نبض أرقام
07:48 م
توقيت مكة المكرمة

2025/07/14

الأسواق تتحول إلى ساحة لعب .. من يقود ظاهرة التداول من أجل المتعة؟

07:56 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في مشهد يتداخل فيه الاقتصاد مع الثقافة الرقمية، يظهر "التداول من أجل المتعة" كأحد أكثر التحولات السلوكية إثارة في السنوات الأخيرة.

 

فلم يعد الدافع وراء الدخول إلى منصات التداول محصورًا في تحقيق العوائد أو بناء الثروات، بل أصبح في كثير من الأحيان قائمًا على الإثارة، والتجربة؛ أو بعبارة أخرى الترفيه.

 

 

انتشار "التداول من أجل المتعة" جاء في وقتٍ لم تعد فيه الأسواق المالية حكرًا على المحترفين والمستثمرين التقليديين، بل باتت منصات التداول الجذابة وسهلة الاستخدام تفتح الأبواب أمام جمهور جديد من الشباب والمهتمين بالتقنية.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

هؤلاء المتداولون الجدد يتعاملون مع الاستثمار كما يتعاملون مع منصات الألعاب أو شبكات التواصل.

 

من الاستثمار إلى الترفيه

 

يطلق مصطلح التداول من أجل المتعة على سلوك الأفراد الذين يشاركون في تداول الأسهم أو العملات الرقمية أو غيرها من الأصول المالية، بدافع التسلية أو الفضول أو التفاعل الاجتماعي، وليس من منطلق استراتيجية استثمارية واضحة.

 

وقد بات هذا التوجه أكثر وضوحًا في عصر التطبيقات السهلة الوصول، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمجتمعات الرقمية التي تحتفي بـ"الصفقات المثيرة".

 

يعود جزء كبير من هذا التحول إلى الطفرة التي شهدتها تطبيقات التداول المجانية وسهلة الاستخدام، مثل "روبنهود" و"إيتورو"، التي قدمت أدوات مالية معقّدة بطريقة مبسّطة وجذابة.

 

وقد أسهمت جائحة كورونا في تسريع هذا الاتجاه، حيث وجد ملايين الأفراد أنفسهم في منازلهم، يمتلكون الوقت والفضول وربما أيضًا جزءًا من مدخراتهم للاستثمار أو المضاربة في الأسواق.

 

لكن الأمر تجاوز الاستثمار بهدف الربح؛ فالمستخدمون باتوا يتابعون تحركات الأسواق كما يتابعون مباريات كرة القدم، ويشاركون "مغامراتهم" على منصات مثل  تيك توك أو يوتيوب، حيث أصبحت الثقافة المالية ممتزجة بعنصر الأداء والاستعراض.

 

عوامل ساعدت على الانتشار

 

ويُرجع كثيرون انتشار ظاهرة "التداول من أجل المتعة" إلى مجموعة من العوامل المتشابكة التي ساعدت في تحويل الأسواق المالية من ساحة للمستثمرين المحترفين إلى مساحة مفتوحة أمام الجمهور الواسع، وخاصة الشباب.

 

أول هذه العوامل هو سهولة الوصول إلى الأسواق، حيث جعلت تطبيقات التداول المجانية الدخول إلى عالم التداول أمرًا بسيطًا وسريعًا، لا يتطلب معرفة مالية متقدمة أو رأس مال كبير.

 

 

هذه السهولة شجعت الملايين حول العالم على تجربة التداول لأول مرة، في الوقت ذاته، لعبت ثقافة "الميم" ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في الترويج لفكرة التداول كنوع من المتعة الجماعية.

 

وتحولت منصات مثل ريديت بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ساحات للمشاركة في صفقات مثيرة مثل جيم ستوب وإيه إم سي، مدفوعة برغبة مجتمعية في خوض مغامرة جماعية أو حتى تحدي المؤسسات المالية الكبرى.

 

إلى جانب ذلك، ساهم شعور المتداولين الجدد بالتمكين والمشاركة في تعزيز جاذبية التداول.

 

فبالنسبة للكثير منهم، لم يكن الأمر مجرد محاولة لتحقيق الربح، بل وسيلة لاستعادة زمام السيطرة على القرارات المالية الشخصية، والمشاركة في نظام مالي ظلّ لفترة طويلة حكرًا على النخبة المالية أو المؤسسات الكبرى.

 

ولا يمكن تجاهل تأثير فترات الإغلاق الطويلة أثناء جائحة كوفيد-19، التي أدت إلى شعور عام بالملل لدى فئات واسعة من الناس، خاصة في ظل فائض الوقت والقيود المفروضة على الأنشطة الاجتماعية.

 

مقارنة بين التداول التقليدي والتداول بدافع المتعة

العنصر

التداول التقليدي

التداول من أجل المتعة

الهدف الأساسي

عوائد طويلة الأجل

الإثارة والتجربة الاجتماعية

مدة الاحتفاظ بالأصول

متوسطة إلى طويلة

قصيرة أو لحظية

مصدر القرار

تحليل مالي وأبحاث

توصيات منصات التواصل  في الغالب

المنصة المستخدمة

وسطاء ماليون محترفون

تطبيقات سهلة وسريعة

درجة المخاطرة

محسوبة

مرتفعة أو عشوائية

 

ووجد كثيرون في التداول ملاذًا يجمع بين الترفيه وإمكانية تحقيق عوائد سريعة، ما ساهم في دخول ملايين الأفراد إلى الأسواق لأول مرة.

 

أخيرًا، شكّل غياب البدائل ذات العائد المجدي عاملًا إضافيًا في تغذية هذه الظاهرة رغم مخاطرها.

 

حينما يتحول الهواة إلى محللين

 

لم يعد الخبراء التقليديون هم من يوجّهون قرارات المستثمرين، بل في العديد من الأحيان يقوم مجتمع من المتداولين الهواة الذين يتبادلون الأفكار والمخاطر في مناخ أشبه بالألعاب الجماعية بهذه المهمة.

 

 

وقد عزز نجاح بعضهم – كما حدث مع سهم "جيم ستوب" – الشعور بإمكانية هزيمة الأسواق، وأن التداول هو ساحة للمغامرة والانتصار الفردي، وليس فقط الأرقام والتحليلات، ورغم أن الدافع قد يكون "المرح"، إلا أن العواقب قد تكون جادة.

 

وأظهرت دراسة من مؤسسة فينرا في الولايات المتحدة أن المتداولين الأفراد الذين يتخذون قرارات سريعة بدافع الإغراء اللحظي غالبًا ما يتكبدون خسائر كبيرة.

 

 في المقابل، ترى بعض الجهات التنظيمية أن هذه الظاهرة تستحق مراقبة مكثفة لأنها قد تؤثر على استقرار الأسواق، خاصة في ظل المضاربة الجماعية.

 

أمثلة من الواقع

 

ظاهرة التداول من أجل المتعة لم تعد مجرد توجه عابر، بل أصبحت واقعًا ملموسًا في العديد من الأسواق المالية حول العالم، وهو ما تؤكده البيانات الصادرة عن الجهات التنظيمية وشركات الوساطة.

 

فقد أشارت البيانات إلى أن عدد الحسابات المموّلة خلال 2023–2024 في أمريكا قد تراوح ما بين 23 و25 مليون حساب، وهو ما يعكس استمرار الزخم بعيدًا عن فقاعة "ميم‑ستوك" 2021.

 

كما أن ربحية  روبنهود في 2024 واستقرار عدد المستخدمين النشطين توضح نضج المنصة بعد جهود لتعزيز الثقة والربحية.

 

أما في الهند، فهناك نقلة نوعية في حجم التداولات تُظهر أن المستثمرين الجدد يحتلون حيزًا واسعًا في السوق حتى وإن كان ذلك بأسلوب "محفوف بالمخاطر".

 

وشهدت البورصة الوطنية وبورصة بومباي هناك موجة غير مسبوقة من دخول المستثمرين الأفراد، لا سيما من فئة الشباب وسكان المدن الصغيرة.

 

وبحسب بيانات هيئة الأوراق المالية الهندية، جرى فتح أكثر من 14 مليون حساب تداول جديد خلال عام واحد – بزيادة فاقت 45% مقارنة بالعام السابق.

 

كما لوحظ أيضًا أن العديد من هؤلاء المستثمرين الجدد استخدموا التطبيقات التي تسوّق خدماتها بعبارات مثل "ابدأ التداول في دقائق" أو "اجعل أموالك تعمل من أجلك بطريقة ممتعة".

 

 

كما شهدت أوروبا موجة صعود في شعبية تطبيقات مثل ترادينج 212 في المملكة المتحدة وريفوليت على مستوى القارة، مدعومة باستراتيجيات تسويق تركز على الترفيه وسهولة الاستخدام.

 

هذه الأمثلة تؤكد أن ظاهرة "التداول من أجل المتعة" لم تعد مقصورة على سوق بعينه، بل أصبحت نمطًا عالميًا يتغذى على تقاطع بين التكنولوجيا، الثقافة الرقمية، والرغبة في الإثارة والمشاركة الاجتماعية.

 

ما الذي ينبغي مراقبته؟

 

رغم أن ظاهرة "التداول من أجل المتعة" تبدو في ظاهرها مجرد موجة شبابية عابرة، فإن المؤشرات المتراكمة من الأسواق العالمية توحي بأنها تمثل تحوّلًا أعمق في العلاقة بين الأفراد والمال.

 

وبات من الواضح أن شريحة متزايدة من الأفراد، خاصة من جيل الألفية والجيل زد، لم تعد تنظر إلى الاستثمار كوسيلة حصرية لبناء الثروة على المدى الطويل، بل باتت تعتبره جزءًا من أنماط الحياة الرقمية – مزيجًا من التسلية، التجريب، والشعور بالتمكين المالي.

 

وهنا تظهر تساؤلات جوهرية حول دور المنصات الرقمية نفسها التي باتت تستخدم عناصر تصميم مأخوذة من ألعاب الفيديو وتطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل الإشعارات اللحظية، والجوائز البصرية، ومؤشرات الأداء اللحظي، بما يعزز ارتباط المستخدم بالتطبيق نفسيًا.

 

تُثير هذه الميزات التفاعلية التي تبدو ممتعة تساؤلات حول الحاجة إلى تنظيمات جديدة تحكم التصميم السلوكي للمنصات وتفرض ضوابط ضد "إدمان التداول".

 

أما على مستوى الأسواق نفسها، فإن أنماط التداول المدفوعة بـ"الضجيج الجماعي" لا تمرّ دون أثر.

 

فالمضاربات القصيرة المدى التي يقودها الأفراد عبر منصات التواصل قد ترفع أسعار بعض الأصول إلى مستويات غير مبررة، هذه الموجات قد تُضخّم من تقلبات الأسواق وتخلق فقاعات يصعب تفسيرها بالأدوات التقليدية، مما يشكّل تحديًا لصنّاع السياسة المالية والمستثمرين المحترفين على حد سواء.

 

في المحصلة، يعكس التداول من أجل المتعة تحوّلًا ثقافيًا عميقًا في الطريقة التي يُنظر بها إلى المال، ولذلك في زمن أصبحت فيه الأسواق أقرب إلى لعبة اجتماعية، يبقى السؤال متى ينتهي اللعب وتبدأ فاتورة المغامرة؟

 

المصادر: أرقام- بلومبرج- فايننشال تايمز- سي إن بي سي- رويترز- مؤسسة فينرا- مركز بيو للأبحاث- ريديت- معهد المحللين الماليين المعتمدين

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.