نبض أرقام
03:20 م
توقيت مكة المكرمة

2025/09/12
2025/09/11

التحليل الموسمي للأسهم .. وهم أم أداة فعالة؟

08:01 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

مستبشرًا بعام جديد يبدأ، قرر "أحمد" الدخول إلى سوق الأسهم في يناير، وذلك بعد أن أجرى دراسات معمقة للشركات والقطاعات التي يرغب في الاستثمار فيها، ونوع استثماراته بين تلك قليلة المخاطرة والتي تعتمد على حصد الأرباح ربع السنوية وأخرى تعتمد على المخاطرة، وتراهن على ارتفاع سعر الأسهم بنسب كبيرة في المستقبل.

 

وربما لو اتخذ "أحمد" قراره بالدخول قبل بداية العام ولو بشهر لحقق استفادة أكبر (في الظروف والأعوام العادية)، حيث تشير الدراسات إلى أن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، والذي يؤثر على غالبية المؤشرات في الأسواق حول العالم سلبًا وإيجابًا، يسجل عادةً ارتفاعًا بنسبة 1.8% في يناير، مقارنة بمتوسط شهري يبلغ 0.5%.

 

 

أداة إضافية

 

ويرجع ذلك إلى إعادة توزيع المحافظ الاستثمارية من قبل المؤسسات، وزيادة التفاؤل بعد بداية السنة، أي أن دخول الكثير من المتفائلين، مثل "أحمد"، بالعام الجديد يرفع المؤشر بشكل استثنائي بغض النظر عن حقائق السوق في كثير من الأحوال.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

ويشير "التحليل الموسمي" إلى الأنماط المتكررة في أداء الأسواق المالية خلال فترات معينة من السنة، مثل بداية العام، فصل الصيف، أو موسم العطلات. هذه الأنماط لا ترتبط بالدورات الاقتصادية طويلة الأمد، بل تحدث بشكل منتظم داخل نفس السنة المالية، مما يجعلها أداة مهمة للمستثمرين في توقيت قراراتهم الاستثمارية.

 

ولذلك يمكن اعتبارها أداة إضافية لا تغني عن التحليل الأساسي للأسهم وللشركات والقطاعات ولكنها تسهم في الوصول لنتيجة أفضل، وهي تعتبر نوعا من أنواع التحليل الفني الأطول مدى من تحليلات المضاربين التقليدية.

 

وكما أشرنا إلى يناير بوصفه -تقليديًا- شهر ارتفاع في السوق، من أسباب ذلك أيضًا ميل العديد من الشركات إلى إعادة استثمار أرباحها خلال العام السابق في هذا الشهر، مع اتخاذ قرارات بإعادة  الاستثمار بناء على نتائج الربع الأخير من العام السابق.

 

الصيف ونهاية العام

 

وعلى العكس من يناير فإن التداول يقل خلال أشهر الصيف، حيث تكشف البيانات انخفاض حجم التداول في السوق الأمريكي بنسبة تصل إلى 25%، مما يؤدي إلى زيادة التقلبات.

 

 

فهذا الانخفاض في السيولة يجعل السوق أكثر حساسية للأخبار، وقد يؤدي إلى تحركات سعرية غير مبررة، كما أن بعض القطاعات مثل السياحة والطاقة تشهد نشاطًا موسميًا ملحوظًا في هذه الفترة كل هذا يزيد من قابلية عمليات المضاربة المخططة والتلاعب بالأسواق من قبل بعض كبار المتداولين ولكنه يجعل هذه الفترة ملائمة للشراء مع ظهور قيعان مؤقتة مع عمليات المضاربة قصيرة المدى.

 

وفي الأسواق العربية كثيرًا ما يتشابه الوضع في شهر رمضان مع مثيله في أشهر الصيف في السوق الأمريكي، حيث يقل التداول أيضًا بنسبة ملحوظة بما يسهل من تذبذب السوق.

 

ومع نهاية العام ومرور شهر سبتمبر الذي يعتبره الأمريكيون الأسوأ في العام، بسبب ما شهده من انخفاضات قياسية تاريخيًا، فيُعتبر موسم العطلات في الغرب من أكثر الفترات نشاطًا في السوق، خاصة في قطاع التجزئة فعلى سبيل المثال، فإن شركات مثل "أمازون" و"تارجت" توظف عشرات الآلاف من العمال الموسميين لتلبية الطلب المرتفع، مما يعكس تأثيرًا مباشرًا على أسهم هذه الشركات. كما أن الإنفاق الاستهلاكي يرتفع بشكل كبير، مما يدفع السوق للارتفاع بشكل عام.

 

تأثير الانتخابات الأمريكية والدورة الرئاسية

 

ولا تقتصر "مواسم" سوق الأسهم فقط على الأشهر، ولكنها تمتد لتشمل تأثير التطورات السياسية "العادية" مثل الانتخابات على السوق باستمرار.

 

ومن ذلك  ما يُعرف بـ"الدورة الرئاسية"، حيث تكون العوائد ضعيفة في أول عامين من ولاية الرئيس الأمريكي، ثم تتحسن في العامين الأخيرين، نتيجة تركيز الإدارة على النمو الاقتصادي لدعم فرص إعادة الانتخاب أو تعزيز موقف الحزب في الانتخابات التالية.

 

كما أن الأسواق غالبًا ما ترتفع مع انتخاب رئيس جديد، وذلك استبشارًا بتطبيقه لسياساته المعلنة خلال الحملة الانتخابية، وتتصدر القطاعات التي تعهد الرئيس المنتخب بدعمها الأسهم الصاعدة، مثلما حدث مثلًا حينما ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 16% بعد فوز "جو بايدن" بالرئاسة، مدفوعًا بتفاؤل المستثمرين تجاه سياسات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.

 

 

أما في 2016، وبعد فوز دونالد ترامب، فقد انخفضت الأسواق لأيام قبل أن يرتفع المؤشر بنسبة 12%، خصوصًا في قطاعات المال والصناعة، نتيجة توقعات بخفض الضرائب وزيادة الإنفاق، بعد خطاب طمأنينة وجهه الرئيس المنتخب للأسواق بهدف تهدئة المخاوف المتعلقة بسياساته "المجهولة" حينها.

 

وفي المقابل، ومع انتخاب "باراك أوباما" في 2008 فقد شهد السوق انخفاضًا بنسبة 38% في عامه الأول بسبب الأزمة المالية العالمية، مما يؤكد أن العوامل الاقتصادية قد تطغى على تأثير الانتخابات، وأن هذه القاعدة تنطبق على "الظروف العادية" وليست الاستثنائية.

 

ارتفاعات المواسم

 

ويشير تحليل لـ"مورنينغ ستار" إلى أن أكثر من نصف ارتفاعات الأسهم تحدث في "المواسم" والتي لا تتجاوز فترتها 20-25% من العام، مما يجعل الانتباه لها مهمًا على أن تكون فقط ضمن استراتيجية طويلة المدى وليست مقترنة بالمضاربة قصيرة المدى بما يترتب عليها من مخاطرة كبيرة وخسارة لـ98-99% من المتداولين كما تكشف الدراسات.

 

وتجربة "جوليان روبرتسون" خير مثال على الفرق بين الاستفادة من التحليل الموسمي ومحاولة التحكم الكامل في توقيت السوق، حيث اكتسب "روبرتسون" سمعة كبيرة في أواخر التسعينيات بفضل تحويل رأس مال صغير إلى مليارات الدولارات، كما اشتهر بـ"التغلب على السوق".

 

وكانت استراتيجيته بسيطة: الاستثمار في الأسهم المقومة بأقل من قيمتها وبيع الأسهم ذات القيمة الزائدة.

 

وكان أكبر نجاح له خلال فقاعة "دوت كوم"، حيث قرر بيع الأسهم التكنولوجية على المكشوف، عكس ما كان يفعله الجمهور، وعندما انخفض السوق، حقق أرباحًا ضخمة. هنا، يمكن اعتبار أن قراره كان مبنيًا على فهم عميق لدورة السوق، وهو ما يتوافق مع فكرة التحليل الموسمي ولكن على نطاق أوسع.

 

ولكن، عندما حاول "روبرتسون" تطبيق استراتيجية "توقيت السوق" بشكل متكرر، أي محاولة التنبؤ الدقيق بنقاط الانعكاس في السوق، بدأ يخسر، تراجعت أصول صندوقه من 21 مليار دولار إلى 6.5 مليار دولار بعد تكبد مستثمريه خسائر ضخمة، حتى اضطر لإغلاق الصندوق في عام 2000.

 

 

هذه التجربة تظهر أن محاولة تحديد النقطة المثالية للبيع أو الشراء بشكل متكرر أمر محفوف بالمخاطر، سواء عبر التحليل الموسمي أو الفني التقليدي.

 

 بعد خسائره، عاد "روبرتسون" إلى نهج "أقل تطرفًا" ووظف فيه ثروته الشخصية، وحقق عائدًا كبيرًا بالتركيز على استراتيجيته الأصلية: التخلص من أسهم مبالغ في قيمتها وشراء المقومة بأقل من قيمتها. وأكد أنه تعلم أن بعض الخسائر المقبولة نتيجة لعدم انتظار "نقاط الانعكاس" أفضل بكثير من المخاطرة بخسائر أكبر.

 

لذلك فعلى الرغم من أهمية "المواسم" في سوق الأسهم فإنه لا ينبغي استخدامها إلا كمؤشر مساعد، على أن يكون القرار للتحليل الأساسي، وأن يقتصر على تحديد فترة لدخول السوق وليس اختيار الأسهم أو القطاعات التي يستهدفها المتداول.

 

المصادر: أرقام- مورنينغ ستار- فوربس- ماركتس- ياهو فاينانس- نيويورك تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.