نبض أرقام
06:59
توقيت مكة المكرمة

2024/05/23
2024/05/22

نمر آسيا القادم .. كيف فعلتها فيتنام رغم التحديات؟

2017/12/15 أرقام - خاص

ما هو البلد الآسيوي الذي حقق قفزة اقتصادية مذهلة خلال ربع قرن مضى، خرج خلالها الملايين من مواطنيه من براثين الفقر؟ وما هو الاقتصاد الآسيوي الذي على الرغم من أنه لا يزال يميل إلى كونه ريفيا إلا أنه سيكون الدينامو القادم للقارة؟
 

للوهلة الأولى، سيقفز ذهن معظمنا إلى الصين، وربما يخمن البعض بأنها الهند، ولكن إجابات هؤلاء وأولئك تغفل بشكل غريب دولة كان من الممكن أن تبرز بشكل أفضل لو كانت تقع في مكان آخر من العالم، بسبب ما حققته من نجاح اقتصادي في الماضي، وإمكاناتها المستقبلية، إنها "فيتنام".



 

فيتنام التي يتجاوز عدد سكانها 90 مليون نسمة، حققت ثاني أكبر معدل لنمو دخل الفرد في العالم منذ عام 1990، ولم يسبقها سوى الصين. وإذا تمكنت هذه الدولة من الحفاظ على وتيرة نمو لا تقل عن 7% على مدار العقد المقبل، فسوف تمضي بنجاح في طريق مشته قبلها النمور الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وتايوان.

 

الأمريكان كعقبة
 

- هناك مزحة طريفة عرضها بشكل جيد الممثل الأمريكي "إيدي ميرفي" في نهاية فيلمه الشهير "Coming to America"، حول رجل يدخل إلى مطعم ويطلب بعض الحساء، قبل أن ينادي النادل لتذوقه. وعندما يأتي، يقف النادل أمام الرجل حائرًا يسأله ما إذا كان الحساء ساخنا جدًا أم باردا أو أي شيء آخر، ليكتشف بعد لحظات من الحيرة أن كل ما في الأمر أنه لا توجد ملعقة  أمامه أساسًا.

 

- وفي الواقع، إن المعجزة الاقتصادية الفيتنامية التي بدأت فعلياً في عام 1992، وانتشلت البلاد من الفقر المدقع خصوصًا بعد فقدانها برنامج المساعدات السوفيتية الكبير، لتنضم رسميًا إلى الدول ذات الدخل المتوسط في عام 2009، تثير مشاعر مماثلة تمامًا. لماذا؟ ببساطة لأن الفيتناميين أرداوا تناول غذائهم ولكن الأمريكيين منعوهم الملعقة، لذا كان عليهم إيجاد أخرى.

 

- في السنوات التي أعقبت الحرب الفيتنامية مباشرة، كافحت فيتنام من أجل الوقوف على قدميها مرة أخرى، بينما كانت تعاني من ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض مستويات الإنتاج بعد أن قُتل الكثير من سكانها ممن كانوا في سن العمل.



- في البداية، تعرقلت كافة محاولات فيتنام للانتعاش بسبب العزلة الدبلوماسية المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة بشكل رئيسي، ونجاح واشنطن في الضغط على المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي لحرمانها من المساعدات المطلوبة لإعادة بناء اقتصادها الذي دمرته القوات الأمريكية في الستينيات. كما ساهم الحظر التجاري الأمريكي الذي دام 20 عامًا في الحد من قدرة فيتنام على التقدم في مجال التجارة الدولية.

 

- بدأت الأمور تتغير في عام 1986، حين اعتمد الحزب الشيوعي الحاكم فكرة اقتصاد السوق، مع تمسكه بمبادئه الاشتراكية. وجرى تشجيع الاستثمار الأجنبي، والترحيب بالشركات الخاصة، مما أدى إلى انطلاق عصر التحرير الاقتصادي الذي ازدهرت خلاله ريادة الأعمال.

 

- سرعان ما أصبحت فيتنام ثاني أكبر مصدر للأرز في العالم. وبحلول عام 1995، تمكنت لأول مرة من استغلال كامل طاقاتها بعد أن استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، لتبدأ على الفور المؤسسات الدولية بتقديم كميات كبيرة من المساعدات الإنمائية إلى فيتنام.

 

- في عام 2006، انضمت فيتنام إلى منظمة التجارة العالمية، ونجحت خلال السنوات الأخيرة في تطوير بنيتها التحتية، وتشييد شبكة كهرباء حديثة تغطي حاليًا نحو 90% من البلاد. كما أن صناعة السياحة انطلقت وتواصل التوسع، مما يوفر فرص عمل جديدة ومصادر دخل لملايين الفيتناميين.
 

دولة تعرف كيف تستغل إمكاناتها
 

- بعكس الصين والهند، تفتقر فيتنام إلى مزايا كونها اقتصادا بحجم القارة، ولحسن الحظ هذا يجعل الدروس المستفادة من صعودها الاقتصادي أكثر قابلية للتطبيق في العديد من البلدان النامية الأخرى، ولا سيما المجاورة لها.

 

- لم تستسلم فيتنام لموجة التشاؤم التي أصابت عددا من البلدان النامية إزاء التطور السريع للتكنولوجيا، حيث أثار انتشار الأتمتة الصناعية في المصانع الكثير من المخاوف من أن الصناعات كثيفة العمالة لن تنجح في دفع اقتصادات البلدان الفقيرة إلى الأمام. ولكن تجربة فيتنام أظهرت أن نماذج التنمية المجربة والمختبرة لا تزال تحقق نتائج جيدة.



 

- إذا ألقينا نظرة على الخريطة نلاحظ أن أكبر عامل في صالح فيتنام هو الجغرافيا. حيث إن حدودها مع الصين أكسبتها ميزة تنافسية كبيرة. فلا يوجد أي بلد آخر أقرب من مناطق التصنيع الرئيسية في جنوب الصين ويتمتع باتصالات بحرية وبرية معها سوى فيتنام.

 

- في ظل الارتفاع المستمر للأجور الصينية، أصبحت فيتنام بديلًا واضحًا للشركات التي تسعى إلى التحرك إلى مراكز إنتاجية منخفضة التكلفة، وخاصة إذا كانت ترغب في أن تحافظ في ذات الوقت على سلاسل التوريد الصينية.
 

التعليم .. المشترك بين كل تجارب التنمية
 

- معدل السن الصغير نسبيًا للسكان يزيد هو الآخر من القوة الدافعة التي يتمتع بها الاقتصاد الفيتنامي. ففي حين أن متوسط العمر في الصين يقترب من 36 عامًا، لا يتجاوز نظيره لدى فيتنام 31 عامًا (30.7 عام).

 

- القوى العاملة في فيتنام ليست مجرد شباب هواة، بل العكس، قوامها الرئيسي عبارة عن ملايين من العمال المهرة، وهذا يرجع بشكل رئيسي إلى التعليم الذي بلغ الإنفاق عليه نحو 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أي بزيادة نقطتين مئويتين مقارنة مع متوسط مع تنفقه البلدان متوسطة الدخل مثل فيتنام.

 

- على الرغم من أن بعض الحكومات تنفق على التعليم أكثر من ذلك، إلا أن ما يميز فيتنام هو أنها تركز على الأساسيات: زيادة معدل الالتحاق بالمدارس وتدريب المعلمين وضمان حد أدنى من الجودة التعليمية، ولذلك نجد الأطفال الفيتناميين في سن الخامسة عشرة يتفوقون في التصنيفات العالمية على نظرائهم من الولايات المتحدة وبريطانيا في الرياضيات والعلوم، ويتساون مع أقرانهم الألمان.



- يدرك الفيتناميون أن التعليم استثمار محوري بالنسبة لهم، من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من الفرص التجارية. فعلى الرغم من أن المصانع تتحول تدريجيًا نحو الأتمتة إلا أن الآلات لا تزال بحاجة لمشغلين، وهؤلاء يجب أن يكونوا على قدر عال من التعليم والكفاءة للتعامل مع التعليمات المعقدة.

 

- القوى العاملة من سكان الحضر لديها مجال كبير للنمو، حيث يعيش 7 من كل 10 فيتناميين في الريف، كما هو الحال في الهند، وذلك مقارنة مع 44% فقط في الصين. ومن المتوقع أن يساهم ذلك في تخفيف ضغوط الأجور، مما يمنح فيتنام الوقت اللازم بناء صناعات كثيفة العمالة، والتي تعتبر ضرورة لأمة يقترب عدد سكانها من 92 مليون نسمة.
 

التنويع
 

- العديد من الدول النامية الأخرى لديها قوى عاملة شابة، ولكن القليل منها من كان لديه سياسات فعالة مثل فيتنام. فمنذ مطلع التسعينيات، انفتحت الحكومة على التجارة والاستثمار الدوليين، وقد أعطى هذا الشركات الأجنبية الثقة للبدء في تشييد المصانع بالبلاد.

 

- في عام 2016، كان المستثمرون الأجانب في فيتنام مسؤولين عن ربع الإنفاق الرأسمالي السنوي، بينما مثّلت التجارة كبيرة تتجاوز نظيرتها لدى أي بلد آخر يتمتع بنفس المستوى من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

 

- سجل الاستثمار الأجنبي المباشر في فيتنام رقمًا قياسيًا خلال عام 2015، وارتفع مرة أخرى خلال النصف الأول من عام 2016 ليصل إلى 11.3 مليار دولار، بارتفاع قدره 105% مقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق.



- منعت الحكومة الفيتنامية المسؤولين من إرغام الأجانب على شراء المدخلات محليًا، على غرار قواعد المحتوى المحلي التي تفرضها إندونيسيا، ولذلك توافدت الشركات الأجنبية إلى فيتنام وأصبحت مسؤولة اليوم عن ثلثي صادرات البلاد.

 

- أهم ما يميز التجربة الفيتنامية هي المرونة. فقد شجعت الحكومة المنافسة بين مقاطعاتها الثلاثة والستين، ولذلك نجد أن مدينة "هو تشي منه" تميزت بمناطقها الصناعية، بينما برزت مدينة "دا نانج" في مجال التكنولوجيا الفائقة، في حين أصبح الشمال منطقة جاذبة للمصنعين الراغبين في الخروج من الصين. والنتيجة هي اقتصاد متنوع قادر على الصمود في وجه الصدمات.
 

جاءت من بعيد
 

- ما حققته فيتنام هو نقلة لا يستهان بها على الإطلاق. فقد ارتفع متوسط الدخل السنوي للفرد من 100 دولار أمريكي في عام 1986 إلى ألفي دولار في عام 2016، ويصل ذلك الرقم إلى الضعف في المناطق الحضرية.

 

- قبل ثلاثين عامًا، كانت فيتنام واحدة من أفقر دول الكوكب، ولكنها أصبحت اليوم صاحبة اقتصاد تتجاوز قيمته 200 مليار دولار عام 2016 (77.4 مليار دولار عام 2007).

 

- لذلك غالبًا ما يفاجأ زوار فيتنام، وخصوصا القادمين من الدول الغربية، بالأبراج المكتبية والمحلات الراقية والشوارع التجارية المزدحمة، وذلك بسبب أن انطباعاتهم المسبقة عن هذا البلد التي شكلتها شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم في الستينيات والسبعينيات عبارة عن صور محزنة لصراعات وفقر وجهل.



- أخيرًا، على الرغم من وجود الكثير من التحديات المستقلبية أمام الاقتصاد الفيتنامي، إلا إنه بالنظر إلى المكان الذي جاء منه هذا البلد قبل 30 عامًا فقط، يمكننا بكل أريحية اعتبار فيتنام إحدى قصص النجاح الاقتصادي الآسيوية التي نضجت تجربتها على نار هادئة دون استعجال.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة