بم يختلف التأمين التكافلي عن التقليدي؟

اشرت في المقالات الثلاث السابقة الى بعض ما افترقت فيه صناعة التأمين التكافلي عن التأمين التقليدي، الا ان الفروق التي ذكرتها لم ترق لبعض الاخوة الباحثين، اذ نشر الاخ الدكتور فهد بن عيد مقالا له بعنوان (بم يتفق التأمين التقليدي مع التكافلي؟) والاخ الدكتور علي البحر مقالا له بعنوان (التأمين التكافلي بين الحقيقة والوهم) وبينا ان عقدي التأمين التقليدي والتكافلي لا يختلفان عن بعضهما بعضا الا في بعض الامور الشكلية، كما ذكرا ان بعض الفقهاء المعاصرين اجاز عقد التأمين التقليدي، وأود الوقوف اليوم مع بعض ما ذكراه في مقاليهما.

اما ما ذكراه بشأن رأي بعض الفقهاء في التأمين التقليدي، فإن هذا الرأي لا اعتبار له امام رأي عامة الفقهاء المعاصرين ـ بمن فيهم المجاميع الفقهية ـ في ظل ما اشتمل عليه هذا العقد من محظورات، مع خالص الاحترام والتقدير للجميع، ولكي يعرف السادة القراء مكمن الاشكال الشرعي في عقد التأمين التقليدي، فهو ان عقد التأمين التقليدي عقد معاوضة تبيع فيه شركة التأمين «الأمن»، وذلك من قيام الشركة بتعويض المؤمن له في حال وقوع الخطر، وان لم يقع فإن اقساط التأمين لا حق له بها، بناء على ان ملكيتها انتقلت لشركة التأمين، اما عقد التأمين التكافلي فإنه عقد يقوم على الالتزام بالتبرع لمصلحة صندوق المشتركين وهذا يعني ان المؤمن له سيتبرع باشتراكه لمجموع حملة الوثائق، فإذا وقع الخطر تبرع له حملة الوثائق بالتعويض، وان لم يقع الخطر فإن المؤمن له سبتبرع باشتراكه لحملة الوثائق الاخرين، ولا علاقة لشركة التأمين بهذا الامر الا فيما يتعلق بالادارة فقط، فتأمل معي كلا العقدين، كيف ان العقد الاول عقد معاوضة تبيع فيه شركة التأمين «الامن» فإن وقع الخطر استحق المؤمن له الحصول عليها، وان لم يقع الخطر ضاعت عليه الاقساط التأمينية التي دفعها، واما العقد الثاني فإنه عقد قائم ع‍لى صيغة التبرع التي لا تؤثر فيها الجهالة والغرر، علماً بان احد الباحثين اعتبر احتمالية وقوع الخطر في عقد التأمين التقليدي كالغرر الذي تشتمل عليه جميع العقود، وكأنه من الغرر المغتفر، وليت شعري لو رجع الى تعريف الغرر في نصوص الفقهاء ليعرف الفرق بين الغرر المغتفر والغرر غير المعتفر، اذ الغرر المغتفر هو ما تردد بين امرين اقلهما اخوفهما، فإن كان اخوف الامرين هو الاكثر صار غررا غير مغتفر، ولما كان عقد التأمين التقليدي قائما على ان نسبة ضياع الاقساط التأمينية بسبب عدم وقوع الخطر اكثر من حصوله عليها، صار من الغرر غير المغتفر الذي حرمته الشريعة الاسلامية.

ان عقد التأمين لا يقف عند اشكالية الغرر فحسب، اذ لو تأمل فيه المتأمل لوجد انه عقد يشتمل على مقامرة، وهو التردد بين الغنم والغرم، ويظهر هذا في ان المؤمن له قد يدفع قسطا من التأمين، ثم يقع الحادث فتغرم شركة التأمين كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر فتغنم شركة التأمين اقساط التأمين كاملة بلا مقابل، واذا استحكمت في هذا العقد الجهالة بين الوجود والعدم صار العقد عقد قمار، ودخل في الميسر الذي حرمه القرآن الكريم تحريما قاطعا، وكيف لي ان ابيح ما حرمه القرآن؟.

هذه وقفة سريعة مع المقالين اللذين ناقش فيهما الباحثان الكريمان بعضا مما سطرت في مسألة الفرق بين التأمين التقليدي والتكافلي، واشكر لهما ما بذلاه من جهد، واتمنى لو انهما ناقشا الفروق الثمانية التي ذكرتها في المقالات الثلاث، كي نصل الى الامن الذي ينشده الجميع.