نبض أرقام
02:10 م
توقيت مكة المكرمة

2025/11/18
2025/11/17

القوة الشرائية الجديدة .. كيف يغيّـر الجيل زد ديناميكية اقتصاد العالم؟

08:49 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

يشهد العالم اليوم تحوّلًا اقتصاديًا واسعًا تعيد تشكيله فئة عمرية وُلدت في قلب العصر الرقمي، وعاشت لحظاتها الأولى بين الشاشات الذكية ومنصّات التواصل وتقنيات الاتصالات المتسارعة.

 

 

فجيل زد، وهو يشير إلى المولودين بين عامَي 1997 و2012، لم يعد مجرد شريحة ناشئة في الأسواق، بل أصبح قوة شرائية مؤثرة تعيد ترتيب موازين العرض والطلب، وتدفع الشركات والمؤسسات لإعادة النظر في استراتيجياتها الإنتاجية والتسويقية وخططها المستقبلية.

 

ويتعامل هذا الجيل مع التكنولوجيا بوصفها لغة يومية، ومع العالم بوصفه مساحة واحدة مترابطة لا تعترف بالحدود التقليدية، ومع الاستهلاك كأداة للتجربة والانتماء، لا لتلبية الاحتياجات الأساسية.

 

فهو يختار المنتجات والعلامات التجارية التي تمنحه شعورًا بالمواكبة والارتباط بالاتجاهات الحديثة أو بالهوية الرقمية للمجتمع الذي ينتمي إليه.

 

ويستخدم الاستهلاك وسيلة للتعبير عن الذات أو للمشاركة فيما يُعرف بالترند أو الظواهر الاجتماعية، بعيدًا عن فكرة الشراء التقليدي من أجل الحاجة الفعلية فقط.

 

لقد دخل هذا الجيل سوق العمل في لحظة اقتصادية حساسة، تتداخل فيها التحديات العالمية مع التحوّلات الاجتماعية، وتتشكل فيها أنماط جديدة للإنفاق والسلوك المالي.

 

ومع تزايد أعدادهم وارتفاع قدرتهم على التأثير، باتت اختياراتهم الاستهلاكية تُحدث تغيّرًا ملحوظًا في قطاعات كاملة، من تجارة التجزئة إلى السياحة، ومن الصناعة الإبداعية إلى التكنولوجيا المالية، وحتى مفاهيم الادخار والاستثمار.


ولا يعود ذلك إلى حجمهم الديمغرافي فحسب، بل إلى نوعية أدواتهم، وطبيعة تطلعاتهم، وطريقة تفاعلهم مع العلامات التجارية، وهذا ما يجعلهم يغيّرون قواعد اللعبة في الأسواق المحلية والعالمية معًا.

 

إن فهم القوة الشرائية لهذا الجيل لم يعد خيارًا، بل ضرورة اقتصادية تفرضها حركة السوق وتحديات المستقبل.

 

فالتغيير الذي يصنعونه اليوم لا يقتصر على سلوك المستهلك الفرد، بل يمتد ليشكل مسار النمو الاقتصادي، ويعيد رسم خريطة التنافس بين الشركات، ويدفع الحكومات والمؤسسات الاستثمارية إلى إعادة تقييم أولوياتها وسياساتها.

 

جيل زد أصبح كبيرًا بالفعل .. ويزداد ثراءً

 

لم يعد الجيل زد ظلاً بسيطًا على خريطة الأجيال؛ فقد أصبح أحد أعمدة الاقتصاد العالمي بفعل حجمه الضخم وقوّته الشرائية المتنامية، فمن حيث التعداد، تشير بيانات إلى أن الجيل زد يُمثّل نسبة تصل إلى حوالي 25–30% من سكان العالم.

 

 

في حين تقدر بعض المصادر الأخرى أعدادهم بأكثر من 2.5 مليار شخص خلال عام 2025، مما يجعلهم واحدًا من أكبر الأجيال التي عايشها التاريخ البشري.

 

أما من حيث القوة الشرائية لهذا الجيل فهي تتصاعد بسرعة لافتة، فوفقًا لبيانات نيلسن آي كيو، من المتوقع أن تصل القوة الشرائية العالمية للجيل زد إلى حوالي 12 تريليون دولار بحلول عام 2030.

 

كما أن تقريرًا صادرًا عن بنك أوف أمريكا يتوقع أنهم سيجمعون ما يقرب من 36 تريليون دولار من الدخل العالمي خلال الخمس سنوات المقبلة، قبل أن يصل هذا الرقم إلى 74 تريليون دولار تقريبًا بحلول عام 2040.

 

وحتى لو كان متوسط دخولهم أقل من بعض الأجيال السابقة، فإن سرعتهم في دخول سوق العمل، وتزايد رغبة بعضهم لشراء المنازل في أسواق معينة، واعتمادهم الكبير على الشراء الرقمي يجعل من اختياراتهم الاقتصادية عاملًا أساسيًا يوجه اتجاه السوق.

 

علاوة على ذلك، يواجه جيل زد تحديات مادية في عدة بلدان، حيث تظهر بيانات أن جزءًا كبيرًا منهم يدخل سوق العمل لكنه يواجه معدلات بطالة مرتفعة أو أجورًا أولية محدودة، وهو ما قد يجعلهم متطلعين نحو الاستقلال المالي بطريقة مختلفة.

 

أنماط إنفاق تعيد تشكيل الأسواق

 

لا يكتفي الجيل زد بالإنفاق، بل يمارسه بطريقة تختلف جذريًا عن الأجيال السابقة، فاختياراته الاستهلاكية تتجه نحو التجارب والقيم أكثر من السلع التقليدية.

 

إذ يخصّص هذا الجيل جزءًا أكبر من ميزانيته للأنشطة والسفر والمهرجانات، ولعمليات شراء تعكس مبادئ الاستدامة والمسؤولية الأخلاقية.

 

وقد أدى هذا التحول إلى وضع قطاعات الضيافة والسفر والعلامات ذات الرسائل القيمية في قلب المنافسة، حيث تُظهر بيانات الحجوزات العالمية ارتفاعًا ملحوظًا في الإقبال على الإقامات المستدامة والتجارب الغامرة مثل الزيارات الزراعية العضوية.

 

وبحسب بحث أجراه موقع مايند سيت، فإن 57% من أفراد الجيل زد يفضلون المنتجات الصديقة للبيئة، كما أكد البحث أن الكثير من جيل زد يخصص ميزانية كبيرة للسفر، ويعطي أولوية للخبرات الفريدة وخيارات الاستدامة عن الإنفاق على التسوق وشراء العلامات الفخمة.

 

 

ويمتد هذا التحول ليشمل الطريقة التي يكتشف بها الجيل زد المنتجات ويتفاعل معها، فهو جيل يتقن لغة الفيديو القصير، ويجد في المنصات الاجتماعية مثل تيك توك وإنستغرام مساحات طبيعية للبحث والشراء.

 

وتشير استطلاعات عدة إلى أن نسبة كبيرة من أبناء هذا الجيل تفضل استكشاف المنتجات من خلال الفيديو القصير، وأن احتمالات إتمام عملية الشراء ترتفع عندما يُقدَّم المنتج بأسلوب بصري سريع وحيوي.

 

ورغم أن الدخل الفردي للجيل زد لا يزال محدودًا نسبيًا مقارنة بالأجيال الأكبر سنًا، فإن هذا الجيل يُظهر حساسية ملحوظة للسعر دون أن يتخلى عن ولائه للقيم التي يؤمن بها، فهو مستعد لدفع مبالغ أعلى إذا لمس التزامًا حقيقيًا بالاستدامة أو الشفافية أو العدالة في سلسلة الإمداد.

 

وأشارت عدة تقارير نشرتها رويترز إلى أن المستهلكين من الجيل زد يكافئون العلامات التي تتبنى ممارسات أخلاقية واضحة، ما يدفع قطاعات مثل الملابس والقهوة ومستحضرات التجميل إلى إعادة ترتيب أولوياتها، والانتقال لنماذج إنتاج تتوافق مع معايير هذا الجيل.

 

وبهذه الممارسات، لا يغيّر الجيل زد فقط ما يشتريه، بل يعيد تشكيل معايير السوق نفسها.

 

شروط جديدة للعلامات التجارية

 

تفرض تفضيلات الجيل زد تغييرات واسعة تمتد من خطوط الإنتاج إلى أساليب التسويق ووصولًا إلى توجهات الاستثمار.

 

ففي جانب سلاسل الإمداد، اضطرت الشركات إلى الاستثمار في تقنيات تتبع سلسلة التوريد، مثل نشر خرائط الموردين، وتقديم بيانات الانبعاثات الكربونية.

 

وتتعرض العلامات التي تفشل في إثبات هذا الوضوح لضغط وانتقادات واسعة على المنصات الاجتماعية التي ينشط عليها الجيل زد بكثافة.

 

ولهذا لم يعد غريبًا أن نرى علامات عالمية تنشر تقارير الاستدامة وبيانات سلسلة التوريد مباشرة على صفحات المنتجات نفسها.

 

 

وفي عام 2023، أطلقت شركة "بوما" للملابس الرياضية مبادرة من أجل فتح حوار مع جيل زد لمراجعة شفافيتها في سلسلة التوريد واستدامتها، وذلك نتيجة لمطالب متزايدة من الشباب لمعرفة مكامن الإنتاج والتأثير البيئي لنشاطها الصناعي.

 

أما في جانب التسويق، فقد تراجع تأثير الإعلانات التقليدية أمام صعود المشاركة باعتبارها الركن الأساسي في التأثير على الجيل زد.

 

 فهذه الفئة لا تبحث عن إعلان موجَّه بقدر ما تبحث عن محتوى يولّده المستخدمون، وتجارب أصيلة، وشراكات مع مؤثرين يتمتعون بالمصداقية.

 

ويشكّل الجيل زد اليوم قوة دافعة لا يمكن تجاهلها، فهو لا يحرّك المال فقط، بل يوجّه الانتباه ويعيد صياغة أولويات السوق وطريقة عمله.

 

ومع اتساع أثره عبر قطاعات التجزئة والإعلام والتمويل، لم يعد السؤال هو هل يجب على الشركات الاستعداد لهذا الجيل؟ بل كيف يمكنها مواكبة إيقاعه المتسارع دون فهم عميق لأنماط إنفاق هذا الجيل وسلوكه الرقمي.

 

ولذلك يصبح من الضروري أن تعيد الشركات قراءة بياناتها من منظور جديد، بحيث تتمكن من تتبع حجم تعامل الجيل زد مع منتجاتها وخدماتها، وقياس الفرص المستقبلية بناءً على معدلات نموه الرقمي السريع، حتى لا تصبح خارج دائرة المنافسة في وقت قصير.

 

وفي عالم تتقدم فيه التجارة القائمة على الفيديو بسرعة غير مسبوقة، تفرض عادات الجيل زد إعادة بناء منظومات البيع والتسويق جذريًا.

 

 فالعلامات التي تتقن هذا التحول وتبني شراكات مدروسة وتنتهج معايير أداء دقيقة ستتمكن من الوصول إلى قلب هذا الجيل قبل منافسيها.

 

المصادر: أرقام- نيلسن آي كيو- شركة ماكينزي للأبحاث- ديلويت- سبروت سوشيال- رويترز- دي إتش إل- مركز بيو للأبحاث- منتدى الاقتصاد العالمي- مجلة فوج- شركة مايند سيت للأبحاث

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.