خلال السنوات الخمس عشرة الأولى من عمله في جهاز قطر للاستثمار، ساهم محمد السويدي في ترسيخ حضوره في الولايات المتحدة واستكشاف الفرص.
والآن، بصفته رئيساً لهذا الكيان المدعوم من الدولة، والذي تبلغ قيمته 524 مليار دولار، يتعهد باستثمار مبلغ يُعادل تقريباً حجم الصندوق الحالي، كجزء من التزام رئيسي من جانب الدولة الخليجية.
صرح السويدي في مقابلة أُجريت معه في الدوحة أن جهاز قطر للاستثمار يُخطط لاستثمار 500 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل.
وأضاف أن هذه النفقات الجديدة الضخمة ستستهدف مجالات تُفضلها قطر تقليدياً -مثل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والرعاية الصحية- مع التوافق أيضاً مع أجندة الرئيس دونالد ترمب لإعادة التصنيع في الولايات المتحدة.
يمثل مبلغ 500 مليار دولار ما يقرب من نصف إجمالي التعهد الاقتصادي الذي قطعته قطر خلال زيارة ترمب هذا الأسبوع، والبالغ 1.2 تريليون دولار.
قال السويدي في المقابلة: "نحن لا نبتعد عن الأسواق الأخرى، بل نزيد من انكشافنا على الولايات المتحدة".
وأضاف أن بيئة السياسة الأميريكة الحالية تُتيح "اتجاهاً أكثر واعداً" لرأس المال طويل الأجل.
صناديق الثروة الخليجية تركز على الولايات المتحدة
من المؤكد أن جهاز قطر للاستثمار ليس الوحيد الذي يتبنى استراتيجية استثمارية جريئة تُركز على الولايات المتحدة بين صناديق الشرق الأوسط. فصندوق الاستثمارات العامة السعودي، والكيانات الحكومية في الإمارات العربية المتحدة، وهيئة الاستثمار الكويتية، تتطلع أيضاً إلى توظيف مليارات الدولارات في قطاعات مماثلة، مما يزيد من احتمالية المنافسة على نفس الصفقات وخطر دفع مبالغ زائدة مقابل الأصول.
تولى محمد السويدي منصب الرئيس التنفيذي العام الماضي في لحظة محورية للصندوق، حيث من المتوقع أن يضخّ توسع مشاريع الغاز في البلاد مليارات الدولارات إلى خزائنه. في الوقت نفسه، لم تعد الدوحة تعاني من عجز في الإنفاق على مشاريع كبيرة مثل كأس العالم لكرة القدم 2022، الذي تُقدّر تكلفته بنحو 300 مليار دولار.
مع توقع تدفقات جديدة، يعتزم السويدي توجيه الصندوق نحو توفير رأس المال للشركات الكبرى، والاستحواذ على حصص في الشركات المدرجة، وإعطاء الأولوية للصفقات الأكبر.
يُمثّل هذا ابتعاداً عن تركيز جهاز قطر للاستثمار مؤخراً على صفقات رأس المال الاستثماري الأصغر. مع ذلك، صرّح السويدي بأن هذه الخطوة ليست "تحولاً أو محوراً استراتيجياً فعلياً"، بل هي "تطور إضافي" في نهج الصندوق لمواكبة التغيرات العالمية المتسارعة.
ثامن أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم
يُعد جهاز قطر للاستثمار (QIA) ثامن أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، ويمتلك مجموعة من الأصول المرموقة، بما في ذلك متجر "هارودز" (Harrods) في لندن وناطحة سحاب "شارد" (Shard). ولكن بعد سنوات من الصفقات الهادئة نسبياً، تُظهر خطط السويدي أن الصندوق جاهز للعودة إلى دائرة الضوء.
انضم السويدي إلى جهاز قطر للاستثمار عام 2010، عندما كان يرأسه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء السابق الذي يُعتبر على نطاق واسع من أبرز المستثمرين في الشرق الأوسط. وفي نهاية المطاف، استُبدل الشيخ حمد في جهاز قطر للاستثمار بأحمد السيد، الذي ساعد في تنسيق صفقات ضخمة، بما في ذلك استحواذ شركة "جلينكور" (Glencore) على شركة "إكستراتا" (Xstrata) مقابل 29 مليار دولار.
أمضى السويدي معظم سنواته الأولى في الصندوق في الأميركتين، حيث ساهم في تأسيس مكتب في الولايات المتحدة، وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيساً للاستثمار في المنطقة.
حصل على شهادتي بكالوريوس في المالية والإحصاء من جامعة ميسوري، وشغل مناصب عدة، منها رئيس صناديق الاستثمار الخاصة ورئيس المكتب الاستشاري لجهاز قطر للاستثمار في نيويورك. وقد اشتهر الجهاز آنذاك بجهوده في الاستحواذ على حصص بارزة في بنوك مرموقة مثل "باركليز" و"كريدي سويس".
عائدات الغاز لدعم جهاز قطار للاستثمار
تُعدّ قطر بالفعل واحدة من أغنى دول العالم، ومن بين أكبر مُصدّري الغاز الطبيعي المُسال. لكن خطط الحكومة لزيادة هذا الإنتاج بشكل كبير من المُتوقع أن تُضيف أكثر من 30 مليار دولار سنوياً إلى إيرادات الدولة.
سيتم ضخّ بعض هذه الأموال إلى جهاز قطر للاستثمار. وقد توقعت شركة الاستشارات البحثية "غلوبال إس دبليو إف" (Global SWF) مؤخراً أن يرتفع إجمالي أصول جهاز قطر للاستثمار إلى 905 مليارات دولار بحلول عام 2030، مما يعني أنه سينضم إلى مصافّ المستثمرين البارزين الآخرين في المنطقة، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي وهيئة أبوظبي للاستثمار.
يستعد جهاز قطر للاستثمار بالفعل لنفقات كبيرة. أوضح السويدي أن الصندوق عادةً ما يأخذ حصص أقلية في الشركات الناجحة، مع تفاوت كبير في حجم الصفقات حسب فئة الأصول. وأضاف: "في مجال الأسهم العامة، يُمكننا الاستثمار بشكل كبير".
قال السويدي: "في مجال الاستثمار الخاص، نحن قادرون على إبرام صفقات بمليارات الدولارات، ولكننا قادرون أيضاً على الحفاظ على مرونتنا- لا سيما في قطاعات مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية".
جهاز قطر للاستثمار يكثف الجهود للحاق بالركب
ستكون هذه الخطوة بمثابة خبر سار لقطاع الاستثمار الخاص. لسنوات، أعاقت أسعار الفائدة المرتفعة إبرام الصفقات العالمية. فعندما تعجز شركات الاستثمار الخاص عن بيع شركات محفظتها بوتيرة جيدة، فإنها لا تستطيع إعادة رأس المال إلى مستثمريها. ومن ثم، لا يمكن إعادة تدوير هذه الأموال في صناديق جديدة.
ستساعد جهود جهاز قطر للاستثمار في هذا المجال على تنشيط عملية جمع الأموال للقطاع مرة أخرى- وتعويض التراجع المتوقع من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، والذي بدأ يركز بشكل متزايد على الاستثمارات المحلية.
تتوق الشركات المالية بالفعل إلى فرصة التعاون بشكل أوثق مع جهاز قطر للاستثمار. على سبيل المثال، كشفت شركة "بي كابيتال" (B Capital) التابعة لإدواردو سافرين عن خطط لإنشاء مكاتب في قطر في وقت سابق من هذا العام. وبعد أيام، أعلنت شركة "غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" (Global Infrastructure Partners) التابعة لشركة بلاك روك أنها ستنشئ مكاتب في الدوحة أيضاً.
سيتمكن من هم خارج الدوحة من الاطلاع على أفكار السويدي بشكل أعمق الأسبوع المقبل، عندما يتحدث في منتدى قطر الاقتصادي السنوي، حيث من المقرر أن يتحدث كبار المسؤولين التنفيذيين الماليين من جميع أنحاء العالم، وأسماء بارزة من دائرة ترمب- بما في ذلك ابنه إريك وإيلون ماسك، مؤسس شركة "تسلا".
حتى وقت قريب، ظلت الدوحة بعيدة إلى حد كبير عن سباق الهيمنة المالية الإقليمية، حتى مع إعلان عدد كبير من شركات وول ستريت عن خطط لإنشاء مقراتها الإقليمية في الرياض، وتوافد صناديق التحوط إلى أبوظبي. لكن خطط السويدي تُظهر أن الدولة الغنية بالغاز تُكثّف جهودها للحاق بالركب.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: