في ندوة «الحياة» عن مشكلات القطاع وأهميته للاقتصاد السعودي ... خبراء: التأمين على الحياة تكافل اجتماعي ... و« التعاوني» ليس تحايلاً على «التجاري»
منذ ثلاث سنوات أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي نظام التأمين الذي اشترط أن يكون تأميناً تعاونياً، ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن تقدمت نحو 36 شركة للحصول على تراخيص للعمل في السوق السعودية، إلا انه لم يحصل على التراخيص سوى 14 شركة فقط.
وتتوقع الدراسات أن يبلغ حجم السوق السعودية 15 بليون ريال خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما يفتح شهية الكثير من الشركات لدخوله.
إلا أن هذه الشركات تواجهها بعض العقبات والمشكلات التي يتعلق بعضها بالإجراءات البيروقراطية في استخراج التراخيص، ونقص الوعي عند الكثير بفوائد التأمين وأهميته الاقتصادية على الفرد والبلد، إلى جانب صدور بعض الفتاوى التي تحرّم المساهمة في بعض شركات التأمين، فضلاً عن نقص الكوادر السعودية، بل والأجنبية التي تعمل في هذا المجال، وعدم تفعيل لجان فض المنازعات بين الشركات بعضها البعض، أو بين الشركات وحملة الوثائق.
«الحياة» فتحت ملف شركات التأمين للحديث عن مشكلاتها، ونظرتها للسوق السعودية، وتوقعاتها المستقبلية من خلال ندوة حضرها رئيس دار موسى لخدمات استشارات التأمين موسى الربيعان، ونائب الرئيس التنفيذي للشؤون الفنية، وعضو مجلس الإدارة في الشركة التعاونية للتامين سعد المرزوقي، والمدير العام بالإنابة في شركة ميد غلف أيمن الحوت، والمدير العام لمجموعة سداد الدولية عبدالباري الغامدي.
* دعونا نبدأ أولاً بتعريف التأمين التعاوني وهل هو بديل عن التأمين التجاري؟
- الربيعان: الشيخ عبدالله المنيع قال إن التأمين هو التأمين، لا يوجد فرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، من حيث الخدمة والتغطية، لا يوجد اختلاف إلا في أسلوب التعريف.
فلا يوجد اختلاف في المنتجات بمعني أن وثيقة تأمين السيارات لا تختلف في شركة تأمين تجاري عنها في شركة تامين تعاوني، الفتوى التي صدرت بأن التأمين التعاوني هو البديل عن التأمين التجاري ساعدت على تأسيس شركات التأمين التعاوني.
ممنوع الآن تأسيس أي شركة سعودية إلا بنظام التأمين التعاوني وجميع الشركات غير التعاونية لديها مهلة للتحول إلى التأمين التعاوني.
- الحوت: الخطوة الأساسية والأهم هي إيجاد نظام للتأمين والتشريعات اللازمة، لتطوير هذا القطاع، بمجرد إن وجد القانون أصبح هناك إمكان لتطوير هذا القطاع في المملكة، وصدر القانون على أساس التأمين التعاوني الأوفق مع الشريعة الإسلامية.
بحسابات تقنية توجد فروق بسيطة بين التأمينين، نفس المنتجات ونفس الخدمات ونفس التغطيات لكن توجد حسابات تفصيلية تفرق بين النوعين. لكن أنا أرى إن الأهم هو إيجاد نظام للتامين ما كان أصلا موجود.
* هل هو تحايل على التأمين التجاري؟
- الحوت: عندي تحفظ على كلمة تحايل أو التفاف. هناك قانون صدر في المملكة على الجميع احترامه. القانون حدد المتطلبات الموجودة، وكيف تكون طريقة احتساب الفائض وتوزيعه بين المساهمين والمشتركين، وبالتالي كلنا ملزمون بهذا القانون، نحن كنا موجودين في السعودية حتى قبل صدور نظام التأمين التعاوني، واليوم بعد تأسيس الشركة تحولنا لنكون شركة سعودية تطبق القانون السعودي كاملاً.
* لكن كان هناك اعتراض على النظام الجديد باعتبار أنه لا يختلف كثيراً عن التأمين التجاري؟
- الحوت: دعنا نكون واقعيين، القانون صدر بطريقة تحفظ حقوق المساهمين والمستثمرين الذين يبحثون عن الربح وتنمية أموالهم، وكما يحفظ حقوق حملة الوثائق، والقانون واضح جداً في طرق الاحتساب، لو كانت الأمور غير واضحة في طريقة الاحتساب كانت ستوجد أماكن رمادية، لكن ما دام كل شيء واضحاً فليس هناك أي إشكال.
- المرزوقي: أوافق الإخوة، إجازة هيئة كبار العلماء والفقهاء بأن التأمين التعاوني بديلاً للتأمين التجاري، وصحيح انه ليس هناك اختلاف كبير كصناعة، الاختلاف الوحيد إنه في التأمين التعاوني يعود جزء من الفائض إلى المؤّمن لهم، أما في التأمين التجاري تحتفظ شركة التأمين بكل الفائض لحساب المساهمين، فهو ليس تحايل بقدر ما هو بديل عن التامين التجاري، والفقهاء أقروا بأن هذا هو البديل المناسب بحسب الشريعة الإسلامية، لأنه يؤكد مبدأ المشاركة في الربح، ولو كان تحايلاً أو التفافاً ما أقروه، التأمين التعاوني قديم جداً، كانت القبائل تتكافل مع بعضها، أما الآن أصبح مقنناً كصناعة بطريقة علمية استثمارية، ولكن يوجد تحفظ على نسبة المردود هل يجب أن تحدد أو تترك مفتوحة.
صناعة التأمين من اخطر الصناعات، وإذا لم يكن هناك مردود مجزٍ متوقع فلن يستثمر فيها احد، ولأن المخاطر كبيرة فيجب أيضاً أن يكون المردود كبيراً، إذا قلت للمستثمر سأعطيك بين 10-20 في المئة، في مقابل أنك تخاطر برأسمالك سيفضل أن يضع نقوده في البنك، أو يتجه للعمل في مجال آخر أكثر ربحاً وأقل مخاطرة.
* أليس عدد الشركات التي منحت تراخيص كبيراً؟
- المرزوقي: لدينا سوق ذات حجم كبير جداً، ولكن بسبب قلة الوعي فحجم التأمين ضعيف قياساً، وبناءً على ذلك فإن عدد الشركات التي مُنحت التراخيص والتي ما زلت في الطريق للحصول عليه كبير جداً في الوضع الحالي، ربما يصل إلى 36 شركة، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى منافسة غير شريفة على الأسعار وحدوث مصادمات ومضاربات.
أما من ناحية دخول الشركات الأجنبية فهي تنظر إلى المردود وحجم السوق وعدد الشركات.
الربيعان: الأسلوب التعاوني يحفظ حقوق حملة الوثائق، وفي الوقت نفسه لا يبخس حق المستثمر في الحصول على عائد مناسب، واعتقد بأنه تركيبة مناسبة للجميع.
* ما حجم سوق التأمين الحالي؟ وما توقعاتكم خلال السنوات المقبلة؟
- الربيعان: عام 2006 بلغ حجم السوق نحو 6 بلايين ريال، وتتوقع الدراسات أن يصل إلى 15 بليون ريال بين السنوات الثلاث والخمس المقبلة.
بالنسبة إلى عدد الشركات لا أعتقد أنه كبير، لأن الفترة المقبلة ستشهد اندماجات للشركات، وستنتهي السوق إلى نحو 15 شركة، وهنا يأتي دور مؤسسة النقد التي وضعت نظام شركات التأمين، وعملت بكل الطرق على حماية هذه الشركات من الإفلاس، وأوجدت اللائحة التنفيذية والطرق الكفيلة لحماية شركات التأمين من الإفلاس، ولكن لا شيء مضمون في حالات الإفلاس، لكن خبرة العاملين في الشركات جيدة جداً.
- الحوت: العدد كبير جداً لكن السوق مفتوحة، وأي شخص تتوافر فيه شروط الحصول على الترخيص من حقه الحصول عليه شرط موافقة مؤسسة النقد والالتزام بقراراتها، من الصعب إغلاق السوق على شركات معينة.
ومن ناحية المنافسة، من المؤكد ستكون هناك منافسة كبيرة ولكن هناك معايير تطبقها مؤسسة النقد لاحتواء المنافسات التي تضر بالشركات، لتحمي حملة الوثائق والمستثمرين معاً، وهذا خط الدفاع الأول، الشيء الآخر يعود لإدارة الشركات والمساهمين الذين يضعون المعايير الداخلية التي تضمن المحافظة على سلامة الشركة واستمرارها.
نحن مع المنافسة المبنية على أسس، وان تكون لها أصول، إذا كانت هناك منافسة من ناحية تقديم منتجات وتغطيات جديدة، وتوعية للناس، ومنافسة في الخدمة فهذه منافسة صحية، ونحن معها ونشجعها، أما المنافسة على السعر فقط لجذب اكبر عدد من العملاء فهذه منافسة غير صحية، خصوصاً مع وجود شركات لا تحمل تراخيص وما زالت في فترة السماح إلى مدة محددة، إضافة إلى الشركات المرخصة، لهذا نتوقع أن يشهد هذا العام منافسة في الأسعار، ويجب أن نكون منتبهين لهذا.
- الربيعان: طبقاً للوائح مؤسسة النقد، فكل شركة تأمين مفروض عليها أن تقدم تقريرين سنوياً من إكتواري متخصص ومستقل توضح فيهما كفاية الاحتياط والتسعير، ما يعطي المؤسسة الفرصة للاطلاع على عملية التسعير، بالتالي لن تستطيع أي شركة تكسير الأسعار.
- المرزوقي: اعتقد أن النظام جيد، ويلبي كثيراً من مطالب الشركات لحمايتها من الإفلاس والهزات، وحماية الصناعة نفسها، لكن يبقى العبء على رجال الأعمال والمستثمرين، والنظرة لشركات التأمين يجب أن تكون بعيدة الأمد فلا يتوقع رجل الأعمال الربح خلال سنتين أو ثلاثة، ويبقى العبء على مجالس الإدارات وان تكون الإدارات ذات كفاءة عالية خصوصاً الشركات الجديدة.
* انتم في «التعاونية للتأمين» هل تتوقع دخول الشركات في حرب تكسير عظام للحصول على اكبر جزء من الكعكة خصوصاً أنكم احتكرتم السوق لفترة كبيرة على الأقل في المشاريع الحكومية؟
- المرزوقي: غير صحيح أننا احتكرنا السوق، لان شركات التأمين المسجلة الآن معظمها كان موجوداً في السوق، وكانت تنافسنا، الاحتكار فقط كان في بعض مشاريع الدولة، لان شركتنا تملكها قطاعات تتبع للدولة، والجهات المختصة ارتأت انه لحماية المشاريع الحكومية أنها تؤمن لدى شركة قوية ومعروفة وعليها رقابة، لان الشركات الأخرى لا تفصح عن قوائمها المالية ولا تخضع لأية قيود رقابية.
* وهل سيختلف الوضع الآن؟
- المرزوقي: أكيد، من الآن فصاعداً ستكون المنافسة مفتوحة لجميع الأنشطة بما فيها المشاريع الحكومية طالما رُخّص لهذه الشركات وفقاً للتأمين التعاوني، مؤسسة النقد تنظر لمصلحة المواطن، إذا شعرت باحتمال تضرره لإفلاس الشركات لسبب أو لآخر، أو بسبب المنافسة الضارة بين الشركات، أو بسبب زيادة عددها، لا شك أنها ستتدخل، فمهما كانت السوق حرة لا يمكن أن تتعارض مع مصلحة المواطن، ولا يمكن تحت شعار حرية السوق أن تتضرر الشركات والمساهمين وحملة الوثائق، لهذا يجب أن تُدرس السوق وعدد الشركات المناسب لها.
- الحوت: أعقب على ما قاله الأخ سعد بالنسبة للسوق الحرة، السوق الحرة معناها أن أي شخص يجد لديه القدرة على إنشاء شركة له مطلق الحرية أن يقدم طلباً للحصول على الترخيص، ومؤسسة النقد هي التي تحدد المعايير وتقرر إن كان يستحق ذلك أم لا.
- الربيعان: الوضع السابق كان وضعاً غير مناسب، كانت هناك شركات تعمل بطرق مختلفة بعضها أفلست، وخرجت من السوق، وضاعت حقوق الناس، الآن وجد النظام الذي يسمح لأي شخص عنده المعرفة والقدرة الرأسمالية أن يحصل على الترخيص، ويعمل في السوق، ووضعت الدولة المعايير التي تعمل عليها الشركات، حتى إن مؤسسة النقد لديها الحق في فصل أعضاء مجلس الإدارة، وإيقاف النشاط، عندها صلاحيات قوية جداً، إنما أهم شيء حقوق المؤمنين، حقوق المساهمين تأتي بعد حقوق المؤمنين، ويجب أن تكون مؤسسة النقد قادرة على منع حدوث أي إشكال في عمل الشركة.
قوة شركات التأمين من قوة الجهة الرقابية، كلما قويت قويت معها شركات التأمين، نأخذ مثلاً بالبنوك أصبحت قوية جداً لان مؤسسة النقد تراقبها بقوة.
* ثقافة التأمين غير منتشرة في العالم العربي، فهل هذا يسبب لكم مشكلات؟
- الربيعان: ثقافة التأمين في العالم العربي اقل بالمقارنة بالدول الأوروبية وأميركا، ولكن هناك تطوراً في الوعي التأميني، ونلاحظ انه يزيد في العالم العربي بصفة عامة وفي السعودية بصفة خاصة، عندما صار تأمين الرخصة إلزامياً اعتقد الناس أنها ضريبة، وعندما وجدوا أن هناك مجموعة كبيرة من شركات التأمين تحترم تعهداتها وتسدد عند حدوث الحوادث خصوصاً في حال وجود وفاة وديات، أثبتت شركات التأمين أنها تساعد المواطن فازداد وعى المواطن.
* التأمين على الحياة مثلاً هل بدأت ثقافاتنا تتغير نحوه؟
- الحوت: التأمين على الحياة مختلف لكن إذا نظرت له على انه تكافل ومنتجات مطابقة للشريعة الإسلامية بهدف حماية الأسرة من التشرد والضياع، إلى جانب الادخار لتعليم الأولاد والتقاعد، إذا طرحت الفكرة بهذا الشكل على الناس اعتقد أنها ستقبله بشكل أفضل، واعتقد أنه بعد الانتهاء من تأسيس الشركات لا بد أن نتعاون معاً لنشر الوعي التأميني في السوق السعودية، لان من مصلحة الشركات نشر هذا الوعي بصفة عامة.
* هل الفتاوى أثرت في الاكتتاب في شركات التأمين؟
- المرزوقي: لا يوجد أدنى شك في أن أي فتوى ضد التأمين تؤثر على صناعة التأمين كما كان للفتاوى المؤيدة مردود إيجابي على الاكتتابات في شركات التأمين، ولكن ما نأمله من فقهائنا دراسة مبادئ وأسس التأمين والتعرف على مزاياه وأهميته في المجتمع ومردوده على الاقتصاد، نحن كرجال تأمين نرى انه هدف سام لأنه يحمي الصناعات والثروات الوطنية والاستثمارات والمجتمع ويوفر الوظائف، أنا لا أفتي في ذلك ولكن الكثير من العلماء بعد الدراسات اوجدوا الحلول مثل التأمين التعاوني الذي على أساسه أسست الشركة التعاونية للتأمين.
بالنسبة للثقافة التأمينية اعتقد أن هناك عبئاً كبيراً على شركات التأمين نفسها، لأن صناعة التأمين جديدة على السعودية، وبدا الناس يعرفونه بعد التأمين الإلزامي على السيارات والتأمين الطبي، لذلك هناك عبء كبير يقع على شركات التأمين للتوعية بفوائد التأمين، ويجب أن تستثمر في هذا المجال بالحديث عن منافع التأمين وتدريب وتأهيل الشباب السعودي على هذه الصناعة لكي نرتقي بها، وهذا لمصحة الشركات في المستقبل، وإذا لم تقم بدورها في ذلك ستتضرر في المستقبل، لان رجل الشارع العادي لا يعرف عن التأمين شيء وسمعة التأمين للأسف غير جيدة بسبب ممارسات بعض الشركات وهذا يجب ألا يؤثر سلباً على مبادئ التأمين وأسسه وفوائده للمجتمع.
- الغامدي: التأمين مر بمراحل عدة في السعودية ونحن من أوائل الدول العربية التي عرفت التأمين، منذ نحو مئة سنة، وكان يسمى العوائد في الموانئ، بعد ذلك مر بالفترة الثانية وهي شركات التأمين الأجنبية، وعندما وصلنا إلى الخمسينات بدأ الحديث عن كونه حراماً أو حلالاً، وعندما ترجمت كلمة life insurance على أنها تأمين على الحياة وهي خطأ والصحيح أنها التأمين للحياة أو التأمين على معيشة الحياة، لكن الفضل يعود للشركة التعاونية عندما أوجدت الهيئة الشرعية واخذوا يشرحون للعلماء أنها ترجمة خاطئة، وان التقاعد يعتبر تأميناً، والتأمينات الاجتماعية تعتبر تأميناً حتى تستطيع مواصلة الحياة، ثم دخلنا مرحلة ثالثة من دون قانون أو هيئة، إلى أن اقر التأمين الإجباري على الرخصة، وللأسف أي فرد كان يستطيع جلب وكالة من الخارج من دون وجود هيئة تنظيمية، كشعب لم يتقبل في البداية فكرة التأمين والإجبار، ولكن بعد أن عرفوا فوائده عند الحوادث اتجهوا للتأمين، وتغيرت ثقافة الناس تجاهه، حتى أنهم لا يسألون اليوم عن الرخيص، بل الأفضل.
وأكيد أن الفتاوى أثرت سلباً وإيجاباً في شركات التأمين.
* هل تعتقدون أن مؤسسة النقد قادرة على الرقابة على شركات التأمين على رغم انشغالها أم هل من الأفضل وجود جهة رقابية أخرى كما هي الحال في معظم دول العالم؟
- الربيعان: السؤال هذا كان يناقش بقوة عند وضع لوائح التأمين، وكل اتجاه له سلبياته وايجابياته، فكثير من الدول أوجدت هيئات منفصلة للرقابة على التأمين، لكن الكثير من الدول الآن تتجه إلى وضع الخدمات المالية كلها تحت مظلة جهة واحدة، مثل بريطانيا وماليزيا.
وأنا أتصور أن إيجاد جهاز جديد مبكر جداً، ولا يخدم صناعة التأمين بشكل جيد، لأن مؤسسة النقد حققت نجاحاً في الرقابة على البنوك، وأرسلوا مجموعة من الشباب للتدريب على التأمين، وأؤيد وجود هيئة رقابة على التأمين ضمن مؤسسة النقد لأنها الجهة الوحيدة التي تعرف الفرق بين الرقابة والإشراف، فهم أفضل من إنشاء جهاز جديد لا يعرف التأمين، والمؤسسة احتضنت هيئة سوق المال سنوات عدة ولما جاء الوقت المناسب انفصلت عنها، وهذا وارد بالنسبة للتأمين شرط أن نعمل أفضل شيء.
- الحوت: وجود مؤسسة النقد في الوقت الحالي أفضل بكثير من إنشاء أي كيان جديد، ووجود الخبرات في المؤسسة شيء مهم أيضاً، نحن نتكلم عن المؤسسات المالية التي منها البنوك والتأمين، وكلاهما يشترك في الكثير من المنتجات التي اعتادت عليها المؤسسة، أيضاً هناك التأمين عبر المصارف، فبعض شركات التأمين تسوق منتجاتها عبر المصارف إذ يوجد فيها جزء تأميني وجزء مصرفي، فوجود التنظيم والرقابة تحت مظلة واحدة يسهل تسويق المنتجات عبر المصارف.
أما بالنسبة إلى الفتاوى، لم يكن هناك تأثير كبير للاكتتابات في شركات التأمين لان الإقبال كان عليها كبيراً، لاحظنا أيضاً أن شركات التأمين وأولها «ميد غلف» وعت لأهمية الالتزام بالشريعة الإسلامية ولديها هيئات شرعية لإجازة منتجاتها، وبالتالي يوجد اتجاه لتوفيق الأوضاع.
* ولكن البعض يعتقد ان الهيئات الشرعية مجرد واجهة لشركات التأمين؟ وتوصياتها قد لا يؤخذ بها فهل هذا صحيح؟
- الحوت: الهيئة الشرعية هيئة مستقلة، عندها الصلاحيات المطلقة لمراجعة أي منتج يعرض عليها بكل حرية واستقلالية، وإذا لم يؤخذ بتوصياتها يعني أن المنتج غير مطابق للشريعة الإسلامية، ولكل هيئة شرعية مراقب مهمته مراقبة تنفيذ التوصيات التي أقرتها ورفع تقرير إلى أعضائها لتوضيح إذا كان عمل بها أم لا، والشركة التي لا تأخذ برأي الهيئة لا يمكن أن تسوق منتجاتها على أنها مطابقة للشريعة.
- المرزوقي: كلنا متفقون على أن مؤسسة النقد هي الجهة القادرة والمؤهلة لإدارة شركات التأمين، وفي المستقبل ممكن النظر في إنشاء هيئة رقابية مستقلة مثلما حدث مع هيئة سوق المال.
شركتنا نظامها أساساً قائم على النظام التعاوني، ومنذ أن حققنا أرباحاً بدأنا توزيع الفائض على حملة الوثائق، والآن بعد التنظيم الجديد رأينا أنه لقطع الشك باليقين يجب تعيين هيئة شرعية تدرس أعمال الشركة واستثماراتها، لتؤكد للجميع أن منتجاتنا شرعية ونحن ما زلنا في أول الطريق، تكونت الهيئة ولا بد من أن نلتزم أمام الجميع بما توجه به الهيئة الشرعية، والفقهاء الأعضاء في الهيئات الشرعية لديهم خبرة في التعاملات البنكية والتأمين وسيكونون سنداً لنا بإعطائنا الحلول والبدائل، وهم قادرون على إيجاد الحلول المناسبة التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وأنا أرى ما يسمى بالتأمين على الحياة أهم من التأمين على السيارات والتجارة، لأنه يحمي الأسرة من الضياع بعد الله، ولا بد من أن يدرسوا فوائده وأهدافه.
وأعتقد أنه إذا درس الموضوع بتأمل سيعرف الجميع انه لمصلحة البلد والأسرة لأنه يحميها بعد الله من الضياع بعد وفاة رب الأسرة.
- الغامدي: بما أن مؤسسة النقد اكتسبت ثقة المواطن في رقابتها للبنوك، وعندما صدرت الأوامر بان تكون المؤسسة هي الجهة المشرفة على شركات التأمين وجدت ارتياحاً كبيراً لدى الشارع السعودي، لذا أنا أرى انه ليس هناك أفضل من مؤسسة النقد لمواصلة الإشراف على قطاع التأمين، لكن أقول انه خلال خمس إلى عشر سنوات يجب أن تكون هناك هيئة مستقلة.
بالنسبة للهيئة الشرعية أخاف من الناس الذين يفتون وهم لا يحملون تراخيص فتاوى، واقترح وجود هيئة شرعية للتأمين تستطيع تقديم المشورة لمصلحة المواطن.
- الربيعان: الشيخ مصطفى الزرقا، قال في احد المؤتمرات إن التأمين كله حلال بما فيه التأمين على الحياة وسماه التأمين لما بعد الممات، والتقاعد يعتبر تأميناً للحياة، ووزارة التربية والتعليم بدأت تعطي تغطية بمسمى مختلف للمدرسين المتوفين، ولم يحرم كل المشايخ التأمين على الحياة، فبعضهم اقر التأمين بجميع أنواعه، وبعضهم اختلف في أشياء معينة، وبعضهم حرم التأمين بما فيه التقاعد، والاختلاف جيد، ولكن لا يمكن أن يفرض أحد رأيه على الجميع، ولا بد من أن يكون هناك حوار وتفاهم لمصلحة المسلمين، الحقيقة الوحيدة في الدنيا هي الوفاة، فلا توجد مشكلة من أن الفرد يحمي مستقبل أبنائه بعد الوفاة.
عملنا إحصاءات ووجدنا أن 8 في المئة يرفضون التأمين لآراء الفقهاء والآخرون رفضوه لعدم معرفة أو لعدم السمع به، يعني هناك عوامل كثيرة لعزوف الناس عن التأمين.
حتى في أميركا كثير غير مُؤمنين لان الكنيسة في وقت من الأوقات وقفت ضد التأمين، لذلك بدأ منذ 200 سنة ظهور التعاونيات كبديل للتأمين التجاري، على أساس أن حملة الوثائق هم المستفيدون من التأمين.
السؤال الأهم: هل البلد تحتاج للتأمين أم لا؟ والإجابة أنه لا يستطيع أحد أن يتحرك من دون تأمين، فالبنوك لا تعطي تمويلاً للمصانع إلا إذا كانت مؤمنة، والتقسيط يشترط التأمين، ولا تستطيع قيادة سيارة إلا بالتأمين، ولا يمكن التقدم اقتصادياً من دون التأمين.
* ما أهم العقبات التي تواجهكم كشركات تأمين؟
- الربيعان: تأهيل الموظفين احدى أهم مشكلات شركات التأمين، والشركات ستواجه مشكلة كبيرة في الحصول على الكوادر الأجنبية والسعودية، وهناك نقص كبير في الكوادر الخاصة في العالم كله لانتعاش سوق التأمين، ولن تستطيع كل الشركات تحمل كلفة تدريب الشباب السعودي.
أيضاً نواجه مشكلة الروتين القاتل، فتسجيل الشركات من بدء التقديم إلى الحصول على السجل التجاري يستغرق نحو 3 سنوات، وهذا شيء مكلف، من 2003 إلى الآن لا توجد شركة مرخصة إلا «التعاونية للتأمين»، وأنا أرى أنه مادامت مؤسسة النقد أعطيت الصلاحية، فيجب أن تكون جميع الإجراءات عن طريقها، ولماذا التنقل بين مؤسسة النقد والهيئة العامة للاستثمار إلى وزارة التجارة ومجلس الوزراء، تدور الشركات في حلقة مفرغة مكلفة، لان الشركات تضع ضماناً بنكياً، ولا تستطيع استغلال الأموال إلا بعد الحصول على السجل التجاري، وكلها إجراءات روتينية.
- الحوت: أهم عقبة هي التأخير، كان يهمنا إنهاء إجراءات التأسيس باكراً حتى نعمل بطريقة مختلفة.
بالنسبة إلى الكوادر البشرية يوجد نقص كبير في هذا المجال في العالم العربي والسعودية، لذلك نعمل جاهدين على تدريب كوادر سعودية بالاتفاق مع المعاهد الفنية، وهو برنامج مكلف وطويل، لأننا نبني جيلاً كاملاً من الشباب، والمشكلة انه بعد أن تكون الشركة استثمرت الوقت والجهد والمال يترك الموظف العمل ويذهب إلى شركات أخرى، وهذا على المدى القصير له تأثير سلبي في الشركة التي أنفقت عليه الكثير، ولكن على المدى الطويل له تأثير جيد في السوق، لأنه سيسهم في رفع مستوى السوق، ولكن قد تبرز مشكلة أخرى بانتقال الموظف إلى قطاع آخر غير التأمين، فيكون القطاع بالكامل خسره.
- المرزوقي: العقبات أهمها الوعي بالتأمين، لأنه من دون توعية الناس بأهميته ستظل نسبة القبول محدودة جداً، وهذه عقبة كبيرة أمام شركات التأمين لابد من مجابهتها بكل قوة.
أيضاً توجد عقبة محاكم البت في القضايا التأمينية عن طريق لجنة البت في المنازعات التي يجب أن تفعّل.
كما يجب تفعيل آلية التأمين الإلزامي على مسؤولية المركبات، والإسراع بتطبيق التأمين الطبي لمساعدة شركات التأمين، لأن التأخير في ذلك يؤثر سلباً في شركات التأمين.
* هل تطبق عليكم قوانين السعودة؟
- المرزوقي: طبعاً، لدينا أكثر من 70 في المئة سعوديون، قد تكون هناك مشكلات في الشركات تحت التأسيس، لان البنوك تأخذ الكثير من الشباب المدرب بإغراءات مادية، ويجب أن تضع شركات التأمين محفزات حتى تحافظ على الشباب المدرب.
صناعة التأمين من أصعب واعقد الصناعات، لذلك تدريب الشباب ثم استقطابهم لصناعات أخرى يمثل خسارة لصناعة التأمين إجمالاً.
- الحوت: على رغم الصعوبات إلا انه لا خيار ولا بديل عن تدريب الشباب السعودي، ونحن ملتزمون بذلك.
- الغامدي: أعلق أولاً على هل نحن محتاجون للتأمين أم لا؟
نحن محتاجون لصناعة التأمين، سواء على مستوى المواطنين أم على المستوى الاقتصادي.
بالنسبة إلى العقبات فهي كثيرة ليست فقط لشركات التأمين، أيضاً لشركات الوساطة، ووكلاء التأمين، ومكاتب الاستشارات، والكوادر، فالتأمين في السعودية يعتبر حديثاً ولا يوجد الشباب المؤهل تأهيلاً عالياً في التأمين، والموجود فقط خبرات فردية واجتهادات شخصية من الفرد وتقبّل الموظف للمهن.
بالنسبة إلى البنات توجد في جدة مكاتب تدريب دربت بنات على مجال التأمين.
* السؤال الذي كان يجب أن أبدأ به ما أهمية التأمين؟
- الربيعان: في الدول المتقدمة يمثل التأمين من 8 إلى 12 في المئة من الدخل القومي، وفي السعودية لا يزيد على نصف في المئة، وهذه فرصة لنمو الشركات للوصول إلى مستوى معين، مثلاً «التعاونية للتامين» بدأت برأسمال 250 مليون ريال فبلغت أصولها الآن 4 بلايين ريال، كلها استثمارات موجودة في البلد يمكن استغلالها لتحسين وضع السوق المالية وإيجاد مدخرات في البلد، ويمكن أن ينطبق ذلك على الشركات الأخرى، ويمكن أن تنمو إلى أصول كبيرة جداً تضيف للبلد، وأحد أهم المنتجات التأمينية هي الادخارات التأمينية، لان قوة المعاشات والتقاعد جاءت من الاشتراكات التي يدفعها الموظف لمدة 25 سنة، المهم هو المنتج مثل الحماية أثناء قيادة السيارة، لا يمكن أن تتم المشاريع من دون تأمين، الصندوق الصناعي لا يقرض أي مصنع إلا بعد التأمين، البنوك لا تقرض المشاريع إلا بعد التأمين، كل الأقساط هذه تذهب لبناء قاعدة استراتيجية.
* أثيرت مشكلة فض المنازعات... أنت بصفتك رئيساً للجنة ما آخر أخبارها؟
-الربيعان: كونت اللجنة، وبدأت البت في بعض المشكلات، لكن توجد أكثر من وسيلة لفض المنازعات مثل التحكيم، ومحاكم المرور للبت في القضايا المرورية، اعتقد أن وجود لجنة واحدة غير كاف للفصل في المنازعات، ومهما كان قرار اللجنة قوياً فانه يختلف عن قرارات المحكمة، لان المحاكم ترفض النظر في بعض قضايا التأمين، سابقاً لم يكن موجوداً إلا التحكيم وهو غير مجد بالنسبة إلى الشركات الصغيرة لأنه مكلف.
-الحوت: صناعة التأمين نسميها مؤشر الاقتصاد، عندما ينمو تنمو معه صناعة التأمين، ومن هنا تأتي أهميته، لا يمكن أن تبني اقتصاداً سليماً من دون ان يرافقه قطاع تأمين سليم، الاقتصاد السعودي ينمو بشكل كبير، ومهمتنا كقطاع تأمين أن نساير هذا النمو للحفاظ على الثروات الموجودة داخل البلد.
* سيد سعد هل انتم أسهمتم فعلاً في الحفاظ على الثروات السعودية؟
-المرزوقي: أقول بكل صراحة إن شركتنا منذ تأسيسها قامت بدور جيد في حماية الاستثمارات والصناعات، دربت الشباب السعودي، نشرت الوعي التأميني، أسهمنا في تنمية صناعة التأمين في السعودية من جميع النواحي.
* هل عدم الاستقرار الذي يحيط بالمنطقة يؤثر في التأمين؟
- الغامدي: أقول إن صناعة التأمين في السعودية لم تبدأ بعد، نحن الآن في مرحلة إصدار التراخيص، عندما نرى التأمين على كل شيء ويصبح التأمين إجبارياً وشرطاً رئيسياً للترخيص، وعندما يصبح دخل التأمين قدر دخل النفط نقول أصبحت لدينا صناعة تأمين، ولا شك في أن عدم الاستقرار يؤثر في التأمين، ونحن لدينا استقرار كبير، واعتقد بأن التأمين سيكون ثروة كبيرة للسعودية.
- المرزوقي: لا يختلف اثنان على أن عدم الاستقرار يكون له تأثير في كل المجالات بما فيها التأمين، ولكن السعودية تتمتع بوضع مستقر على كل المستويات، ويوجد نمو كبير، ونحن الآن في حقبة ذهبية.
* هل يوجد تأمين ضد الإرهاب؟
- المرزوقي: موجود، فهو يضاف مع التأمين على الممتلكات وبعض التأمينات الأخرى إذا أراد العميل ذلك، ولكن سعره مرتفع إلى حد ما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، والطلب عليه منخفض، لشعور الناس بالأمان وأنها حوادث فردية قليلة الحدوث.
- الغامدي: التأمين ضد الإرهاب ليس جديداً، أي شيء ممكن التأمين عليه وكان مجاناً ضمن الحرائق مثلاً، أما الآن فأصبح منفصلاً وبسعر مرتفع.
تحليل التعليقات: