ستيف هوفمان .. كيف ضل طريق الثروة ثم وجدها بعد 20 عاماً؟

بعد عقدين من تأسيس منصة «ريديت»، أصبح ستيف هوفمان أخيراً مليارديراً. فقد قفزت ثروته إلى نحو 1.2 مليار دولار بفضل ارتفاع أسهم الشركة وتحقيقها أرباحاً قياسية، بعد سنوات طويلة من الخسائر والتقلبات.

أعلنت «ريديت» مؤخرا عن صافي أرباح بلغ 163 مليون دولار، لتسجل خامس ربع سنوي متتالٍ من الأرباح، وهو إنجاز تاريخي للشركة التي ظلت لعقدين تقريباً رمزاً للفوضى والبحث الدائم عن نموذج ربح مستدام.

رفع ذلك الإنجاز هوفمان إلى مصاف المليارديرات.

وفي مكالمة الأرباح، قال هوفمان: «الربع الثالث كان قوياً. نحن منصة صُنعت للبشر ومن أجل البشر»، في إشارة ضمنية إلى ظاهرة «محتوى الذكاء الاصطناعي الرديء» التي تغزو الإنترنت.

وأضاف: "نحن لا نحاول أن نكون الشيء الكبير التالي، بل النسخة الأفضل من أنفسنا، والمكان الذي يوفر ما يحتاجه الإنترنت أكثر من أي وقت مضى: فضاء يتيح للناس التواصل والحصول على معلومات حقيقية".

من بيعٍ مبكر إلى فرصة ثانية

ما قد يثير الدهشة أن هوفمان، البالغ من العمر 41 عاماً، لم يدخل نادي المليارديرات إلا الآن، رغم أن «ريديت» أصبحت سابع أكثر المواقع زيارة في العالم، متفوقة على «لينكدإن» و«تيك توك» و«نتفليكس».

والسبب أنه باع حصته في الشركة عام 2006، أي بعد عام فقط من تأسيسها، مقابل عشرة ملايين دولار لشركة «كوندي ناست» "Condé Nast".

يومها بدا المبلغ ضخماً، لكن الصفقة حرمته من ثروة بمليارات الدولارات لاحقاً، بعدما قفزت قيمة المنصة إلى نصف مليار دولار بحلول 2014.

عاد هوفمان إلى «ريديت» عام 2015 لإنقاذها من أزمات داخلية خانقة، بعد أن غادرها ليؤسس شركة السفر الإلكترونية «هيبمَنك»، التي استحوذت عليها «كونكر» لاحقاً.

وبفضل حزمة تعويضات ضخمة قائمة على الأداء، تمكن من جمع نحو 3.1 ملايين سهم، تمثل 2.3% من أسهم الشركة.

أما بقية ثروته فتأتي من خيارات الأسهم واستثمارات نقدية تقدر بـ190 مليون دولار.

إنقاذ «ريديت» من نفسها

حين تسلم هوفمان القيادة مجدداً، كانت المنصة تعاني من فوضى عارمة. فسياسة «اللامراقبة» جعلت بعض المجتمعات الفرعية مرتعاً للعنصرية والتحريض.

وبعد احتجاجات عارمة للمشرفين على المنتديات فيما عُرف بـ«إضراب ريديت الكبير»، تولى هوفمان المنصب في ظروف وصفت بأنها «حالة طوارئ".

أول ما فعله كان إقرار سياسة محتوى جديدة حظرت الرسائل العنيفة والمواد الإباحية غير القانونية وخطابات الكراهية، وأغلقت العديد من المنتديات السامة.

كما أطلق نظام «العزل» (quarantine) للمحتوى المثير للجدل، ما ساعد على جذب المعلنين وتخفيف حدة السمعة السلبية التي لاحقت المنصة لسنوات.

الإعلان والخصوصية

بنى هوفمان من الصفر نموذج الإعلانات الذي أصبح الآن المصدر الرئيسي لإيرادات «ريديت»، إذ حققت الإعلانات 549 مليون دولار في الربع الأخير، أي 94% من إجمالي الإيرادات.

وتعتمد المنصة على «الاستهداف السياقي» بدلاً من تتبع المستخدمين، فالإعلانات تُوجَّه استناداً إلى نوعية المجتمعات التي يشارك فيها المستخدم أو المواضيع التي يصوّت عليها، ما يحافظ على الطابع المجهول للمستخدمين ويعزز الثقة.

كنز الذكاء الاصطناعي

بيد أن التحديات الجديدة أمام «ريديت» لا تقل تعقيداً، أبرزها علاقتها المتشابكة مع شركات الذكاء الاصطناعي.

بعد سنوات من إتاحة بياناتها مجاناً عبر واجهة (أيه بي آي) API، بدأت الشركة في 2023 بفرض رسوم على استخدامها، ومنعت الزواحف الإلكترونية غير المرخصة، بل رفعت دعاوى قضائية ضد شركات مثل «بيربليكسيتي» بتهمة «النسخ غير المشروع» لمحتواها.

في المقابل، وقّع هوفمان صفقات ترخيص مربحة مع «غوغل» و«أوبن إيه آي» قُدّرت بـ 60 مليون و70 مليون دولار على التوالي.

وباتت «ريديت» من أكثر المصادر استشهاداً في نتائج البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يبرز قيمة محتواها البشري الأصيل.

ومع ذلك، يرى محللون أن الأسعار التي حصلت عليها الشركة منخفضة مقارنة بالقيمة الحقيقية لبياناتها، ما يمنحها أوراق ضغط أكبر في المفاوضات المقبلة.

محرك بحث بلمسة بشرية

لمواجهة خطر أن تبتلعها روبوتات الذكاء الاصطناعي، أطلق هوفمان خدمة «Reddit Answers» في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهي ميزة بحث ذكية تُظهر إجابات مستخلصة من تعليقات المستخدمين الحقيقيين، في محاولة لتحويل «ريديت» إلى محرك بحث يعتمد على التجربة الإنسانية لا الخوارزميات البحتة.

ويرى بعض المحللين أن «ريديت» تمثل حاجة أساسية لنماذج اللغة الكبيرة، لأنها توفر تدفقاً مستمراً من المحتوى البشري الواقعي الذي لا يمكن للذكاء الاصطناعي توليده ذاتياً، ما يجعل بقاء المنصة حيوياً حتى لعمالقة مثل «غوغل» و«أوبن إيه آي".

من مهووس بالبرمجة إلى ملياردير متأخر

نشأ هوفمان في بلدة صغيرة بولاية فيرجينيا قرب واشنطن العاصمة. كان والده مهندساً في «جنرال موتورز» وصاحب أفكار مبتكرة، فيما عمل زوج والدته مديراً للتسويق في شركة «يونيزيس»، ما منحه مزيجاً من الخيال التجاري والصرامة التقنية.

تعلم البرمجة في سن مبكرة، وحصل على شهادة في علوم الحاسوب من جامعة فيرجينيا، حيث التقى بشريكه أليكسيس أوهانيان.

كانت فكرته الأولى تطبيقاً لطلب الطعام عبر الجوال، لكنها قوبلت بالرفض من حاضنة الأعمال «واي كومبيناتور».

غير أن مؤسسها بول غراهام أعجب بمهاراتهما فدعاهما لتقديم فكرة أخرى. ومع منحة قدرها 12 ألف دولار فقط، أطلقا «ريديت» عام 2005.

وبعد عام من العمل الشاق، باعا المشروع ظناً أنه إنقاذ مالي، لكنه تحول لاحقاً إلى أحد أشهر قصص «البيع المبكر» في وادي السيليكون.

رؤية جديدة

اليوم، بعد أن تجاوز عدد مستخدمي «ريديت» اليوميين 116 مليوناً وارتفع المستخدمون الدوليون 31% خلال عام بفضل ميزات الترجمة إلى 30 لغة، يرى هوفمان أن المنصة باتت جزءاً من البنية التحتية للإنترنت المعاصر.

يقول هوفمان: "مهما كانت تجربتك، فهناك شخص على ريديت عاشها من قبلك وشارك قصته".

هكذا، وبعد عشرين عاماً من أول سطر برمجة في «ريديت»، يقف "ستيف هوفمان" مثالاً نادراً لمؤسس باع حلمه مبكراً، ثم عاد ليعيد بناءه من الصفر، حتى صار أخيراً ما حلم به في الأصل: مليارديراً صنع نفسه بنفسه.

المصدر: فوربس