التعدي على الأراضي البيضاء يتحول لـ«ظاهرة» في المدينة المنورة

تحول بيع الأراضي بدون أوراق ثبوتية صادرة من الجهات ذات العلاقة إلى ظاهرة تندرج تحت مسمى «التعدي على الأراضي البيضاء»، وهو ما يعرف نظاما بالتعديات، حيث إن من يدعي أنه يملك تلك الأرض يذكر أنه حصل عليها بنظام الوراثة دون وجود أوراق ثبوتية رسمية صادرة من الجهات ذات العلاقة، هذه الظاهرة بدأت تنتشر بشكل مكثف بعيدا عن القنوات الرسمية، عمليات السيطرة عليها وبيعها يتم غالبا مع غروب الشمس، حيث تنشط الحركة في تلك المناطق، وذلك أثناء قيام بعض «لصوص الأراضي» بالسيطرة على الأرض خلال فترة زمنية من خلال وضع حدودها، وبعد مضي الفترة الزمنية اللازمة يقوم بتسويقها بعد أن يتمكن مع التنسيق مع أحد المكاتب الهندسية بعيدا عن الأنظمة والتعليمات التي تم إقرارها من قبل الجهات المختصة، ظاهرة بدأت تدق ناقوس الخطر في منطقة المدينة المنورة، وذلك من خلال التعديات على الأراضي البيضاء.

«المدينة» تفتح ملف التعديات على الأراضي البيضاء من قبل عدد من ما يعرفون داخل المجتمع بـ»لصوص الأراضي»، حيث حصلوا على ذلك المسمى بعد أن تمكنوا من السيطرة على تلك الأراضي بدون أوراق رسمية صادرة من الجهات ذات العلاقة، التعريف الحقيقي لظاهرة التعديات هو تملك أرض بيضاء بداعٍ أنه امتلكها بالوراثة ويقوم بعد ذلك بالبدء في عمليات بيع الأرض بعد أن يقوم بتجزئتها لعدد من الأراضي المصغرة، وذلك بعد الاستعانة بعدد من المكاتب الهندسية غير المعروفة، حيث يقوم المكتب بعمل مخطط هندسي يضم عددا من الأراضي، كما أن المخطط يتم فيه تحديد الطرق الرئيسية والشوارع الفرعية، وجميع تلك العمليات تتم خارج المنظومة الرسمية المتعارف عليها حسب الأنظمة والتعليمات.

فترات زمنية

كما أن المتابع لظاهرة التعديات يلاحظ أن هذه الظاهرة تنشط في فترات زمنية محددة وتختفي في أوقات أخرى، وجميع تلك الفترات يحددها «لصوص الأراضي»، حيث يتم التعدي عبر ٣ مراحل، الأولى هي السيطرة على الأرض من خلال تحديدها بأشجار أو شبك، وغالبا ما تتم هذه المرحلة في فترة الليل وذلك بالتنسيق مع عدد من العمالة المؤهلة والمدربة على إنجاز تلك المرحلة مقابل مبالغ مالية طائلة، وبعد الانتهاء من تحديد الأرض تبدأ المرحلة الثانية وهي تخطيط الأرض، وذلك بهدف تقسيمها لعدد من الأراضي المصغرة، حيث يتم الاستعانة بعدد من العاملين في المكاتب الهندسية لعمل المخطط الذي يتضمن عددا من الأراضي والتي تحمل أرقاما تشير لكل أرض، وبعد الانتهاء من عمل المخطط والذي في الغالب لا يتضمن اسم المكتب الهندسي الذي قام بتصميمه، وبعد الانتهاء من المخطط تبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة وهي بيع تلك الأراضي من خلال وسطاء عقاريين غير معتمدين من قبل الجهات المختصة، حيث يعتمد هؤلاء الوسطاء على التسويق غير النظامي الذي يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال مكاتب عقار غير معتمدة من وزارة التجارة، وجميع هذه المراحل الثلاثة تقود في النهاية إلى انتشار ظاهرة «التعديات» والحصول على أراض لا تملك وثائق رسمية صادرة من وزارة العدل.

الجهات الرقابية

انتشار ظاهرة «التعديات» دفع الجهات الرقابية المختصة لتكثيف جهودها للحد من انتشارها، حيث تكتشف تلك الجهات مخططا وهميا جديدا في كل أسبوع تقريبا في إحدى المواقع في المدينة المنورة وغالبا ما تكون في ضواحي المدينة المنورة، وما يزيد الأمر تعقيدا هو تحول تلك المخططات الوهمية بعد اكتشافها من أراض بيضاء إلى استراحات ومنازل شعبية في فترة زمنية وجيزة، دفع الجهات المختصة إلى وضع الآليات اللازمة لإيقاف استمرار ظاهرة «التعديات».

في المقابل علمت «المدينة» أن أولى تلك التعليمات هو إيقاف إيصال الكهرباء لتلك المواقع إلا بعد تقديم ورقة من البلدية تثبت نظامية الموقع، حيث من المتوقع أن يساهم هذا التنظيم في ضعف الإقبال على شراء تلك الأراضي، كما علمت «المدينة» أيضا من مصادر موثوقة أن 3 جهات حكومية هي: إمارة منطقة المدينة المنورة، أمانة المنطقة ووزارة العدل، بدأت في رصد الظاهرة، وذلك من خلال جولات رقابية سرية على عدد من المواقع لمنع انتشار ظاهرة «التعديات» و»المخططات الوهمية، وذلك لحماية أهالي المدينة المنورة من الانسياق خلف الإعلانات المضللة التي يروج لها عدد من مكاتب العقار غير المعتمدة.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «المدينة» فإن اللجنة قد تستعين بأرباب الخبرة للقضاء على الظاهرة التي باتت حديث أهالي المدينة المنورة في الوقت الحالي، مضيفة أنها سوف تلاحق جميع من يقوم بالتعدي على الأراضي البيضاء وتخطيطها دون أن يستكمل الإجراءات الرسمية التي أقرتها الأنظمة والتعليمات.

فرق ميدانية

في المقابل ذكر لـ»المدينة» المتحدث الرسمي لأمانة منطقة المدينة المنورة المهندس يحيى سيف، أن أمانة منطقة المدينة المنورة عضو في لجنة التعديات في المنطقة، كما أن هناك فرقا ميدانية رقابية تعمل بشكل مستمر لرصد أي تعد على الأراضي البيضاء غير المملوكة بأوراق رسمية صادرة من الجهات المختصة، أو من خلال التعامل الفوري مع أي بلاغ يصل لغرفة عمليات أمانة منطقة المدينة المنورة، وذلك من خلال إعداد التقارير الفنية وتقديمها للجنة التعديات في المنطقة والتي تقوم بإزالتها على الفور.

عقوبات مشددة

وكان صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة كان قد وجه بفرض أشد العقوبات على ملاك المكاتب الهندسية والمساحية التي قامت بتخطيط الأراضي الحكومية والإحداث فيها بصفة غير نظامية وبيعها لمخالفتها الأنظمة والتعليمات، وقد جاء التوجيه بعد أن ورد لإمارة المنطقة انتشار ظاهرة تخطيط أراض مملوكة بصكوك شرعية يقوم ملاكها بتقسيمها بمعرفتهم ثم الإعلان عن بيعها مشاعا أو قطعا محددة المساحات لا توجد عليها صكوك شرعية، فيما حذرت أمانة المدينة المنورة المواطنين من إعلانات بيع أراض بالمدينة وضواحيها عبر وسائل الإعلام المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي، وتضمن التوجيه دعم لجان الإزالة والتعديات بالمحافظات والمراكز بالمعدات والأجهزه اللازمة للشروع في أعمالها على أكمل وجه، وتفعيل دور رقابة البلديات الفرعية والرفع بأي إحداث يتم رصده إلى لجنة الإزالة والتعديات بالمحافظات والمراكز.

كما أكدت أمانة منطقة المدينة المنورة في وقت سابق أن بيع الأراضي البيضاء غير مكتملة الوثائق الرسمية مخالفة للأنظمة والتعليمات، وأن ما يظهر من إعلانات هو لبيوع مخالفة للأنظمة والتعليمات، حيث لا يجوز بيع قطع الأراضي إلا بموجب مخططات معتمدة من الأمانة وموثقة لدى كتابات العدل واستكمالها للإجراءات الشرعية والإدارية، ولأن بيع الأراضي التي دون صكوك شرعية يعتبر من التعدي على الأراضي الحكومية، وأكدت الأمانة حرصها على حقوق المواطنين وعدم الوقوع في شرك التحايل والتغرير وأكل أموال الناس بالباطل، محذرة من هذا النوع من التعاملات، مخلية مسؤوليتها عن المشترين من هذه الأراضي وعدم السماح لهم بالبناء والإزالة الفورية وتطبيق الغرامات المستحقة بحسب لائحة الجزاءات والغرامات البلدية وملاحقة المحدثين والمسوقين قانونيا وتطبيق الأنظمة بحقهم.