نبض أرقام
07:38 م
توقيت مكة المكرمة

2025/12/17
2025/12/16

سوق العملات .. لماذا تتفوق المؤسسات على الأفراد في تحقيق الأرباح؟

07:55 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في أحد أيام التداول المعتاد، جلس مستثمر مخضرم يتابع شاشة التداول في منزله، يراقب حركة العملات الأكثر تداولًا في العالم، وذلك قبل دقائق قليلة من صدور قرار مهم لأحد البنوك المركزية الكبرى.

 

 

وكان هذا المستثمر يتوقع اتجاه السوق، وحدد نقطة الدخول، ليضغط زر التنفيذ بثقة قبل إصدار القرار، لكن ما إن صدر القرار الذي توقعه حتى تحرك السعر بعنف في الاتجاه المعاكس، لتغلق الصفقة بخسارة سريعة، قبل أن يستوعب ما حدث.

 

في المقابل، وعلى بعد آلاف الكيلومترات، كانت فرق تداول في بنوك عالمية وصناديق استثمار قد استعدت لهذا الحدث منذ أسابيع عبر نماذج اقتصادية، وسيناريوهات متعددة، وأوامر موزعة مسبقًا، وأنظمة تنفيذ فائقة السرعة.

 

وسمحت تلك الوسائل للصناديق بالتفاعل مع الخبر في أجزاء من الثانية، بل والاستفادة من التقلبات التي أطاحت بآلاف المستثمرين الأفراد.

 

وتعد أسواق العملات الأجنبية، المعروفة باسم سوق الفوركس، أكبر الأسواق المالية في العالم، إذ يبلغ حجم التداول اليومي فيها أكثر من 9.6 تريليون دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات بنك التسويات الدولية.

 

ورغم هذا الحجم الهائل والسيولة المرتفعة، فإن المستثمرين الأفراد يعانون باستمرار من ضعف الأداء مقارنةً بـ المؤسسات المالية الكبرى مثل البنوك العالمية، وصناديق التحوط، ومديري الأصول، عندما يتعلق الأمر بتحقيق أرباح من تحركات أسعار العملات.

 

هذا التفاوت ليس مجرد انطباعات عامة، بل هو واقع موثق ومدعوم بالبيانات، ففي حين تدير المؤسسات محافظ ضخمة تتضمن استراتيجيات متقدمة لإدارة مخاطر العملات والمضاربة المنظمة، يدخل الأفراد السوق غالبًا برؤوس أموال محدودة، وأدوات مبسطة.

 

ونتيجة لذلك، يظهر سجل طويل من الخسائر المتراكمة في أوساط المستثمرين الأفراد مقارنة بالقدرة النسبية للمؤسسات على تحقيق عوائد مستقرة.

 

العوائق الهيكلية وضعف الوصول إلى السوق

 

تسيطر المؤسسات المالية الكبرى على النصيب الأكبر من سوق العملات، إذ تشير التقديرات إلى أن ما بين 85% و90% من إجمالي حجم التداول في سوق الفوركس يتم بواسطة المؤسسات، في حين لا تتجاوز حصة المستثمرين الأفراد 10% إلى 15% فقط.

 

ويمنح هذا الخلل في التوزيع المؤسسات ميزة واضحة في اكتشاف الأسعار، وتوقيت الدخول والخروج من الصفقات، والوصول المباشر إلى السيولة، وهو ما ينعكس على قدرتها على تحقيق نتائج أكثر استقرارًا مقارنةً بالمستثمرين الأفراد.

 

 

في المقابل، يتعامل المستثمر الفردي عادة مع سوق العملات عبر وسطاء التجزئة ومنصات العقود مقابل الفروقات، وهي أدوات تتيح التعرض لتحركات العملات، ولكن بأسعار أقل تنافسية وهوامش أوسع من تلك المتاحة في السوق البنكي المباشر.

 

ويعود ذلك إلى اعتماد هذه المنصات على مزودي سيولة من الدرجة الثانية، ما يؤدي إلى فجوة في جودة التسعير وسرعة التنفيذ مقارنة بما تحظى به المؤسسات الكبرى.

 

وتعمق الفجوة التكنولوجية هذا الاختلال الهيكلي، إذ تستثمر المؤسسات في بنى تحتية متطورة للتداول تشمل أنظمة تنفيذ آلية، وخوادم قريبة من مراكز التداول العالمية، وتقنيات تقلل زمن التأخير إلى أجزاء من الثانية.

 

وتتيح هذه القدرات للمؤسسات استغلال فروقات سعرية صغيرة جدًا لا يمكن للمستثمر الفرد الوصول إليها باستخدام منصات التداول التقليدية، خاصة في أوقات صدور البيانات الاقتصادية أو التقلبات الحادة.

 

ونتيجة لذلك، يجد المستثمر الفرد نفسه في موقع متأخر في كثير من الأحيان، إذ يدخل السوق بعد أن تكون الحركة السعرية قد استوعبت المعلومات الأساسية.

 

في وقت تكون المؤسسات قد سبقت إلى التمركز أو الخروج من الصفقات، وهو ما يحد من قدرة الأفراد على تحقيق أرباح مستدامة في بيئة تنافسية عالية السرعة والكفاءة.

 

لماذا ترجح كفة المؤسسات؟

 

تدير المؤسسات المالية محافظ ضخمة ومتنوعة، ما يمنحها قدرة عالية على امتصاص التقلبات المؤقتة وتوزيع المخاطر عبر عملات وأسواق وأدوات مالية متعددة.

 

ويسمح هذا الحجم من رأس المال للمؤسسات بتحمل فترات التراجع دون التعرض لضغوط فورية، على عكس المستثمر الفرد الذي يعمل غالبًا بحسابات صغيرة نسبيًا، ما يجعله أكثر حساسية للتحركات السعرية الحادة وأكثر عرضة للخسائر السريعة.

 

وتعزز المؤسسات هذا التفوق من خلال اعتماد استراتيجيات تحوط متقدمة باستخدام العقود الآجلة والخيارات والمشتقات المالية، بما يتيح لها إدارة المخاطر بشكل منظم ومتوازن.

 

وعلى النقيض، يندر أن يمتلك المستثمر الفرد المعرفة أو الخبرة أو الإمكانات الفنية التي تمكنه من تطبيق هذه الأدوات بفاعلية، الأمر الذي يحد من قدرته على حماية رأس ماله في ظروف السوق المتقلبة.

 

 

وتعكس أنماط الربحية هذا التفاوت بوضوح، إذ تظهر بيانات الصناعة أن ما بين 75 و90% من متداولي الفوركس الأفراد يتكبدون خسائر على المدى الطويل، وهي نسبة مرتفعة تعكس الطبيعة غير المتكافئة لسوق العملات.

 

وعلى العكس من ذلك، تركز المؤسسات على تحقيق عوائد سنوية مستقرة تتراوح غالبًا بين 8 و15% ضمن أطر صارمة لإدارة المخاطر، بدلًا من الاعتماد على المضاربة قصيرة الأجل ذات المخاطر المرتفعة.

 

وتزيد الرافعة المالية من حدة هذا الاختلال، حيث تعرض منصات التداول للأفراد مستويات مرتفعة من الرافعة بهدف جذب المستخدمين، إلا أن هذه الأداة بمثابة سلاح ذي حدين.

 

وفي سوق يتفاعل بقوة مع البيانات الاقتصادية وقرارات البنوك المركزية، تؤدي الرافعة المرتفعة في كثير من الأحيان إلى تصفية الحسابات سريعًا، خاصة المستثمرين محدودي رأس المال، بينما تستخدمها المؤسسات ضمن استراتيجيات محسوبة ومقيدة بإجراءات صارمة.

 

والرافعة المالية هي أداة تسمح للمستثمر بالتحكم في مبلغ أكبر من الأموال مقارنة بما يمتلكه فعليًا في حسابه.

 

على سبيل المثال، إذا كان لديك 1000 دولار واستخدمت رافعة مالية بنسبة 10:1، فهذا يتيح لك التداول بما يعادل 10 آلاف دولار أمريكي في السوق، وهو ما يعني أن أي حركة صغيرة في سعر العملة يمكن أن تضاعف الأرباح، لكنها بالمقابل تضاعف الخسائر بنفس القدر.

 

الفجوة المعلوماتية والسلوكية

 

تمتلك المؤسسات المالية بنية معلوماتية متقدمة تشمل فرق أبحاث متخصصة، ونماذج اقتصادية وكمية متطورة، وأنظمة تحليل بيانات آنية تمكنها من استيعاب المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية فور حدوثها، والتفاعل مع تحركات العملات بسرعة وكفاءة عاليتين.

 

في المقابل، يعتمد المستثمر الفرد في الغالب على معلومات عامة متاحة للجميع، أو على تحليلات فنية مبسطة تصل إليه بعد أن تكون السوق قد قامت بتسعير الخبر واستيعاب أثره، ما يضعه في موقع متأخر من حيث التوقيت وجودة القرار.

 

ويعد هذا الخلل في الوصول إلى المعلومات وتحليلها أحد الأسباب الجوهرية التي تفسر تفوق المؤسسات في سوق العملات.

 

 

ففي الولايات المتحدة، تظهر البيانات التنظيمية التي تلزم الوسطاء بالكشف عنها أن نسبة حسابات المتداولين الأفراد التي تكون مربحة في سوق الفوركس غالباً ما تتراوح بين حوالي 25% و30% في أي ربع سنة.

 

ويعني هذا أن ما يقرب من 70% من حسابات التداول للأفراد لا تحقق ربحًا خلال نفس الفترة.

 

وتلعب العوامل النفسية والسلوكية دورًا محوريًا في تعميق هذه الفجوة، فالمستثمرون الأفراد يكونون أكثر عرضة لتحيزات مثل الثقة المفرطة، والخوف من الخسارة، وسلوك القطيع، وهي عوامل غالبًا ما تقود إلى قرارات اندفاعية وغير منضبطة.

 

وعلى النقيض من ذلك، تخضع قرارات المؤسسات لأطر حوكمة واضحة، ولجان مخاطر مستقلة، ونماذج كمية تحد من تأثير العاطفة، ما يجعل عملية اتخاذ القرار أكثر اتساقًا وانضباطًا.

 

كما تعتمد المؤسسات مثل البنوك العالمية وصناديق التقاعد على فرق متعددة التخصصات لتطوير استراتيجيات تداول مبنية على نماذج معقدة يصعب على المستثمر الفرد الوصول إليها أو منافستها، مستفيدة من قدرتها على التحوط وتنويع المخاطر عبر أسواق متعددة.

 

وتظهر الأحداث الكبرى، مثل قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الفجوة الزمنية بين استجابة المؤسسات الفورية وتحرك المستثمرين الأفراد بعد فوات الأوان.

 

ورغم أن تحقيق أرباح فردية في سوق العملات ممكن، إلا أن الوصول إلى أداء مشابه لأداء المؤسسات يظل تحديًا بالغ الصعوبة.

 

في نهاية المطاف، تكافئ أسواق العملات الحجم، المعرفة، الانضباط، والبنية التحتية، وهي عناصر لا تتوافر بسهولة للمستثمر الفرد، ما يجعل التفوق المؤسسي واقعًا يصعب التغلب عليه.

 

المصادر: أرقام- بنك التسويات الدولية- إيرن فوركس- إي ريم بيزنس- إي بي سي فاينانشال- ميديوم – فوركس بال- كواد كود- مون دي إف إكس

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.