خلال الأسابيع والأشهر الماضية شهدت أسواق الأسهم والمعادن النفيسة والعملات المشفرة تقلبات كبيرة، حيث وصلت غالبيتها إلى قمم استثنائية، ولكنها شهدت تراجعات أيضاً وصلت إلى حد انتشار جمل مثل "في أدنى مستوياتها منذ أسابيع" بشكل مضطرد.
ومع هذا التقلب تظهر العديد من الفرص، في ظل تعدد القيعان والقمم السعرية، فضلاً عن سرعة الوصول إليها، بما يجعل الكثير من المستثمرين يخشون "فوات الفرصة"، لا سيما وأن الاتجاه العام لغالبية الأسواق صاعد، بينما يحذر آخرون تراجعاً حاداً محتملاً -وفي رأي البعض حتمياً- ويرون الأولوية للتحوط.

فرصة لا تعوض أم تضخم في الأصول؟
وبشكل عام فلطالما كان سوق الأسهم ساحة لصراع الأهداف بين التحوّط من المخاطر واستغلال الفرص السانحة، ولكن الاختيار أصبح أكثر أهمية وصعوبة خاصةً مع التضخم الملحوظ في قيم الأصول.
وبشكل عام يصعب الرهان على استغلال الفرص في أسهم النمو مع حالات التقلب في الأسواق، خاصة أن كثيراً منها يشهد تقلبات حتى مع سيادة اتجاه صاعد، ومن ذلك ارتفاع سعر سهم شركة "أبل" بأكثر من 130% بين نوفمبر 2020 ونوفمبر 2025، لتتخطى قيمتها السوقية في 14 نوفمبر 4 تريليونات دولار.
فمن الواضح في حالة "أبل" أن الكثير من المتداولين يصرون على اعتبارها "فرصة" لا يجب تفويتها، وذلك على الرغم من التحديات الكثيرة التي تعترضها والتي توجب إعادة النظر في تقييم الشركة ذات مضاعف الربحية الذي يتجاوز 36.
فشركة "أبل" تواجه في الوقت الحالي مجموعة من التحديات التي تؤثر على مكانتها في السوق. أبرزها تباطؤ الابتكار، حيث أصبحت التحسينات في منتجات مثل آيفون وساعة أبل طفيفة مقارنة بالمنافسين الذين يحققون تقدماً كبيراً في الذكاء الاصطناعي.
إضافة إلى ذلك، تواجه أبل ضغوطاً تنظيمية كبيرة، مثل القوانين الأوروبية التي تجبرها على تغيير سياسات متجر التطبيقات، في وقت تتزايد فيه التحديات المرتبطة بسلسلة الإمداد نتيجة الرسوم الجمركية ونقل التصنيع خارج الصين، وهو ما يرفع التكاليف التشغيلية.
وأخيراً، المنافسة الشرسة في الأسواق الرئيسية مثل الصين، وتراجع الطلب على الجوالات الذكية، يضع الشركة أمام خطر الاعتماد المفرط على إيرادات آيفون.
ولهذا يمكن تبرير صعود "أبل" بخوف البعض من "فوات الفرصة"، حيث يساهم المستثمر الذي يسعى للحاق بالاتجاه الصاعد للسوق في استمرار هذا الاتجاه.

دروس كورونا
وكان هذا واضحاً في السوق الأمريكية خلال عامَي الجائحة، وتحديدًا عام 2020، حيث صعدت أسعار 97% من الأسهم الأمريكية ولم يتراجع سوى 3% منها فقط، مما أسفر لاحقاً عن الانهيارات السعرية التي شهدها السوق الأمريكي قبل انتعاشها مجدداً.
إذ أدى دخول عشرات الآلاف من غير المدربين والراغبين في اللحاق بالفرصة إلى السوق إلى إقبال كبير على شراء "الأسهم ذات الجاذبية" أو "الأسهم الشهيرة"، وهو ما دفع كافة المؤشرات للصعود بالتزامن، وهو أمر نادر الحدوث للغاية إلا في فترات الرواج الشديد، بينما كان الوضع مُغايراً في ظل الضبابية الاقتصادية التي فرضتها الجائحة.
وقد تسبّب هذا النجاح "غير المنتظر" والمبني على المصادفة في تكوين ثقة غير مُبررة لدى هؤلاء المبتدئين، حيث ضخّوا أموالاً جديدة وكثيرة أوجدت اتجاهاً صاعداً، حتى في ظل ارتفاعات قياسية. ولكن، تسبّب تراجع السوق بنسبة 20% بين نوفمبر 2021 ويونيو 2022 في خروج نسبة كبيرة من تلك الأموال وهي خاسرة.
في المقابل، يبرز الاستثمار في "أسهم التحوط" أو انتظار تحقيق الأرباح في قطاعات أقل "مغامرة" كنقيض للتخوف من فوات الفرصة.
يمكن ضرب مثال بالتحوط في قطاع العقارات بالولايات المتحدة، إذ لا تقل نسبة الأرباح (قياساً إلى سعر السهم) في أبرز 12 شركة عقارية عن 4%، وهو معدل "جيد" يمكّن المستثمر من تجنب الآثار السلبية للتضخم وربما تحقيق مكاسب صغيرة، ولكنه لا يحقق النمو الذي ينشده الكثير من المتداولين.
وتشير دراسة أمريكية إلى أن قرابة 84% من المتداولين يضعون غالبية محافظهم في أسهم "البحث عن الفرصة" بالأساس، إذ يتفق هذا الميل مع "نظرة" الكثيرين إلى سوق الأسهم بوصفه استثماراً عالي المخاطرة، مع لجوء من يريد استثماراً أقل مخاطرة إلى صناديق التحوّط أو الذهب والعقارات وغيرها.
ولهذا، يشير استطلاع لمركز "بيو" إلى أن 91% من المتعاملين يرون أن أسواق الأسهم "يجب أن تكون الأكثر ربحية على الإطلاق"، إذ إن عدم تحقيقهم لربح يفوق أشكال الاستثمار الأخرى يجعل شراء الأسهم غير ذي جدوى بالنسبة إليهم.

بيتكوين درس للمستقبل
ومثل هذا التصور يناقض تحركات متداول مثل، "بيل جيتس"، مؤسس "مايكروسوفت"، والذي يعد أحد أنجح المتداولين في العالم، حيث تعكس استثماراته في الأسهم التوازن والانضباط أولاً في اختيار أسهم ذات قدر قليل من المخاطرة، مع تحيز واضح لما يفهمه شخصياً، ولهذا، تظهر في محفظته أسهم متوازنة مثل:
- فيديكس: نمو سنوي 9% وتوزيع أرباح حوالي 2% سنوياً.
- وول مارت: نمو سنوي متوسط 15% وتوزيع أرباح حوالي 2% سنوياً.
- كوكاكولا: توزيع أرباح 3.22% ونمو سنوي متوسط 5%.
وبذلك يبقى "مايكروسوفت" هو السهم الرئيسي "المغامر" في محفظته، لارتباطه بقطاع التكنولوجيا الصاعد والذي تهدده فقاعة الذكاء الاصطناعي، ويعد الاحتفاظ به في حالة جيتس منطقياً في ظل ارتباط اسم الشركة نفسه به بشكل أو بآخر.
ولعل ما حدث لسوق البيتكوين الأيام الماضية تحذير واضح للخائفين من فوات الفرصة، حيث تراجع الأصل الإلكتروني لينحدر تحت مستوى 94 ألف دولار في منتصف نوفمبر هذا العام، ليبدد كافة مكتسباته منذ بداية العام، وذلك بعد أن سجل قمماً سعرية تخطت 122 ألف دولار.
فالارتفاع لأسباب "غير منطقية" يسهل تبدده لاحقاً، وهو ما حدث في حالة البيتكوين، وهو ما يحذر كثيرون من المنبهين إلى "فقاعة الذكاء الاصطناعي" إلى أنه قد يتكرر قريباً في سوق الأسهم.

فدراسة حديثة تشير إلى ارتباط قوي بين المبالغة في تقييم الشركات وزيادة إنفاقها على البحث والتطوير؛ إذ إن أكثر من 70% من أكبر 500 شركة ذات مكرر ربحية مرتفع تخصص نسباً كبيرة من دخلها للأبحاث، وغالباً تتجاوز هذه النسبة 30% من الإيرادات، ولا شك أن شركات الذكاء الاصطناعي تبدو في طليعة المنفقين على البحث والتطوير.
والإنفاق على البحث والتطوير -بشكل عام- أمر إيجابي، ولكن مع حالة السيولة التي يشهدها المجال التكنولوجي بشكل عام فإن "الفرص" فيه تبدو محملة بخطورة شديدة، في ظل صعوبات كثيرة لتحويل الإنفاق الحالي إلى نتائج أعمال مستقبلية.
ولهذا فإن الكثير من الملتحقين بالأسواق في المرحلة الحالية -أو الباقين في بعض الأسهم- في القطاعات "المغامرة" وذلك خوفاً من "فوات الفرصة" قد ينتهي بهم الأمر إلى خسارة أداتهم الرئيسية وهي رأس المال.
وليس معنى ذلك الامتناع عن الالتحاق ببعض "الفرص" ولكن ضرورة الدراسة الاستثنائية والمكثفة لأسس الشركات وطبيعة استثماراتها، وعدم ضخ رأس المال إلا بعد التيقن من فرص النجاح الحقيقية وليس استجابة لمنحنى صاعد، ليبقى التحوط ضد التقلبات هو القرار المنطقي في غياب مثل هذه الفرص.
المصادر: أرقام- فوربس- سي.إن.بي.سي- إنك- بارون
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: