دكتور القانون الجنائي للأعمال التجارية وأسواق المال: أحذّر من خطورة مؤامرة على هيئة الأسواق

حذّر دكتور القانون الجنائي للأعمال التجارية وأسواق المال حسين بوعركي من مخاطر إلغاء المواد من 118 إلى 122 بقانون 7 لسنة 2010 هيئة أسواق المال، والتي تختص بإحالة المتلاعبين إلى نيابة أسواق المال والعقوبة بالغرامة والحبس على من تثبت إدانتهم، معتبرا ان مساعي بعض النواب إلى تعديل هذه المواد الهدف منها المتاجرة بمشاعر مستثمري البورصة، واستغلال رغبة الجماهير في عودة التداولات الكثيفة، وذلك على حساب سلامة المركز المالي للدولة.

واعتبر بوعركي انه في حال اتخاذ قرار بإجراء تعديلات على المواد المذكورة، فإنه سيتم نسف قانون هيئة أسواق المال والعودة إلى نقطة الصفر والرجوع إلى سوق تحكمه المضاربات والتلاعبات وضياع الحقوق.

وأضاف بوعركي أن %90 من القضايا التي أحيلت إلى النيابة ثبت وجود إدانة لمرتكبيها، الأمر الذي يؤكد ان الهيئة لم تستغل المواد بأسلوب خاطئ كما يدعي البعض.

وكشف بوعركي ان القضايا التي يتشدق بها الفريق المطالب بالتعديلات لاحتوائها على أحكام تغريم كبيرة كانت تستحق هذه الغرامات. والدليل على ذلك ان المتهمين في تلك القضايا فضّلوا الصلح مع الهيئة بدلا من الذهاب إلى ساحة القضاء ليقينهم أنهم ارتكبوا أخطاء جسيمة بالتلاعب في الأسعار وإيهام المتداولين.

وأضاف بوعركي خلال مقابلة مع القبس أن إجراء التعديلات يحتوي على مؤامرة ضد مستثمري البورصة بشكل خاص والاقتصاد الكويتي بشكل عام، بالإضافة إلى إغفال لجوانب في غاية الخطورة، واليكم نص الحوار:

* ما المخاطر التي قد تحدث في حال تعديل مواد الإحالة إلى النيابة؟
- في الحقيقة السوق الكويتي عانى على مدار 30 عاماً من العشوائية بسبب غياب المواد التي تعاقب على التلاعب. لذا، تعتبر المواد من 118 الى 122 هي الميزان الذي ضبط هذا الإيقاع العشوائي نوعيا، إذ ان هذه المواد حصن القانون لمواجهة أهم ثلاث جرائم في البورصة، والتي تتعلّق بتعاملات المطلعين على المعلومات السرية والتلاعب الوهمي، واقرب مثال على المطالبين بإلغاء هذه المواد كمثل من يطلب بإلغاء جريمة السرقة من القانون، فهل يرضى عاقل بإلغاء عقوبة جريمة السرقة؟

انتقاص وبلبلة

* برأيك هل تنتقص هذه التعديلات من جوهر قانون هيئة الأسواق؟
- الداعون إلى تعديل هذه المواد يريدون إلغاء اهم نصوص القانون وتفريغه من محتواه، واعتبر انه نسف للقانون، وانه سوف يصبح مجرد صورة ولا يؤدي الغرض الذى جاء من اجله بحماية حقوق المساهمين وتحقيق العدالة اللازمة.

* البعض يعتبر ان هذه المواد تسببت فى تنفيذ عقوبات قاسية على بعض المتدولين، وان استخدامها يؤدي الى بلبلة السوق؟
- هذا كلام غير صحيح، والدليل ان اكثر من %90 من القضايا التي تمت احالتها الى القضاء اثبتت وجود مخالفات جسيمة، كما ان الحديث عن تغريم عميل بمبلغ 67 الف دينار لقيامة بعملية تداول مستخدما فرصة التداول بسهم واحد يعد حكماً عادلاً، والدليل ان حيثيات هذه القضية تفيد بأن المتهم الذي يشغل منصباً تنفيذياً في الشركة محل القضية قام بشراء 92 ألف سهم خزينة بمتوسط سعر 250 الى 260 فلساً للسهم الواحد ثم جاء في نهاية الجلسة بشراء سهم واحد بسعر 265 فلساً، مما ادى الى التأثير على سعر الاغلاق للسهم خلال هذه الجلسة، بالاضافة الى ذلك فالغرمات التي يجد البعض انها جزافية ثبت بالدليل ان المتهمين بارتكابها حققوا مكاسب كبيرة من جراء هذه التلاعبات. وبالتالي، يجب معاقبتهم. وأحب هنا ان اؤكد ان جميع اسواق العالم تجرم مثل هذه التلاعبات، وخير مثال على ذلك ما قضت به هيئة اسواق المال الفرنسية بمعاقبة احد الوسطاء بمبلغ 14 مليون يورو بسبب تلاعبات عمد إلى تنفيذها.

الإحالات وكثرتها

* بم ترد على الأصوات التي تقول إن القانون سبب في ركود السوق لكثرة الاحالات الى النيابة؟
- هذا الكلام عار تماما عن الصحة. فالهيئة، ومذ تولت مقاليد الرقابة، قامت باحالة 130 قضية الى النيابة للاشتباه بوجود تلاعبات وفقا لمواد القانون سالفة الذكر، وهذه النتيجة تعني ان النيابة تقوم باحالة 30 قضية في العام، وهذه النسبة تعادل 3 قضايا شهريا، وهذه النسبة بالنظر الى العمليات اليومية ضئيلة للغاية ولا تتسبب في ارتباك للمستثمر كما يتحجج البعض.

قداسة القوانين

* الفريق المؤيد لإلغاء هذه المواد يعتبر ان القانون ليس منزلاً ومن ثم يجب تعديله، أليس من حقهم ذلك؟
- نعم، لا توجد قداسة للقوانين، بينما نجاح القوانين مرتبط بمدى استقرارها، والدليل على ذلك أن أغلبية الدول التي تتمتع بنصوص تشريعية قوية حافظت على استقرار القوانين لديها كما حدث في القانون الفرنسي الذي كتب منذ عهد نابليون ولم يتم اجراء تعديلات عليه، إلا في التسعينات من القرن الماضي. كما احب ان اوضح أن قانون هيئة الاسواق الكويتي لم يكن اختراعاً محلياً فريداً من نوعه، بل هو تجميع من القانونين الفرنسي والمصري، مما يعني انها نصوص مجربة وليست امراً نادراً كما يريد البعض ان يظهر ذلك، وأريد ان أؤكد أن هذه المواد نفسها معمول بها في أغلبية الأسواق العالمية. أما النادر، فهو استثناء هذه المواد.

مخالفة الدستور

* كيف ترد على الأصوات التي تقول إن قانون هيئة الأسواق احتوى على مخالفات دستورية؟
- الرد على هذا الادعاء صدر من المحكمة الدستورية، وذلك بعد ان اقرت فى حكم سابق بأن نصوص القانون دستورية، وان الحديث عن وجود غموض وتعارض بين مواد القانون ونصوص الدستور أمر غير صحيح. وبالتالي، فان المحكمة اجابت بشكل علمي على الدفع بعدم دستورية نصوص القانون، بالاضافة الى تأكيد المحكمة صاحبة الاختصاص بأهمية القانون في الحفاظ على قواعد النزاهة والشفافية بالسوق.

* كيف تفسر اهتمام المستثمرين بإلغاء المادة 122 وتعليق آمال على أن إلغاءها يحمل أملاً للسوق؟
- هذا امر يدعو إلى الاستغراب، لأن الضحايا يريدون عودة الجلاد، واحب فى هذه الجزئية ان اوضح للجمهور ما تحمله المادة من تجريم للمتلاعبين بالاسعار. في البداية هي اكثر مادة صدرت فيها إدانات في 30 حكما بعد ان ثبت ان مرتكبيها قاموا بإيهام المتداولين عبر اوامر بيع وشراء وهمية، واريد التأكيد على ان المشرع الكويتي كان موفقا في تنظيم هذه الجريمة المعمول بها في أغلبية الاسواق، وذلك بعد ان تلافى شرط إثبات ايقاع الاخرين في التضليل، الامر الذي اعطى الرقيب القدرة على احالة التعاملات التي تحتوي على شبهة تلاعب. وفي النهاية، احب ان أضيف أن هذه المادة تمثل حصانة للمتداولين في البورصة، لا سيما صغار المستثمرين من اطماع الكبار فى التلاعب بالسوق.

يجب التعديل!

* هل تجد ان القانون لا يحتاج إلى أي تعديلات أو إضافات؟
- لا أرى ذلك، بل أعتبر ان القانون بحاجة إلى تعديل في بعض النصوص بالاضافة الى اضافة مواد جديدة، ومنها تعديل نسب السماح للمسيطرين بأن تكون من 1 الى %2 يستطيع من خلالها المستحوذ التداول، وذلك عكس القرار الصادر من هيئة الاسواق الذي يتيح السماح بالتداول لهذه الفئة على نسب تتراوح ما بين 2 الى %5، وأريد أن أوضح ان هذا القرار غير قانوني لتعارضه مع نص المادة 74 من القانون، كما يجب اضافة تجريم المطلع الغير، إذ ان القانون لا يجرم استغلال المعلومات الا للمطلعين بحكم وظائفهم، إلا أن الواقع يفيد بأنه توجد احتمالات كبيرة ان تتسرب معلومة للغير ويقوم باستغلالها. وبالتالي، يجب محاسبة مستغل المعلومة، أياً كان موقعه.

كما أحبذ اضافة تعديلات في هذه المواد الخاصة بالاحالة إلى النيابة بأن يتم توحيد العقوبات في المواد الثلاث، والاهم من ذلك يجب اضافة مادة لتجريم من يقوم بنشر أخبار كاذبة، واضافة المسؤولية الجنائية على الاشخاص الاعتباريين، اذ ان القانون لا يجرمها وتوجد حالات تؤكد اهمية اضافة هذه المادة بعد ان قضت المحكمة بتجريم رئيس مجلس ادارة شركة بغرامة 100 الف دينار، رغم ان الشركة التي يمثلها حققت مكاسب مادية تقدر بمليون نصف المليون من مخالفتها لبعض مواد القانون. وفي النهاية يجب فتح باب الطعن بالتمييز فى قضايا البورصة، اذ ان السماح باجراءات التقاضي اكبر سبيل لحفظ الحقوق وتحقيق العدالة، لا سيما أنه لا يعقل ان يتيح القانون الطعن بالتميز في قضية سرقة لا تتجاوز قيمتها 50 ديناراً وتغلق هذه الفرصة امام قضايا بالملايين.

حقق الهدف

* هل تجد ان القانون حقق منذ تفعيله الهدف الذي شرع من اجله؟
- اجد ان قانون اسواق المال حقق نقلة نوعية جوهرية قضت على التلاعبات في البورصة بعد ان كانت التلاعبات اساس التعاملات، كما يجب ان يفهم الجميع اهمية وجسامة الحديث عن تعديل القانون، إذ ان البورصة ممتلئة بالضحايا التي قضت عليهم تلاعبات واثرت سلبيا على مصير الاسر، الامر الذي يعني انه يمس المال العام والوضع الاجتماعي للمواطنين، كما أريد التأكيد أنه من غير اللائق اجراء تعديلات تمس استقلالية الهيئة والغاء تجريم التلاعبات، وهذا يعد إلغاء للهيئة التي تأخرت الكويت عن دول الخليج 12 عاماً على إنشائها.

* ما تقييمك لاسلوب الفريق المنادي بالغاء المواد؟
- للأسف، ان بعض النواب استندوا الى اراء قانونية غير ملمة بجوانب القوانين العالمية، نظرا لان مستوى دراستهم ومؤهلاتهم لا تتيح لهم ذلك الامر، كما اغفل هذا الفريق النظر الى الابحاث والمجهودات التي ناقشت قانون اسواق المال، ومنها الحلقة النقاشية التي اصدرتها مجلة الحقوق، وتمخضت عنها ابحاث واوراق. وفي النهاية، توجد بوادر امل في هذا الملف الشائك لوجود بعض النواب الحريصين على الحفاظ على القانون من عبث البعض به، ووعدهم بعدم الصمت ومقابلة رئيس مجلس الأمة ووزير التجارة لعرض الجوانب الخفية والنتائج الكارثية التي قد تنتج في حال تمرير رغبة البعض الآخر من النواب.

267 ألف دينار غرامات 5 تلاعبات

كشف بوعركي ان نيابة أسواق المال أحالت 130 قضية منذ تفعيل القانون ، مؤكدا ان %90 من هذه الإحالات ادين مرتكبو المخالفات فيها، لافتا إلى ان اكبر المخالفات التي تم توقيعها كانت بحق 5 من ممثلي شركات مدرجة، إذ غرّ.م رئيس مجلس إدارة شركة بـ 100 ألف دينار لاستغلاله معلومات، فيما غرم مدير أصول لصندوق استثماري تابع لشركة بغرامة 67 ألف دينار للتلاعب بالأسعار، كما غُرّ.مت حالتان بـ 50 ألف دينار للتلاعب بالأسعار عن طريق شركات تابعة وزميلة.