تتفاعل قضية حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالرسومات ومخططات البناء الهندسية في السعودية، دون أي بوادر للوصول إلى حلول سريعة تمنع سرقة أو تقليد أو ترويج هذه الرسومات في وضح النهار داخل المكاتب الهندسية، وتحمي حقوق المهندسين المبدعين.
وقال متابعون ومختصون في القطاع الهندسي والعقاري: أنظمة وقوانين حماية الملكية الفكرية المعمول بها في المملكة حالياً، لا تحمي حقوق المهندسين في القطاع العقاري، ولا تضمن عدم تقليد رسوماتهم، مطالبين بإيجاد آلية ومعايير فنية تكتشف الرسومات الهندسية المُقلدة، محذرين من ضياع ملايين الريالات من خزائن المكاتب الهندسية صاحبة الكفاءة العالية والخبرات الكبيرة، لتذهب إلى خزائن مكاتب أقل خبرة وإمكانات.
وفيما يشهد قطاع البناء السعودي محاكاة الرسومات الهندسية وتقليدها بدرجة كبيرة، قدرها متابعون ومهتمون بمجريات السوق بنسبة 99%، أشار مختصون إلى أن السوق السعودية تضم نحو 2000 مكتب هندسي، يعتمد أغلبها على تقليد الرسومات الهندسية، وبيعها لمن يرغب بأسعار متفاوتة، بعد إجراء تعديلات طفيفة عليها، حتى لا يتعرضون للمساءلة القانونية، في الوقت نفسه، أشارت جهات قضائية إلى أن أنظمة حماية الحقوق الفكرية للمهندسين في القطاع العقاري غير مفعلة، مشيرين إلى أنه لا توجد أي قضية واحدة تدور حول تقليد رسومات هندسية في السعودية.
شكاوى غير رسمية من مهندسين
ويؤكد رئيس لجنة المكاتب الهندسية في غرفة جدة المهندس حسين آل مشيط أن القطاع ليس لديه أي معايير فنية معتمدة لحفظ حقوق الملكية الفكرية، مشيرا إلى أن هناك جهودا تبذل في هذا الجانب لكنها ما زالت في بدايتها.
وقال: نحن كلجنة مكاتب هندسية في غرفة جدة، نتواصل حالياً مع رئيس لجنة المكاتب الهندسية الوطنية، ومع عدد من الجهات الرسمية، وعلى رأسها هيئة المهندسين السعوديين للوصول إلى صيغة قانونية وفنية تحمي حقوق الملكية الفكرية للمهندسين أصحاب الرسومات الهندسية المميزة التي تتم سرقتها وتقليدها في وضح النهار دون رقيب أو حسيب، ما يعرض المهندس أو المكتب الذي يعمل فيه لضياع ملايين الريالات، التي تذهب إلى من سرقوا هذه التصاميم دون وجه حق.
وكشف آل مشيط عن عدة شكاوى تتلقاها لجنة المكاتب الهندسية في غرفة جدة، تشير إلى سرقة أفكار ورسومات هندسية.
وقال: هذه الشكاوى نتلقاها بشكل غير رسمي من المهندسين أصحاب الرسومات الهندسية، وبالتالي لا يمكننا أن نتفاعل معها بالشكل الذي يضمن حقوقهم الأدبية والمادية عن هذه الرسومات، التي يتم تداولها في المكاتب الهندسية، وتباع بأسعار متفاوتة من مكتب لمكتب، ما يؤكد أن هذه الرسومات مسروقة، مشيرا إلى أن قبول المكتب بأي سعر لها يؤكد سرقتها.
وأوضح آل مشيط أن المهندس السعودي لا يجد أي منافسة من نظيره الأجنبي في السوق المحلية، فالسوق مفتوحة للجميع، وحجم الأعمال والمشروعات داخل السعودية أكبر بكثير من أعداد المهندسين السعوديين والأجانب معا، موضحا أن نصيب المهندس السعودي من الرسومات الهندسية المتداولة في المملكة 80%، فيما لا يتجاوز نصيب المهندس الأجنبي 20%، عادّا المجال مفتوحا أمام الجميع للعمل والإنتاج والإبداع.
وأشار إلى أن عدد التصاريح الممنوحة للمكاتب الهندسية العاملة في السعودية تصل إلى 2000 تصريح، ولا يمكن القول إن جميع هذه المكاتب تعمل على أرض الواقع، فهناك مكاتب تمتلك تصاريح، لكنها لا تعمل في السوق، وبعضها ذات إمكانات محدودة جدا، لا تؤهلها إلى إيجاد أعمال هندسية مميزة وخاصة.
التحايل على القانون بالقانون
ويكشف المحامي خالد أبوراشد أنه طوال مسيرته في سلك القضاء التي تبلغ نحو عقدين، لم يترافع عن مهندس شكا من سرقة رسمه الهندسي.
وقال: هذه النوعية من القضايا غير مفعّلة في المحاكم السعودية، ما يشير إلى أن الثقافة الخاصة بحقوق الملكية الفكرية للأفكار الهندسية غير راسخة في المجتمع السعودي، ولا يعلم كثيرون شيئا عنها.
ويضيف: أنظمة حماية الحقوق الفكرية المعمول بها في المحاكم السعودية، تتمثل في اللوحات الفنية، والقصائد الشعرية والأغاني، شريطة أن تكون مسجلة بأسماء أصحابها، أما الأفكار الذهنية وطرق التدريس فلا يوجد ما يحميها من التقليد والمحاكاة والسرقة، مشيرا إلى أن حقوق المهندسين المبدعين للرسومات الهندسية معرضة للضياع بالكامل بنص الأنظمة والقوانين، التي تشير إلى أن إجراء أي تعديل على الرسم الهندسي، يلغي حق المهندس صاحب الرسم، في المطالبة بحماية حقوقه الفكرية التي سلبت منه، ليس لسبب سوى أن المهندس الذي سرق رسمه الهندسي أجرى بعض التعديلات عليه، موضحا أن القضاء يطلق على هذه الجزئية مصطلح التحايل على القانون بالقانون.
المكاتب الضعيفة تقلد الرسومات
يقر مدير أحد المكاتب الهندسية في الدمام، محمد عبدالجواد بمحاكاة الرسومات الهندسية في السوق العقارية على نطاق واسع.
ويقول: لا يمكن إنكار هذا الأمر، حيث توجد مكاتب لا وظيفة لها إلا أن تعرض رسومات هندسية مسروقة، لأنها تعتمد على مهندسين قليلي خبرة وحديثي التخرج، لا يمكنهم إيجاد رسومات هندسية متكاملة، تضم رسوم الشكل الخارجي للمنزل، والتصميم الداخلي، ورسوم الأساس وأحجام القمرات وانحناءاتها، ورسومات تغذية المبنى بحديد التسليح، مشيراً إلى أن المكتب الهندسي الذي يخاف على سمعته في السوق، يمتنع عن هذا الأمر ويتجنبه قدر الإمكان، وأعني بهذا الأمر المكاتب التي تعتمد على مناقصات المشاريع الحكومية.
وأضاف: غالبية المكاتب تعمل على ترويج رسومات ليست من ابتكاراتها، تتعمد إجراء بعض التعديلات الفنية عليها، قبل عرضها على العملاء، وغالبا ما تكون هذه التعديلات غير أساسية ولا تغير في الشكل الأساسي للرسم الهندسي، مثل تغيير مكان الباب أو الشكل الخارجي للمدخل أو توسيع الغرف داخل المنزل على حساب الطرقات والمداخل وهكذا.
99 % من الرسومات تسرق وتقلد
ويرى العقاري سعد الحراملة أن نسبة تقليد الرسومات الهندسية في المملكة مرتفعة للغاية وسرقة الأفكار والرسومات الهندسية وإدخال تعديلات طفيفة عليها، منتشرة في السوق السعودية بشكل واضح وعلني، قد يصل إلى 99% من الرسومات الهندسية، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من هذه المكاتب تجلب مهندسين أجانب، وظيفتهم الأساسية تقليد الرسومات، وإجراء بعض التعديلات الفنية عليها، حتى لا ينكشف أمرهم، والعاملون في القطاع يعرفون هذه الحقائق، فيما المواطن الراغب في الحصول على رسم هندسي لمنزله، لا يعرف هذه الأمور، وقد يكون ضحية مكتب هندسي يروج للرسومات الهندسية المقلدة.
وأشار إلى أن ظاهرة تقليد رسومات البناء تظهر أكثر في المشروعات الصغيرة، مثل المنازل والعمارات والفلل، فيما لا يمكن محاكاتها في المشاريع الكبيرة مثل الأبراج.
وقال: المشروع الكبير له ميزانية ضخمة، من بينها التعاقد مع مكاتب هندسية معروفة، لديها الإمكانات والخبرات في إيجاد رسومات هندسية مبتكرة ومميزة، ليس فيها تقليد أو سرقة أو ما شابه ذلك، في الوقت نفسه نجد أن رسومات المنازل تتم سرقتها وتداولها في جميع المكاتب الهندسية، وتباع بأسعار تتراوح بين 4 و5 آلاف ريال للخريطة الخاصة بالشكل الخارجي وتصميم المنزل من الداخل، فيما تخلو الرسومات من توضيحات خاصة بآلية حديد التسليح والأساسات، وهو ما يؤكد أن الرسومات مقلدة أو مسروقة، مشيرا إلى أن هناك مكاتب هندسية تسرق ما في الرسومات بدرجة 100%، دون إجراء أي تغيير عليها، ما يؤكد إفلاسها.
ويرى الحراملة أن الأمانات في مناطق السعودية تستطيع أن تحد من سرقة الرسومات الهندسية الخاصة بالمنازل بشكل كبير، إذا أوجدت معايير تكتشف بها السرقة.
وأضاف: مهندسو البلديات لا يملكون نظاما يكتشفون به ما إذا كانت الرسومات الهندسية التي تُعرض عليهم من قبل المواطنين، مقلدة أم لا، لأنهم ينظرون لجوانب فنية ونظامية للرسم الهندسي، إذا توفرت، يتم فسح الرسم، وهذه المعايير ليس من بينها معيار تقليد الرسومات.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: