في عالم وادي السيليكون المليء بالضجيج وصراع الشهرة، اختار إيدوين تشين أن يسلك طريقًا مختلفًا: بناء إمبراطورية في الظل.
واليوم، صار مؤسس شركة Surge AI أصغر عضو في قائمة فوربس 400 للأثرياء الأمريكيين، بثروة تُقدّر بنحو 18 مليار دولار، محققًا ذلك بعيدًا عن الأضواء التقليدية لرواد التكنولوجيا.
من مطعم عائلي إلى نخبة الرياضيات
ولد تشين في مدينة صغيرة تُدعى "كريستال ريفر" بولاية فلوريدا، حيث كان يساعد والديه، القادمين من تايوان، في إدارة مطعم صيني-تايلاندي-أمريكي.
بين أطباق النودلز والزبائن، تشكّل شغفه المزدوج: الرياضيات واللغات.
كان يحلم بتعلم عشرين لغة ويشارك في مسابقات التهجئة، فيما بدأ يرى في الأرقام أنماطًا جمالية.
نال منحة كاملة للدراسة في مدرسة "شوت" العريقة، ثم التحق بـ "معهد ماساتشوستس للتكنولوجي"، حيث تخصص في الرياضيات وشارك في تأسيس جمعية لغوية.
هناك، اعتمد أسلوب نوم "متعدد المراحل" ليمنح نفسه وقتًا أطول للبحث والتجريب. لاحقًا، عمل في صناديق تحوط ثم في غوغل وفيسبوك وتويتر، حيث واجه مرارًا مشكلة افتقاره إلى بيانات بشرية عالية الجودة لتدريب الأنظمة.
ولادة "Surge AI"
عام 2020، ترك تشين تويتر وأسس شركته "سيرج إيه آي" ( Surge AI) بمدخراته الخاصة، رافضًا التمويل المغامر الذي يراه مجرد "لعبة اجتماعية" في وادي السيليكون.
الشركة تقدم ما يعتبره العنصر الأهم في سباق الذكاء الاصطناعي: البيانات عالية الجودة.
في بداياته، استقطب عملاء عبر مدونته المتخصصة في علم البيانات، حيث كان يكتب مقالات تقنية نالت إعجاب شركات مثل إير بي إن بي (Airbnb ) وتويتر.
بعد ذلك، جاءت عقود ضخمة مع عمالقة مثل غوغل، التي استعانت بـ (سيرج ايه آي) عام 2023 لإنقاذ مشروع جيميني ( Gemini ) بعد مكالمة استمرت ساعتين فقط.
خلال أقل من خمس سنوات، حققت الشركة 1.2 مليار دولار إيرادات (2024) وقدّرت قيمتها السوقية بحوالي 24 مليار دولار.
فلسفة مختلفة
لا يرى تشين شركته مجرد مصنع للبيانات. بل يستخدم شبكة تضم أكثر من مليون مساهم حول العالم إضافة إلى أساتذة من هارفارد وبرينستون وستانفورد، للمساهمة في تدريب الذكاء الاصطناعي عبر محاكاة التفكير البشري المعقد.
وفي هذا السياق، يقول تشين بثقة "من دوننا لن يحدث الذكاء الاصطناعي العام ".
ما يميز سيرج أيضًا هو طبيعة التوظيف. نحو 20% من العاملين لديهم خلفيات غير تقليدية: موسيقيون، أكاديميون من مجالات إنسانية، وحتى مدراء جولات فنية.
بالنسبة لتشين، التنوع الفكري عنصر جوهري في بناء ذكاء اصطناعي يعكس "ثراء التجربة الإنسانية".
منافسة شرسة وصراعات قانونية
ورغم موقعها الريادي، تواجه سيرج منافسة قوية من شركات مثل "سكايل إيه آي" ( Scale AI) و"تورنغ" ( Turing)، وسط سوق عالمية ضخمة للبيانات تقدّر بأكثر من 100 مليار دولار سنويًا.
بل إن صفقات مليارية مثل استحواذ "ميتا" على 49% من سكايل إيه آي رفعت مستوى التنافسية.
لكن مع النجاح، برزت تحديات. فالشركة تواجه دعاوى قضائية في كاليفورنيا بتهمة تصنيف العاملين بشكل خاطئ للتهرب من تقديم مزايا وظيفية.
تشين يصف الاتهامات بأنها "بلا أساس"، فيما تصر مكاتب المحاماة على وصف الأمر بـ"سرقة أجور على نطاق واسع".
رؤية متفردة
شخصية تشين تمثل مزيجًا من الهدوء والفكر الفلسفي. في مقابلاته، يفضل مناقشة الأدب وعلم اللغة إلى جانب الخوارزميات.
يوظف أشخاصًا من خلفيات غير تقليدية، ويؤمن أن أفضل الابتكارات تنبع من مزج العوالم بين الرياضيات، اللغات، والفنون.
بعيدًا عن المكتب، يعيش حياة بسيطة: نباتي، يمشي 20 ألف خطوة يوميًا، ويستلهم من ليالي نيويورك المضيئة.
بين الخفاء والقيادة
ظل تشين بعيدًا عن الإعلام لسنوات، مكتفيًا بنشر مقالات علمية ليتواصل مع عملائه الأوائل مثل تويتر ووإير بي إن بي.
بيد أنه اليوم يرى أن الوقت قد حان ليتحوّل إلى صوت مؤثر في توجيه صناعة الذكاء الاصطناعي، محذرًا من مخاطر ترك النماذج تتجه نحو "دوامات وهمية" كالتي صنعتها خوارزميات يوتيوب وتويتر في الماضي.
الملياردير الذي لم يُرِد أن يكون كذلك
في النهاية، قصة تشين ليست مجرد قصة ثروة، بل حكاية عن رجل رفض لعبة وادي السيليكون ليبني شركته على طريقته الخاصة.
وكما يصفه أحد زملائه: "إنه مثل مايكل جوردان مع كرة السلة... تشين ببساطة وُلد ليبني بيانات ويدرّب الذكاء الاصطناعي."
المصدر: فوربس
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: