نجاح "توشيبا".. شيدته في سبعة عقود وخسرته في أقل من 10 سنوات

"توشيبا" إحدى كبرى شركات التكنولوجيا السابقين في اليابان موجودة حالياً في غرفة الطوارئ، وتكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث صرحت في وقت سابق من شهر أبريل/نيسان بأنها تشك في قدرتها كمنشأة على الاستمرار.

دخول "توشيبا" إلى غرفة الطوارئ كان بسبب صفقة استحواذ كارثية أجرتها العام الماضي، ولكن الحالة العامة للشركة تدهورت بشكل عام على مدار العقدين الماضيين، ربما لأنها فشلت في مواكبة التطور الذي شهده الاقتصاد العالمي.



في الغرف المجاورة، ترقد "سوني" و"أوليمبوس" و"هياتشي" وغيرها من كبار شركات التكنولوجيا اليابانية الأخرى، ويتقاسمون جميعاً ذكريات مجدهم، عندما كانت اليابان أحد رواد التكنولوجيا في العالم.

وأعلنت "توشيبا" الإثنين الماضي أنها سوف تقسم نفسها إلى أربع شركات تابعة، في محاولة لحماية نفسها من تداعيات إفلاس وحدتها الأمريكية "ويستنجهاوس"، وذلك بحسب التقرير الذي نشره موقع "كوارتز".

وفي الحقيقة قصة تدهور "توشيبا" أقل ما توصف به هو أنها درامية، حيث إن الشركة التي لطالما عرفها العالم  كأحد أهم صناع الأدوات والأجهزة الأحدث والأكثر تطوراً، أصبحت اليوم منتجاً لبعض الأجهزة التي يمكن وصفها بأنها عادية أوغير فائقة التطور.

من المصباح الكهربي إلى اللاب توب

بالعودة ثمانية عقود إلى الوراء، نشأت فكرة "توشيبا" في أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأ ابن أحد الحرفيين في تطوير معدات التلغراف.

تأسست الشركة الحالية في عام 1939 كنتيجة لاندماج شركتين يابانيتين هما "طوكيو إلكتريك" المتخصصة في صناعة المصابيح الكهربائية و" شيباورا للأعمال الهندسية".

في منتصف القرن العشرين عملت الشركة المندمجة على تطوير تكنولوجيا مسجلات الفيديو وأجهزة التلفاز، ومكيفات الهواء، وحتى معدات معالجة رسائل البريد.

أصبح لـ "توشيبا" مكانة عالمية بارزة في الثمانينيات والتسعينيات، وذلك ربما بفضل القروض الرخيصة والإعانات التي حصلت عليها من الحكومة اليابانية، وهو ما أكسبها ميزة تنافسية أمام المنتجين الآخرين في الأسواق الخارجية.



وصلت الشركة إلى ذروة نجاحها في عام 1985 عندما كشفت عن "T1100"، وهو أول كمبيوتر محمول يتم طرحه بشكل موسع في الأسواق.

رغم أنه لم يكن أول كمبيوتر محمول يتم الكشف عنه، إلا أن "T1100" كان أول جهاز محمول في العالم يتمتع بمواصفات تقنية تتشابه مع جهاز الكمبيوتر المكتبي المنتج من قبل "آي بي إم".

في الثمانينيات كانت الشركة أيضاً موجودة في مجال الرقائق الإلكترونية، من خلال اختراعها ذاكرة الفلاش "ناند"، والتي تعتبر أحد أهم المكونات التي تدخل في صناعة جميع الأجهزة الحديثة تقريباً.

أصبحت "توشيبا" واحدة من كبار اللاعبين العالميين في مجال صناعة أجهزة الكمبيوتر المحمولة في التسعينيات وبداية القرن العشرين، حيث استحوذت وحدها في العام 2007 على 17.8% من مبيعات الكمبيوتر في متاجر التجزئة بالولايات المتحدة.

لكن في غضون 10 سنوات، تسببت ثلاثة تطورات مهمة في تحول "توشيبا" من أحد رواد صناعة التكنولوجيا في العالم، إلى كيان متضخم مثقل بالمشاكل، وتسيطر على مستقبله حالة من عدم اليقين.

الإنترنت يقتل صناعة الكمبيوتر

بداية من مطلع الألفية الجديدة، أسهمت شعبية الإنترنت في زيادة الطلب لدى المستهلكين في جميع أنحاء العالم على أجهزة الكمبيوتر.

أتاح ذلك التطور فرصة للمصنعين ذوي التكلفة المنخفضة من تايوان مثل "أيسر" و"آسوس" للدخول بقوة في السوق وبيع أجهزة رخيصة، لا تمتلك ميزة العلامة التجارية المعروفة أو الشهيرة.

لاحقاً لم يقتصر الأمر على اللاب توب، وإنما امتد للإلكترونيات الاستهلاكية الأخرى مثل الميكرويف والغسالات، حيث إن المستهلكين عادة ما يفضلون المنتجات الأرخص سعراً، وليس الأكثر جودة.



أدت هذه الضغوط التنافسية إلى جانب ركود عام 2008 إلى تضرر النتائج المالية للشركة بشكل قوي، حيث إن أرباحها من قسم الحواسيب الشخصية انخفضت بنسبة تزيد على 80% في الفترة ما بين عامي 2007 و2015.

في عام 2010 بدأت "توشيبا" في الاستعانة بمصادر خارجية لتصنيع أجهزة التلفاز، وبحلول عام 2015 انسحبت بشكل كامل من السوق غير اليابانية.

العام الماضي أعلنت "توشيبا" أنها سوف تخرج من أسواق أجهزة الكمبيوتر المكتبية الخارجية تماماً.

تراجعت حصة "توشيبا" من سوق أجهزة الكمبيوتر في العالم من حوالي 20% في عام 1996 إلى ما يقرب من 5% في عام 2016، وفقاً لبيانات شركة الأبحاث "آي دي سي".

فضيحة كبرى

في عام 2015 كشف تحقيق عن أن الشركة قد بالغت في تقدير أرباحها التشغيلية بمقدار 1.2 مليار دولار على مدار سنوات، في محاولة للتغطية على الانهيار الذي شهدته مبيعاتها من أجهزة الكمبيوتر.

في محاولة لإرضاء المساهمين، قام الرئيس التنفيذي للشركة "أتسوتوشي نيشيدا" بوضع أهداف غير واقعية ومبالغ فيها لمبيعات قسم الكمبيوتر، وبعد فشل الشركة في تحقيق تلك الأهداف قام بتزوير النتائج المالية.

أفاد تقرير صادر عن لجنة التحقيق في الفضيحة التي أنشأتها "توشيبا" بأن "نيشيدا" شجع محاسبي الشركة في بعض الأحيان على المبالغة في الأرقام.



في يناير/كانون الثاني من عام 2009، عندما أخبر أحد موظفي الشركة "نيشيدا" أن وحدة صناعة الكمبيوتر سوف تسجل خسائر تشغيلية قدرها 18 مليار ين (203 ملايين دولار) عن عملياتها في 6 أشهر فقط، أمره رئيس الشركة "بتحسين" الرقم وتعديله إلى أرباح قدرها 10 مليارات ين.

على الرغم من أن هذه الفضيحة لم تؤد إلى انهيار "توشيبا" إلا أنها كشفت عن مشاكل ومواطن خلل عميقة موجودة بالشركة، وربما تتقاسمها مع العديد من التكتلات اليابانية الأخرى.

استحواذ في توقيت سيئ

في عام 2006 دفعت "توشيبا" 5.4 مليار دولار لشراء شركة "ويستنجهاوس" العاملة في مجال تشييد منشآت الطاقة النووية في الولايات المتحدة.

لم يكن لدى "توشيبا" أي خبرة في ذلك المجال، ولكن ما شجعها على هذه الخطوة هو أنه في ذلك الوقت كانت هذه الصناعة مزدهرة وتمتع بآفاق نمو جيدة، حيث أعلنت بلدان مثل فيتنام والهند واليابان اهتمامها بتعزيز صناعة الطاقة النووية.

تغير كل ذلك في عام 2011 عندما تسبب تسونامي في انهيار كارثي بمحطة فوكوشيما النووية، لتغلق اليابان بعد ذلك جميع مفاعلاتها النووية تقريباً، بينما ألغت بلدان أخرى خططاً للاستثمار في الطاقة النووية.



باعت شركة "شيكاغو بريدج آند أيرون" وحدتها النووية إلى "ويستنجهاوس" محاولة التخلص من مشاريعها المتأخرة والمكلفة التي تعاقدت عليها.

اكتشفت "ويستنجهاوس" لاحقاً أن هذه المشاريع أكثر تكلفة مما كانت تتصور، لتضطر إلى إثقال نفسها بالديون، ولكنها رغم ذلك لم تتمكن من إكمال المشاريع المتعاقد عليها في الولايات المتحدة.

تسببت هذه التطورات في خسارة "توشيبا" الشركة الأم لـ"ويستنجهاوس" ما يزيد على 6 مليارات دولار، أي أكثر مما دفعته وحدتها الأمريكية في صفقة الاستحواذ على وحدة "شيكاغو بريدج آند أيرون".

نتيجة لهذه الخسارة، تنظر الشركة حالياً في بيع أعمالها في مجال الرقائق الإلكترونية – القسم الوحيد لديها الذي يتمتع بآفاق نمو معقولة – من أجل البقاء على قيد الحياة.

أين ذهبت الشركات اليابانية؟

في العام الماضي، اشترت شركة الصناعات الدقيقة التايوانية "فوكسكون" شركة التكنولوجيا اليابانية "شارب" – أحد التكتلات اليابانية الناجحة الذي أصبح مجرد وحدة تابعة – مقابل 5.4 مليار دولار.

خرجت "سوني" من صناعة الكمبيوتر الشخصي في عام 2014، وقلصت حجم أعمالها في الجوال المحمول بشكل كبير، ويقال إنها تنظر حالياً في إمكانية بيع وحدتها الترفيهية.

حتى شركة "نينتندو" كانت على حافة الاختفاء التام من على الساحة العالمية، لولا ظهور لعبة "بوكيمون جو".



يرى الخبراء أن اليابان سوف تظل "عالقة في الوسط" بين الابتكار الأمريكي الأصلي والتصنيع الآسيوي الرخيص، ما لم تقم هذه الشركات بإصلاح ثقافتها وابتكار منتجات أكثر ملاءمة لاقتصاد الإنترنت.

بالنسبة لليابان قد يكون من الضروري حدوث المزيد من التدمير قبل الانتقال إلى مرحلة الانتعاش، ولكن يجب أن يتقاعد الجيل الحالي الذي يقود صناعة التكنولوجيا في البلاد.

وأخيراً، في العام المالي المنتهي في مارس/آذار 2017 لم تشهر أي شركة من الشركات اليابانية الـ4000 المتداولة في البورصة إفلاسها، وهذا ليس دليلا على ازدهار الاقتصاد، بل هو مؤشر على وجود الكثير من الكسالى والعمالقة المرضى.