نبض أرقام
01:56 م
توقيت مكة المكرمة

2025/09/29
2025/09/28

تأثير الأفراد في الأسواق .. قوة حقيقية أم مجرد فقاعة؟

07:57 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في العقد الأخير، لم يعد السوق المالي حكرًا على الصناديق العملاقة والبنوك الاستثمارية، مع دخول ملايين المستثمرين الأفراد، مدفوعين بمنصات التداول السهلة مثل روبن هود وبدعم من موجات الإقناع الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

 

وأثبت المستثمرون الأفراد أنهم قادرون على قلب الطاولة، ولعل أبرز مثال على ذلك ما جرى في قضية "جيم ستوب" عام 2021، حين اجتمع مئات الآلاف من المتداولين الصغار عبر منتديات "ريديت" لشراء السهم بشكل جماعي، ما رفع قيمته بشكل غير مسبوق.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

وأجبرت صناديق التحوط التي راهنت على انخفاضه حينها على تكبد خسائر تجاوزت 6 مليارات دولار خلال أيام معدودة، هذا الحدث لم يكن مجرد حركة سعرية عابرة، بل رسالة بأن القوة الجماعية للأفراد قد تترك ضجيجًا في الأسواق.

 

وحين ننظر إلى المشهد الأوسع، نجد أن هذه القوة غالبًا ما تكون محدودة المدى، فبيانات بورصة نيويورك وناسداك تظهر أن المؤسسات الاستثمارية – من صناديق التقاعد إلى الصناديق السيادية – لا تزال تهيمن على أكثر من 70% من التداولات اليومية.

 

ورغم هيمنة المؤسسات على المشهد، فإن بعض الأحداث الاستثنائية تثير باستمرار تساؤلات حول ما إذا كان المستثمر الفردي لا يزال قادرًا على تحريك الأسواق، أم أن تأثيره يتلاشى أمام هيمنة الخوارزميات واللاعبين الكبار.

 

كم يمثلون من حجم التداول؟

 

منذ تفجّر أزمة كورونا وظهور منصات التداول السهل  مثل روبن هود وغيرها، دخل صانعو القرار الفرديون ومن يُطلق عليهم "المستثمرون الأفراد" لاعبًا جديدًا لا يمكن تجاهله في أسواق الأسهم.

 

ومع ذلك لا توجد نسبة واحدة ثابتة عالمياً لنسبة تعامل الأفراد في الأسواق؛ فهي تختلف بحسب السوق والزمن والقياس (حجم الصفقات مقابل قيمة التداول).

 

وتشير تقارير الجهات الدولية والأكاديمية إلى أن حصة التجزئة تتراوح في الأسواق المتقدمة بين نحو 20–35% من التداول اليومي، بينما ترتفع إلى 40–80% في أسواق مثل الهند والصين.

 

في المقابل، قياسات أخرى استخدمت أساليب مختلفة وأعطت نطاقات أقل دون 20% لبعض الأيام أو أسهم معينة، ويعني هذا التباين أن للمستثمر الفردي تأثيرًا متقلبًا، لكنه قد يكون قويًا في أسهم محددة أو أوقات معينة.

 

 

ولا يقتصر نفوذ المستثمرين الأفراد على الأسواق الأميركية، ففي الهند مثلاً ارتفعت حسابات التداول الجديدة إلى مستويات قياسية بعد جائحة كورونا، لتصل حصة الأفراد في بعض الجلسات إلى ما بين 60 و80% من التداولات اليومية.

 

أما في الصين، حيث يعتمد ملايين المستثمرين الصغار على تطبيقات الهاتف للتداول، فإنهم يشكلون العمود الفقري للسوق، إذ تشير تقديرات البورصات المحلية إلى أن الأفراد يمثلون أكثر من ثلثي النشاط اليومي.

 

مقارنة بين المستثمر الفردي والمؤسساتي

العنصر

المستثمر الفردي

المستثمر المؤسساتي

حجم رأس المال

صغير نسبيًا

ضخم جدًا

الوصول للمعلومات

محدود، غالبًا عام

واسع، يتضمن بيانات وتحليلات متقدمة

سرعة التنفيذ

بطيء نسبيًا

سريع، بفضل التقنيات والخوارزميات

التأثير في السوق

قصير الأمد (تذبذبات يومية)

طويل الأمد (استراتيجيات واستثمارات كبرى)

 

في المقابل، تظل حصة المؤسسات مهيمنة بأسواق أوروبا واليابان، غير أن مشاركة الأفراد آخذ في الارتفاع، فعلى سبيل المثال، أظهرت بيانات هيئة الأسواق المالية الفرنسية أن حصة الأفراد تضاعفت بين 2019 و2022، مع بروز موجة الاستثمار عبر الإنترنت بين الشباب.

 

هذا التباين العالمي يعكس أن "قوة التجزئة" ليست ظاهرة أميركية فحسب، بل واقع يتشكل بشكل مختلف من سوق إلى آخر.

 

متى يظهر أثر المستثمر الفردي في السوق؟

 

رغم أن الصورة العامة توضح أن المؤسسات الكبرى والخوارزميات هي اللاعب المهيمن على الأسواق، إلا أن المستثمر الفردي يمكن أن يترك بصمته في ثلاث حالات نموذجية، أثبتت التجربة أنها قادرة على هز ثقة المؤسسات وجذب الأنظار العالمية.

 

أول تلك الحالات تتعلق بالأسهم قليلة السيولة والشهيرة على شبكات التواصل حيث يجتمع آلاف المستثمرين الأفراد على منصات مثل ريديت أو إكس للشراء المتزامن في أسهم ذات سيولة محدودة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاعات حادة وغير مبررة بأساسيات الشركة.

 

 

المثال الأبرز هو سهم جيم ستوب في 2021، الذي ارتفع من نحو 20 دولار أمريكي إلى أكثر من 480 دولارًا خلال أيام، مثل هذه الحالات تبيّن أن التنسيق غير الرسمي عبر الإنترنت يمكن أن يقلب معادلات العرض والطلب على المدى القصير.

 

أما الحالة الثانية فهي فترات الذعر أو البيع الجماعي، فخلال الأزمات أو الانهيارات اللحظية، قد تتحول التدفقات الجماعية للمستثمرين الأفراد إلى قوة مؤثرة.

 

على سبيل المثال، خلال انهيار السوق الأميركي في مارس 2020 مع بداية جائحة كورونا، شكّلت أوامر الأفراد أكثر من 25% من حجم التداول اليومي في الأسهم الأميركية، بحسب بيانات "سيتي غروب".

 

واستغل كثير منهم الأسعار المنخفضة للشراء بكثافة، مما ساهم في تسريع التعافي، كما لعبت المنصات الرقمية دورًا محوريًا في هذا الأمر، إذ وفرت تنفيذًا فوريًا منخفض التكلفة ما عزّز قدرة الأفراد على المشاركة اللحظية.

 

أما الحالة الثالثة فهي عندما تصدر أخبار أرباح مفاجئة أو تعلن شركات عن صفقات ضخمة، يمكن لسلوك الأفراد أن يُضخّم ردّ الفعل السعري، مثلما حدث عند إدراج شركة "آرم" البريطانية في بورصة ناسداك عام 2023.

 

وساهم الإقبال الكبير من المستثمرين الأفراد – الذين استحوذوا على نحو 15% من التداول في أول يوم – في رفع السعر بأكثر من 20% فوق سعر الطرح.

 

كذلك، تُظهر بيانات جولدمان ساكس أن تدفقات الأفراد عبر عقود الخيارات قصيرة الأجل تضاعفت منذ 2019، ما جعل تأثيرهم على تحركات الأسهم أكبر مما كان عليه قبل عقد.

 

قوة للسوق أم فوضى عابرة؟

 

تظل الإجابة على سؤال حول ما إذا كان المستثمر الفردي لديه القدرة على التأثير في طبيعة السوق أم يضيف فقط مزيدًا من التقلبات محل جدل واسع في الأوساط الأكاديمية والمالية.

 

وتشير الأبحاث إلى أن دخول المستثمرين الأفراد لا يغيّر القواعد الأساسية التي تحكم الأسواق، مثل تسعير الأصول على المدى الطويل بناءً على الأرباح والنمو الاقتصادي، لكنه يترك أثرًا ملموسًا في حركة السوق اليومية.

 

 

وتقول دراسة صادرة عن "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية" نشرت عام 2022 أن ارتفاع مشاركة الأفراد في السوق يرتبط بزيادة التذبذب اليومي للأسهم بنسبة تراوحت بين 15% و25%، وأحيانًا يؤدي إلى تراجع جودة التسعير.

 

هذا يعني أن المستثمرين الأفراد، رغم عدم قدرتهم على إعادة كتابة قواعد اللعبة، فإنهم يضيفون بعدًا جديدًا قائمًا على السيولة والاندفاع الجماعي، وهو ما قد يخلق فرصًا للبعض ويزيد المخاطر على آخرين.

 

في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن دخولهم يرسّخ فكرة "ديمقراطية الأسواق"، إذ يمنح شرائح واسعة من الناس إمكانية المشاركة في المكاسب المحتملة، بدلاً من ترك الساحة حكرًا على المؤسسات الضخمة.

 

لكن جانبًا آخر من المعادلة يتمثل في كيفيّة تغيّر الأدوات والمنصات التي يستخدمها هؤلاء الأفراد. فالمشهد الحالي يختلف جذريًا عمّا كان عليه قبل عقد من الزمن.

 

 هذه التطورات جعلت من السهل على الأفراد الانخراط في الأسواق بمرونة وسرعة أكبر، بل وأعطتهم مساحة للتأثير على اتجاهات التداول في لحظات معينة.

 

ويعكس تقرير صادر عن "جي بي مورغان" (2023) هذا التحول بوضوح، حيث أوضح أن نحو 40% من تدفقات عقود الخيارات قصيرة الأجل في السوق الأميركية جاءت من مستثمرين أفراد.

 

هذا الرقم يكشف أن نفوذ المستثمرين الأفراد لم يعد محصورًا في الأسهم الصغيرة أو المضاربات الهامشية، بل امتد ليؤثر بشكل ملموس في أدوات عالية الحساسية مثل عقود الخيارات، التي تعد من أبرز محركات تقلب الأسعار.

 

ومن هنا، يرى بعض المحللين أن تجاهل هذه القوة الجديدة قد يجعل المؤسسات المالية غير قادرة على التنبؤ بدقة باتجاهات السوق.

 

على الصعيد الأكاديمي، يشير الباحثون إلى ضرورة تطوير أدوات قياس حديثة لرصد "زخم التجزئة" وتحليل تأثيره على التسعير وسيولة السوق، خصوصًا في فترات الانهيارات أو الحماسة المفرطة.

 

قد يكون السؤال الأهم اليوم ليس "هل يملك المستثمر الفردي تأثيراً؟"، بل كيف سيعاد تشكيل السوق في ظل هذا الحضور المتزايد؟

 

أرقام: أرقام- منتدى الاقتصاد العالمي- موقع روبن هود- هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية- رويترز- جي بي مورجان

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.