون دينار.

أما منطقة عبدالله السالم، فظلت من أعلى المناطق الداخلية سعراً وقيمة، ورغم أن عدد البيعات فيها ليس الأكبر كمياً، فإن قيمتها الإجمالية جاءت ثاني أعلى قيمة خلال الأشهر العشرة الأولى، إذ بلغت 23.65 مليون دينار عبر 14 صفقة بمساحات بين 750 - 1012 مترا مربعا، مقارنة بـ 12.35 مليون دينار عبر 8 صفقات فقط في العام الماضي لمساحات بين 375 - 1013 مترا مربعا، وبذلك ارتفعت القيمة الإجمالية %91.46 أما الصفقات فقد ارتفعت %75، ويؤكد ذلك أن متوسط قيمة البيت في عبد الله السالم يبقى الأعلى، وأن الطلب فيها يميل نحو العقارات الأكبر أو ذات المواصفات الأعلى سعراً.

خريطة تداول البيوت

وبشكل عام، شهدت 9 مناطق من أصل 16 منطقة داخلية ارتفاعاً في عدد تداولات البيوت بنسبة تراوحت بين %5.25 و%100، غير أن هذا النمو الكمي لم ينعكس بالكامل على القيمة الإجمالية، حيث انخفضت قيم التداول في ثلاث منها وهي القادسية، والدعية، والشويخ السكنية، ما يشير إلى تذبذب الأسعار في هذه المناطق بمستويات أقل رغم استمرار النشاط الشرائي.

فعلى سبيل المثال، منطقة الدعية في عام 2024 بلغت قيمة التداولات نحو 8.6 ملايين دينار موزعة على 10 صفقات، بمتوسط يقارب 859.8 ألف دينار للصفقة الواحدة، أما في 2025 فانخفض الإجمالي إلى نحو 6.81 ملايين دينار عبر 13 صفقة، ليهبط متوسط السعر إلى نحو 523.8 ألف دينار فقط. هذا التراجع الواضح في متوسط الصفقة من 859 ألفاً إلى 524 ألف دينار يعكس انتقال السوق نحو صفقات أقل سعراً، وزيادة الإقبال على البيوت ذات النطاق السعري المتوسط مقارنة بالعام الماضي.

شهدت منطقتا «النزهة» و«الدسمة» استقراراً في عدد الصفقات دون تغيير، ففي النزهة تم بيع 17 بيتاً بقيمة 22.35 مليون دينار، بينما تم بيع 14 بيتاً في الدسمة، غير أن الأخيرة سجلت تراجعاً في القيمة الإجمالية بنسبة %31.28 لتبلغ 6.26 ملايين دينار مقارنة بـ 9.12 ملايين دينار العام الماضي.

هدوء بتداولات الأراضي

في ما يتعلق بالأراضي داخل المناطق الداخلية، بقي عدد التداولات شبه ثابت عند 46 صفقة مقابل 45 صفقة خلال نفس الفترة من العام الماضي، ما يشير إلى أن السوق لم يشهد تدافعاً جديداً نحو شراء الأراضي، بل يبدو أن شريحة من المستثمرين والمشترين النهائيين تريثت أو أوقفت قرارات الشراء في انتظار وضوح اتجاهات السوق وتشريعات الأراضي الفضاء.

لكن التحول اللافت جاء على مستوى القيمة، حيث انخفضت القيمة الإجمالية للبيعات بنسبة %25 لتصل إلى 33.86 مليون دينار مقارنة بـ 45.32 مليون دينار في العام الماضي، ويشير ذلك إلى أن هبوط الأسعار كان هو العامل الرئيسي في هذه الفئة، وليس تراجع حركة البيع والشراء، وذلك يدل على فتور حقيقي في الرغبة الشرائية وكثرة العرض في السوق.