"نحن، كقيادة للشركة، نتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك".. هكذا اعتذر نائب رئيس شركة سامسونج، جون يونغ هيون، في أكتوبر 2024، لـ"سوق الإلكترونيات بأكمله" عن اختلاف نتائج الشركة في الربع الثالث من العام عن التوقعات، في خطوة نادرة من جانب شركة تجاه مساهميها أو تجاه "السوق".
فالتواصل الصادق والشفاف مع المستثمرين يُعد أمرًا بالغ الأهمية، خاصة عندما تفشل الشركات في تحقيق توقعاتها المالية. وعلى الرغم من أن الاعتذار العلني لا يُعد إلزاميًا قانونًا في مختلف التشريعات، فإنه يُستخدم كأداة استراتيجية لإعادة بناء الثقة، وطمأنة الأسواق، وتأكيد التزام الإدارة بالتحسين، ومع ذلك، فإنه نادرًا ما تعتذر الشركات.

نموذج مختلف
وبالعودة إلى مثال "سامسونج"، فقد أصدرت الشركة بيانًا في أكتوبر 2024 بعد أن جاءت أرباحها التشغيلية أقل بكثير من توقعات السوق، حيث بلغت9.10 تريليون وون، بينما كانت التوقعات تشير إلى11.45 تريليون وون، أي بفارق كبير تجاوز 2.3 تريليون وون.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وصرّح نائب رئيس الشركة، جون يونغ هيون: "لقد تسببنا في قلق بشأن قدرتنا التكنولوجية الأساسية ومستقبل الشركة، نتيجة أدائنا الذي جاء أقل من توقعات السوق... نحن، كقيادة للشركة، نتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك."
وأضاف أن الإدارة ستتخذ خطوات لإعادة بناء القدرة التنافسية، وتحسين ثقافة العمل الداخلية، وتعزيز التواصل مع المستثمرين. كما أكد أن سامسونج ستعتمد على الابتكار والجودة كوسيلتين أساسيتين للعودة إلى المنافسة، وستعمل على إصلاح ما يلزم داخل المنظمة على الفور.
هذا الاعتذار لم يكن مجرد رد فعل، بل كان بيانًا استراتيجيًا يهدف إلى تهدئة الأسواق، وإظهار القيادة، وتقديم رؤية واضحة للمستقبل.
وسبب "ندرة" ما فعلته "سامسونج" أن غالبية الشركات تلجأ إلى أسلوب الاعتذار المستتر، وليس الصريح، فعندما واجهت شركة "ثري إم"، وهي من أكبر الشركات الصناعية في الولايات المتحدة، تراجعًا كبيرًا في أرباحها الفصلية في عام 2019، مما أدى إلى انخفاض حاد في سعر سهمها بنسبة تجاوزت13% في يوم واحد، حاولت طمأنة السوق دون اعتذار مباشر.
فهذا التراجع المفاجئ دفع الإدارة إلى إصدار بيان علني يعترف بالأداء الضعيف، وأعلنت الشركة عن تسريح نحو 2000 موظف كجزء من خطة لإعادة الهيكلة وخفض التكاليف، وكانت التصريحات واضحة في تحمل المسؤولية، حيث أشار المدير التنفيذي إلى أن الشركة "لم تكن على قدر التوقعات" وأن هناك حاجة إلى "إعادة تقييم استراتيجية النمو"، ولكنها وخلافًا للشركة الكورية لم تقدم اعتذارًا صريحًا.

لا للاعتذار
وفي أحد تقارير الأرباح، الذي تم نشره في 15 يوليو 2025، واجه بنك "نيويورك ميلون" نتائج أقل من المتوقع، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية وتباطؤ النمو في قطاع إدارة الأصول.
وفي تصريحات علنية، أشار المدير التنفيذي إلى أن "الظروف الاقتصادية الحالية ستؤثر سلبًا على نمو الإيرادات في الفصول القادمة"، مؤكدًا أن البنك ملتزم بـ"ضبط النفقات وتحسين الكفاءة التشغيلية".
ورغم أن البنك لم يستخدم صيغة اعتذار، فإن المراقبين رأوا أن التصريحات كانت واضحة وصريحة في الاعتراف بالتحديات، مع تقديم رؤية واقعية للمستقبل، وهو ما يُعد من أهم عناصر الحفاظ على ثقة المستثمرين.
أما "نتفليكس"، فيمكن اعتبارها "شركة الاعتذارات المتكررة"، إذ اعتادت في أكثر من مناسبة، عندما سجلت تراجعًا في عدد المشتركين أو الإيرادات، أن تصدر بيانات تفصيلية تشرح الأسباب، مثل تغييرات في سلوك المستخدم أو المنافسة، دون استخدام كلمة "اعتذار"، لكنها قدمت خططًا واضحة للتعافي.
ولعل الاختلاف المتكرر بين التوقعات والنتائج لدى "نتفليكس" يؤدي إلى أمرين: الأول انخفاض متكرر بعد الأرباع السنوية، مع نسب تداول قياسية في هذا التوقيت، وعلى الرغم من ذلك فإن سعر السهم ارتفع بنسبة 75% بين منتصف أغسطس 2024 ومنتصف أغسطس 2025.

ويمكن إرجاع هذا الارتفاع إلى المضاربات من جهة، واستمرار محاولات الإصلاح من جهة أخرى، ولكن اختلاف التوقعات مع النتائج الواقعية يفرض حالة من التذبذب على سعر السهم، على الرغم من سيادة اتجاه صاعد بشكل عام. ولذلك، فكثيرًا ما يتم اعتبار الأيام التي تلي إعلان النتائج في مثل تلك الحالات على أنها فرصة للشراء في ظل "قاع مؤقت".
مبررات لا اعتذارات
هذا فيما يتعلق بالشركات التي تقدم اعتذارات، سواء مباشرة أو غير مباشرة، غير أن غالبية الشركات تميل إلى تقديم "المبررات" وليس "الاعتذارات".
وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة "ساوث ويست" للطيران، في يوليو 2025، عن خفض كبير في توقعاتها للأرباح، حيث خفّضت توقعاتها لأرباح ما قبل الضرائب من 1.7 مليار دولار إلى ما بين 600 و800 مليون دولار، أي بانخفاض يتراوح بين 53% و 65%.
كما قررت الشركة سحب توجيهاتها المالية لعامي 2025 و2026 بالكامل، مشيرة إلى "الضبابية الاقتصادية" الناتجة عن سياسات الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، وتراجع الطلب على السفر الداخلي، خاصة في الدرجة الاقتصادية.
ورغم هذه التراجعات، لم تُصدر الشركة أي اعتذار أو تعهد مباشر للمستثمرين، بل اكتفت بالإعلان عن تغييرات هيكلية في نموذج أعمالها، مثل إلغاء نظام المقاعد المفتوحة لصالح المقاعد المحجوزة، وتقديم مقاعد مميزة بمساحة إضافية، وتقليص عدد الرحلات بنسبة 1.5% في النصف الثاني من 2025.
وبسبب هذه الإجراءات المفاجئة والخفض المفاجئ غير المصحوب بأية اعتذارات أو إجراءات جذرية وليست صورية، جاء رد فعل السوق على هيئة انخفاض سعر سهم ساوث ويست بنسبة 12% في يوم واحد.
واللافت أن الشركة سجلت خسارة قدرها 149 مليون دولار في الربع الأول من العام الحالي، وذلك على الرغم من التوقعات السابقة بتحقيق أرباح، مما أدى إلى انخفاض السهم أيضًا، من مستوى33 دولارًا في نهاية مارس من العام الحالي إلى 24 دولارًا بعدها بأسبوع، أي أن السهم فقد أكثر من 25%.

وتشير دراسة أجراها باحثون في جامعة "كوينزلاند" بأستراليا إلى أن رفض الاعتذار يمنح القادة شعورًا بالقوة والسيطرة، بينما الاعتذار قد يُشعرهم بالضعف أو فقدان الهيبة. هذا التوجه النفسي يفسر لماذا يتجنب بعض المديرين التنفيذيين الاعتذار حتى في حالات الإخفاق الواضحة.
بل ويرى كثير من القادة، وفقًا للدراسة، أن التوقعات المالية ليست وعودًا بل تقديرات مبنية على معطيات قابلة للتغير، ولذلك فشل الشركة في تحقيق هذه التوقعات لا يُنظر إليه دائمًا كخيانة أو خطأ جسيم يستوجب الاعتذار، بل كجزء من طبيعة السوق المتقلبة.
وهذه النظرة تجعل الاعتذار غير ضروري في كثير من الحالات، خاصة إذا قدمت الشركة تفسيرًا منطقيًا للنتائج. وبالتالي، يرى كثير من المديرين أنهم ملزمون فقط بعدم "تعمد تضليل السوق"، وليس بالاعتذار عن نتائج تختلف وفقًا لمتغيرات خارجة عن أيدي إدارة الشركة.
وفي المقابل، فإن التكرار المستمر لإخفاق التوقعات، وليس العرضي لمرة أو مرتين، يعكس غالبًا ضعفًا في كفاءة الإدارة يؤثر على إقبال المستثمرين على الشركة، أو سوء نية من جانب الإدارة عن طريق أفراد يسعون للحفاظ على مواقعهم أو تعظيم مكتسباتهم ولو بخداع المستثمرين، مما يؤثر أيضًا على الإقبال على الاستثمار في الشركة.
المصادر: أرقام- فوربس- كوربرت فاينانس إنستيتيوت- إيكونوميست- بلومبرج
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: