نبض أرقام
03:07 م
توقيت مكة المكرمة

2025/10/13
2025/10/12

الضجيج الرقمي في وول ستريت .. هل أصبحت التغريدات أهم من البيانات؟

08:06 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في نهاية الأسبوع الماضي، شهدت وول ستريت واحدةً من أكثر جلساتها اضطرابًا هذا العام، بعد موجة خسائر حادة هزّت المؤشرات الأميركية.

 

ورغم أن تلك الخسائر ترجع في المقام الأول إلى قرار واشنطن رفع الرسوم الجمركية على واردات الصين، مما أشعل مخاوف تجدد الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر بالعالم، فإنّ جزءًا غير قليل من تلك الهزة تتحمّله التفاعلات الرقمية والضجيج الإلكتروني.

 

 

فالتغريدات المتلاحقة، والتكهنات المنتشرة على المنصات المالية، والمشاعر الجماعية التي تبثها الحسابات المؤثرة ساهمت في تضخيم ردّ الفعل السوقي، ليتحول القلق الاقتصادي إلى حالة ذعر رقمية دفعت الخوارزميات إلى البيع الكثيف في دقائق.

 

بمعنى آخر، لم تكن الأزمة كلها نتيجة قرار سياسي، بل أيضًا نتاج تفاعل عاطفي رقمي غذّته السرعة واللايقين في فضاء الإنترنت المالي.

 

ففي عصر تتفوّق فيه السرعة على الدقّة، لم تعد الأخبار المهمة أو الشائعات مجرد نصوص يقرأها المتعاملون، بل أصبحت محفزًا فوريًا لسيل من الأوامر الآلية، وتقلبات الأسعار، تُنفّذها خوارزميات التداول في أجزاءٍ من الثانية.

 

فاليوم، تغريدة من مؤثّر، أو منشور على منتدى رقمي، قد تُحدث في دقائق ما لا تفعله بيانات مالية تُحلل لأشهر.

 

ومنذ منتصف العقد الماضي، تغيّر المشهد المالي جذريًا حيث تحوّلت الأسواق إلى مكان يتأثر بالمعلومات الفورية، ويتفاعل مع نبض الإنترنت أكثر مما يتفاعل مع مؤشرات الأرباح أو معدلات النمو.

 

وبدأت وسائل التواصل الاجتماعي مثل منصة إكس (تويتر سابقًا)، والتي بدأت كوسيلة اجتماعية للتعبير، أصبحت ينظر إليها اليوم باعتبارها نظام إنذار مبكر للأسواق حيث بات المستثمرون، وصناديق التحوط، وحتى البنوك المركزية، يراقبون المزاج الرقمي.

 

وأصبح السؤال الملح في أروقة وول ستريت هو هل ما زال المستثمر الذكي من يقرأ البيانات أولًا، أم من يرصد التغريدات أسرع؟

 

حينما تتحول تغريدة إلى محرّك رئيسي للسوق

 

تعتمد الأسواق الحديثة على البيانات السريعة مع الأخذ في الاعتبار تغريدات الحسابات الموثوقة التي تُغذَّى مباشرة شاشات التداول ونماذج التداول الخوارزمية، وفي ثوانٍ  تقوم تلك الخوارزميات بتفسير الخبر وتنفيذ أوامر ضخمة، مما يسبب تحركات سعرية سريعة جدًا.

 

 

وكانت حادثة اختراق حساب وكالة الأنباء أسوشيتد برس عام 2013 بمثابة نموذج على هذا، إذ بثت تغريدة كاذبة عن انفجارات في البيت الأبيض أدّت خلال دقائق إلى انخفاض مؤشرات السوق ومحو نحو 136.5 مليار دولار من قيمة مؤشر إس آند بي 500  قبل أن يتعافى.

 

ويمنح المحتوى الذي لديه إعجابات كثيرة ويعاد نشره إشارة ثقة لقرائه؛ مما يجعل الأفراد يتأثرون به، وفي السوق يترجم هذا الأمر بسرعة ليتحول إلى موجات شراء أو بيع حتى لو لم تكن مبنية على بيانات مالية تقليدية.

 

وفي يناير عام 2021، تحوّل منتدى وول ستريت بيتس على منصة ريديت إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين المستثمرين الأفراد وصناديق التحوط.

 

بدأت القصة عندما لاحظ المستخدمون أن سهم شركة ألعاب الفيديو جيم ستوب يتعرض لعمليات بيع مكثفة من صناديق استثمارية تراهن على هبوطه، فقرروا الرد بشراء جماعي للسهم بهدف رفع سعره وإجبار تلك الصناديق على الخسارة.

 

في غضون أسابيع قليلة، قفز سعر السهم قفزات كبيرة، وسط أحجام تداول تجاوزت مئات الملايين من الأسهم يوميًا، ما أجبر بعض الوسطاء مثل "روبن هود" على تجميد التداول مؤقتًا بسبب التقلبات الهائلة.

 

كما تُظهر تجربة "تسلا" كيف يمكن لتغريدة واحدة من شخصية مرموقة أن تهزّ الأسواق المالية بأكملها.

 

ففي أغسطس 2018، نشر الرئيس التنفيذي "إيلون ماسك" تغريدة قال فيها إنه يعتزم تحويل تسلا إلى شركة خاصة بسعر 420 دولارًا للسهم، مؤكدًا أن لديه تمويلًا مضمونًا لذلك.

 

ولم تستغرق الأسواق سوى دقائق لتستجيب، إذ ارتفع سعر السهم فورًا بنسبة تفوق 10%، قبل أن يتضح لاحقًا أن التمويل لم يكن مضمونًا فعلاً.

 

أدى ذلك إلى تحقيقات رسمية من هيئة الأوراق المالية الأمريكية، أسفرت عن تسوية مدنية بلغت قيمتها 40 مليون دولار منها 20 مليونًا غرامة على "ماسك"، ومثلها على الشركة.

 

كيف أصبحت التغريدات مؤشرات استثمارية؟

 

لم يعد تأثير التغريدات مقتصرًا على الحالات الفردية أو الأحداث الطارئة، بل أصبح موضوعًا لبحوث اقتصادية جادة.

 

وأظهرت دراسات حديثة صادرة عن مراكز أبحاث اقتصادية مثل مركز أبحاث السياسات الاقتصادية الأوروبي أن تحليل المشاعر الرقمية المستخرجة من ملايين التغريدات يمكن أن يتنبأ باتجاهات السوق اليومية في الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء.

 

 

وتشير هذه الأبحاث إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تقيس نبرة التفاؤل أو التشاؤم في منشورات المستخدمين تستطيع رصد تحولات المزاج الاستثماري قبل أن تظهر في الأسعار الفعلية.

 

وبذلك، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي أداة تحليل مالي حقيقية توازي في قيمتها التقارير الاقتصادية، وربما تتفوق عليها من حيث السرعة في بعض الأحيان.

 

وفي السنوات الأخيرة، دخلت صناديق التحوط وشركات التداول الخوارزمي على الخط، مستفيدة من الكمّ الهائل من البيانات التي تنتجها المنصات الاجتماعية في كل لحظة.

 

وتشير تقارير لبلومبرج إلى أن من 40 إلى 50% من صناديق التحوط الكبرى في الولايات المتحدة تعتمد بشكل أو بآخر على بيانات وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر إضافي للإشارات السوقية.

 

وتستخدم تلك البيانات سواء لتحسين دقة توقعات الأسعار قصيرة الأجل أو لتقدير المخاطر المحتملة المرتبطة بسمعة الشركات.

 

فبعض أنظمة التداول الآلي اليوم تستخدم خوارزميات مبرمجة لرصد الكلمات المفتاحية مثل بيع وشراء أو حتى رموز الأسهم عبر تويتر خلال أجزاء من الثانية، وتعيد ترجمتها إلى قرارات استثمارية فورية.

 

لكن هذه الثورة ليست بلا ثمن، إذ تقول تقارير من جامعة كامبريدج وهيئة السلوك المالي البريطانية، إن الاعتماد المفرط على الإشارات المستخرجة من وسائل التواصل الاجتماعي يجعل الأنظمة عرضة لما يُعرف بـ"التغذية الخاطئة".

 

وفي هذا السياق، نشرت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية عام 2023 تقريرًا حذرت فيه من تنامي محاولات التلاعب بأسعار الأسهم عبر البوتات الآلية على تويتر، مشيرةً إلى أن العديد من التغريدات حول الأسهم الصغيرة مصدرها حسابات مشبوهة.

 

الحاجة للتنظيم والشفافية

 

مع تصاعد نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي في حركة الأسواق، بدأت الجهات التنظيمية تدرك أن ما يجري على المنصات الرقمية لم يعد مجرد نقاش عام، بل بات أداة مالية غير رسمية تؤثر على الثقة والسيولة وتوجّه المستثمرين.

 

 

ففي الولايات المتحدة، أعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات منذ عام 2021 عن تشكيل فرق متخصصة لمتابعة أنماط التلاعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا تلك التي تستهدف الأسهم الصغيرة أو العملات الرقمية منخفضة القيمة.

 

كما بدأت مؤسسات أخرى مثل هيئة السلوك المالي البريطانية والهيئة الأوروبية للأسواق والأوراق المالية بإطلاق مبادرات مشابهة لرصد نشاطات مؤثرة رقمية تستخدم أساليب التسويق أو المحتوى المموّل لتضخيم أسهم محددة أو التأثير في معنويات المستثمرين الأفراد.

 

في المقابل، أصبحت مساءلة الشخصيات العامة التي تثير اضطرابات في الأسواق قضية تنظيمية بحد ذاتها.

 

فقضية إيلون ماسك عام 2018، عندما غرّد عن نيته خصخصة "تسلا"، كشفت عن فراغ تشريعي بين حرية التعبير الشخصي والمسؤولية القانونية عند التأثير المباشر في أسعار الأصول.

 

ومنذ تلك الواقعة، شهدت الأسواق العالمية تحركات تشريعية لمراجعة إطار الإفصاح العلني على المنصات الرقمية. فاليوم، تُلزم بعض الدول الأوروبية المدراء التنفيذيين بالإفصاح عن نواياهم الاستثمارية أو تصريحاتهم المؤثرة في السوق عبر قنوات رسمية، لا عبر تغريدات عابرة.

 

كذلك، بدأت المؤسسات المالية الكبرى في تبني أنظمة مراقبة داخلية لرصد "الضجيج الرقمي" وتقييم مدى تأثيره المحتمل على قراراتها الاستثمارية.

 

فعلى سبيل المثال، أعلنت بورصة ناسداك في تقريرها لعام 2023 أنها تستخدم أدوات ذكاء اصطناعي لتحليل 500 مليون منشور أسبوعيًا على تويتر وريديت، بهدف اكتشاف الأنماط غير الطبيعية التي قد تشير إلى عمليات تلاعب جماعي.

 

من هنا يتضح أن مستقبل الشفافية في الأسواق لن يُقاس فقط بوضوح القوائم المالية، بل أيضًا بمدى وضوح المصدر الرقمي للمعلومة، وقدرة الجهات الرقابية على التمييز بين الرأي المشروع والتلاعب الخفي.

 

وبينما يتسابق المستثمرون لالتقاط الضجيج الرقمي، تبقى الحاجة الأهم هي إرساء قواعد جديدة للثقة، لأن الأسواق، في نهاية المطاف، لا تُبنى على التغريدات وحدها، بل على توازن دقيق بين المعلومة، والمشاعر، والمسؤولية.

 

المصادر: أرقام- رويترز- بلومبرج- صحيفة الجارديان- لجنة الأوراق المالية الأمريكية- جامعة كامبريدج- هيئة السلوك المالي البريطانية- بورصة ناسداك

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.