نظام الخدمة المدنية البائس سبب هروب الكفاءات من المستشفيات العامة إلى الخاصةهناك معوقات كثيرة تقف دون الحد من تكلفة العلاج بالمملكةانتهت نظرية المستشفيات المتخصصة وبدأ عصر المراكز المتخصصةالتأمين الصحي هو انسلاخ وزارة الصحة من عباءتها القديمة مستشفى الأطباء المتحدون فكرتي.. وجعلت من «بخش» مركزا طبيا متقدما.
يعشق تأسيس المشروعات الصحية الجديدة، وله تجربة بارزة في هذا الشأن، وتكونت خبرته الواسعة في هذا العمل التخطيطي، وقدّم تجارب صحية مهمة في القطاع الخاص الصحي.. إنه الدكتور فؤاد عزب المدير التنفيذي لمستشفى المشفى.. الذي عرف بصراحته المتناهية، والتي ربما يخسر بسببها أصدقاء أو آخرين ممن عمل معهم؛ إلا أن عفويته في الحديث وصراحته في تقييم تجاربه السابقة تأتي دائمًا في إطار الشفافية.. وفي هذا الحوار يمضي الدكتور عزب في ذات نهجه المستند على المكاشفة ونقد المشكلات والقرارات التي يرى أنها وراء ظهور الظواهر السلبية في تصوره الخاص..
لبنة متطورة
* حدثنا عن اهتمامك بالعمل في مجال تأسيس المستشفيات؟
- كنت أمارس تخصصي، حيث تخصصت في مجال التخطيط الصحي، وكانت لي تجربة ثرية في مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي، حيث ابتعثت من كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز، وعند عودتي وجدت المناخ المناسب لممارسة مزيج من إدارة المكان والتخطيط والمركز الطبي الجديد، كان المستشفى الجامعي في ذلك الوقت يكاد يكون مستشفى رغم المخرجات العظيمة التي كان يقدمها، إلا أنه كان متواضعًا في المبنى والإمكانيات.
كانت الإمكانيات البشرية عالية جدا والتكنولوجيا متطورة لكن المبنى لم يكن يتناسب مع التطورات التي ستقابل كلية الطب كصرح أكاديمي يرجى منه الكثير وأن يقوم بإخراج لبنة متطورة من البناء الإنساني الطبي.
درست هذا الأمر مع عظماء الطب السعودي في المملكة الدكتور أسامة شبكشي والدكتور عبدالله سلامة والدكتور طلال بخش وكوكبة من أطباء الرعيل الأول، وكنت المتخصص الوحيد في التخطيط الصحي لكنهم كانوا مجموعة ذات رؤية متقدمة تعرف ما تريده وما يحتاجه الطالب السعودي في كلية الطب، وما هي الأبحاث التي يمكن أن تفيد المنطقة. مارست هذا الدور والحمد لله جاء هذا المركز الطبي الجميل الذي يضم كوكبة الطب في المنطقة الغربية.
فكرة ونموذج
* وكيف انتقلت التجربة إلى القطاع الخاص؟
- تقدمت باستقالتي لرغبتي في الالتحاق بالقطاع الخاص. كان مستشفى الدكتور عبدالرحمن بخش -رحمه الله- يعاني من مشكلات إدارية، وكانت مرحلة جيدة نفذت فيها ما تعلمته من إعادة هندسة المستشفى ووفقت بمعاونة العديد من الزملاء في جعل مستشفى بخش مركزًا طبيًا متقدمًا.
بعد ذلك طرحت فكرة جديدة وهي دخول عدد من الأطباء في شراكة لإنشاء مستشفى، واتخذت الفكرة منحى آخر، حيث وجدنا مكانًا على البحر وأنشأنا مستشفى الأطباء المتحدون.
المستشفى كان فكرة جيدة ونموذجًا جديدًا على المنطقة، وأتصور أن هذا النموذج وإن انحرف في وقت ما تمامًا عن الفكرة الرئيسية، إلا أن المستشفى في الوقت الحالي يتضمن نفس الفكر والنموذج، وهي دخول عدد من الأطباء السعوديين في شراكة تضمن استمرارية الجدوى وتضمن الفلسفة التي نشأت في أواخر السبعينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة والتي تضمن دخول الطبيب في شراكة واستمراريته. معظم المراكز الطبية في المملكة تقوم على هذا المفهوم.
ثروات خاطفة
* تغيب الشراكة بين رأس المال والطب، بمعنى رجال الأعمال والأطباء في تأسيس الصروح الطبية، وأغلب الموجود الاطباء يتحولون إلى رجال أعمال؟
- أسباب ذلك تعود للأسف إلى أن تزاوج العلم والمال في المملكة لم يكن في يوم من الأيام شراكة نموذجية. مفهوم القطاع الصحي والفلسفة التي يقوم عليها المشروع الصحي هي العائد الربحي الطويل المدى. هذا يفهمه الطبيب تمامًا؛ لكن معظم أصحاب رؤوس الأموال في المملكة يجهلون هذه الفلسفة، لأن معظمهم كونوا ثرواتهم بشكل سريع وخاطف. ولي تجربة للأسف.
تصادم الرؤى المختلفة
* على قلة التجارب في تزاوج رأس المال والأطباء انتهت بانسحاب الأطباء، لماذا؟
- لي تجربة خاصة، الشخص المتخصص يعرف التطور الحقيقي ولذلك تكون الرؤية واضحة عنده حول مسار المؤسسات الطبية، والتي يعجز غالبًا الآخرون عن استيعاب هذه الفلسفة.
عندما أقول «عقرجي» فهذا لأن معظم الثروات الطائلة كونت عن طريق العقار، وأصحاب الأموال الطائلة هم في الغالب عبارة عن تجار عقار. أفكار هؤلاء لا أعتقد أنها تصل إلى الفكر الصحي المتقدم في العالم، وأن يرضى المستثمر بالربح القليل، والعائد الذي يأتي من المؤسسات الطبية يصرف على نفسه.
كل المستشفيات العالمية يكون في مفهومها أنها مؤسسات خاصة ليست ربحية والربح يعود للاستثمار في نفس المكان. معظم الزملاء الذين يعملون في هذا المجال يدركون أن الأرباح لا تكون عالية لأنه لا بد من إضافة جزء من الربح بشكل سنوي للمكان حتى ينمو ويتطور ويصل إلى الجودة التي يسعى إليها الطبيب.
الطبيب لا يستطيع العمل في مكان متواضع الإمكانات. الإمكانات تتطور بسرعة. الرؤية المختلفة بين رجل الأعمال الذي يريد السيطرة على كل الأرباح واقتصاص ما أمكن منها والطبيب المهني الذي يرغب في الحصول على جزء من الربح وتدوير الاستثمار داخل المؤسسة، ومن هنا يكون التصادم.
عصر المراكز المتخصصة
* لماذا لدينا المستشفيات المتخصصة غائبة؟
- المستقبل القريب قد يكون واعدًا بوجود مراكز متخصصة. ما حدث في الولايات المتحدة وكندا والعالم المتقدم هو انحسار المستشفيات المتخصصة والتركيز على المراكز المتخصصة. المركز المتخصص تنشئه في العادة مجموعة من الكفاءات الطبية المتخصصة في تخصص واحد والمتعددين في التخصص الفرعي.
هذا يحدث في المملكة، بحيث يكون المركز تشخيصيًا وعلاجيًا وتتم إجراء العمليات في مستشفيات عامة. هذا ما سنراه في المستقبل ويحدث حاليا في الدول المتطورة. انتهت نظرية المستشفيات المتخصصة وبدأ عصر المراكز المتخصصة.
معوقات كثيرة
* هل يمكن أن نشهد مستشفيات ذات أسعار مخفضة؟
- أتصور أن هناك كثيرًا من المعوقات في الحد من تكلفة العلاج في الوقت الحاضر بالمملكة. ارتفاع سعر العمالة المتخصصة يحد من ذلك، إضافة إلى التطور التكنولوجي السريع، والحصول على هذه الأجهزة والمعدات بشكل مباشر وسريع. التكلفة المباشرة وغير المباشرة المرتفعة، وكذلك مساهمة وزارة العمل في رفع قيمة الايدي العاملة، بحيث أصبحت شحيحة إضافة إلى أنها غالية.
كذلك التنافس في المرتبات الخيالية التي ساهمت وزارة الصحة في فرضها على القطاع الخاص برفع أجور الفنيين والعاملين في القطاع الصحي من غير السعوديين.
كل هذا يعوق خفض التكلفة، بل أتوقع أن ترتفع التكاليف أكثر ويحاول التأمين الدخول كجهة تحاول إيقاف ارتفاع الأسعار، لكن لا أعتقد إمكانية حدوث ذلك.
نظام بائس
* ما هي أسباب تسرب الكفاءات الأكاديمية من الجامعات واتجاهها للقطاع الخاص؟
- نظام الخدمة المدنية البائس هو السبب في هروب الأكاديميين وأصحاب الكفاءات العالية من المستشفيات العامة والجامعات إلى القطاع الخاص. في جميع دول العالم ومؤسساته الصحية توصل خبراء الإدارة إلى أنه لا يمكن الحجر على إمكانات الطبيب المتقدمة وسجنه في سياج مكان عمله بعدد ساعات في الوقت الذي يكون فيه قادرًا على خدمة المجتمع ومراعاة المرضى في أماكن مختلفة.
إذا تحررت الخدمة المدنية من حصر الطبيب في العمل الحكومي وسمحت له بالعمل في القطاع الخاص إضافة إلى عمله في المؤسسات الحكومية، سوف تجد أن هنالك استقرارًا كبيرًا في وجود الكفاءات السعودية بالوظائف الحكومية، وسوف تستفيد المستشفيات الخاصة والمواطن استفادة لا حصر لها من هذا القرار.
لأن هذا القرار سيحد من استقبال العمالة الأجنبية التي لا أجد أن لها أي مبرر لاستقدامها، في الوقت الذي أجد فيه سعوديًا يكون في بيته بعد الدوام مع أنني أستطيع الاستفادة منه في دوام إضافي، وغالبية هؤلاء كفاءات وأساتذة متمكنون.
هذا الطبيب يظل محاصرا بين سندان الخدمة المدنية ورغبته في القيام بممارسة ما تعلمه في الجامعات بقطاع يستطيع استيعاب خبراته ومهاراته، وبعض المستشفيات الحكومية تقل إنتاجية الطبيب فيها قليلة. هؤلاء مؤهلون ويرغبون في ممارسة مهنتهم على أعلى مستوى من الاحترافية.
فشل صريح
* وزارة الصحة تعاقب عليها في الفترة الأخيرة كثير من الوزراء ولا تزال لم تنل الرضا، ماذا تحتاجه؟
- تحتاج إلى قائد. لا يوجد فرق حقيقي بين الطبيب وغير الطبيب. وأنا أؤمن بالشخص المحترف المخطط الذي يعي دوره والذي يرفع الراية الحمراء الآن ويقول إن النموذج الذي نعمل به على مدار السنوات الماضية هو نظام مخرجاته ضعيفة ومكلف.
ويجب المراجعة وإعادة التخطيط في مدة قصيرة، وليس عيبًا أن يقوم هذا الرجل بالنظر إلى تجارب الأمم ويأخذ منها ما هو ناجح.
القطاع الصحي في المملكة أثبت للمتخصصين وغير المتخصصين أنه نظام فاشل لا يلبي احتياجات المريض وهو يكاد يكون مكلفًا جدًا ومخرجاته ضعيفة والآن آن الأوان لأي قائد أن يستقطب المخططين لمعرفة ما هو مفيد للمرضى ومراجعة التكاليف الباهظة.
وأعتقد أن التأمين الصحي هو انسلاخ وزارة الصحة من عباءتها القديمة، كونها بائعة للخدمة أن تقوم بشراء الخدمة، وتعتبر نفسها كغيرها من وزارات الصحة في دول العالم كمراقبة للخدمة وكاتبة لأنظمة وقوانين ومراقبة مدى تطبيقها وأن تنسلخ من دور البائع لدور المشتري وستكون السلعة مناسبة وستكون شركات التأمين هي اليد التي ستسهم بصورة جيدة في رفع هذا الموضوع وأن تنشأ جهة من قبل وزارة الصحة تقوم بهذا الدور.
تجانس مفقود
* بخصوص تجربتك في إنشاء مستشفى الأطباء المتحدون ما هي الأسباب التي دعتك للخروج من المشروع؟
- في الحقيقة تمكنت من تحقيق جزء من حلمي. مستشفى الأطباء المتحدون في فترة من الفترات كانت من أنجح المستشفيات الخاصة في المملكة العربية السعودية وكانت تجربة مضيئة. تخليت عن كامل الحلم الذي حققت جزءا منه لأن التجانس انتفى بيني وبين الشريك. أنا رجل محترف وشريكي ليس كذلك.
نموذج مضيء
* أسند إليك إنشاء مستشفى جامعي جديد ماذا عن هذا المشروع؟
- أنا مجرد شخص أستعين به كخبرة لأقوم بهذا النموذج المضيء. كانت فكرة الدكتور عبدالله دحلان، وهو رجل أعمال ناجح ومن رجال الأعمال المحترفين.
وأعتقد في قرارة نفسي أن له رؤية واضحة في التعليم الخاص، وله تجربة ناجحة خاصة في جامعة العلوم والتكنولوجيا وهي تجربة جيدة.
المشروع يكاد يكون تعليميًا، وهو إنشاء كلية طب وعلوم طبية مساعدة وإنشاء مستشفى تعليمي، وهي قرية طبية تكاد تنحصر في كلية الطب والأبحاث.
المكان موجود أصلًا، وأعتقد أنه حصل على ترخيص. المراحل الأولية نكاد نكون قد انتهينا منها مع الشركة التي قامت بعملية وضع المواصفات والدخول في التصاميم.
هناك شركة فرنسية أعتقد أن الدكتور عبدالله لديه تفاصيل أكثر ستقوم بعمل كلية الطب والعلوم الطبية المساعدة. أنا مشرف فقط على الجانب الذي يخص الجانب التعليمي.
تحليل التعليقات: