نبض أرقام
05:42 م
توقيت مكة المكرمة

2025/12/27
2025/12/26

في زمن الضجيج الرقمي .. العلامة التجارية سلاح الشركات الأهم

07:29 ص (بتوقيت مكة) أرقام

لم نعد نعيش في عصر نقص المعلومات، بل في زمن التخمة المفرطة. عناوين لا تنتهي، محتوى يتدفق بلا توقف، ومنصات رقمية تتسابق على انتباه الإنسان حتى كاد المعنى يضيع وسط الصخب.

 

مصطلحات مثل "التخمة المعلوماتية" و"تسمم المعلومات" لم تعد توصيفات نظرية، بل واقعًا يوميًا يعيشه الأفراد والمؤسسات على حد سواء. واليوم، أضيف إلى هذا المشهد مصطلح جديد أكثر قسوة: "نفايات الذكاء الاصطناعي، في إشارة إلى الكم الهائل من المحتوى الرديء أو المضلل الذي تنتجه الخوارزميات.

 

 

النتيجة واحدة مهما اختلفت المسميات: شعور عام بالإرهاق، والتوتر، والارتباك.

 

وهو شعور مبرر تمامًا إذا علمنا أن العالم ينتج يوميًا ما يقدر بنحو 400 مليون تيرابايت من البيانات.

 

رقم يفوق قدرة الدماغ البشري على الاستيعاب، حتى قبل أن نأخذ في الاعتبار عنصرًا أكثر خطورة: التضليل المتعمد.

 

"المخاطر العالمية 2025"

 

وفق تقرير "المخاطر العالمية 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، صُنفت المعلومات المضللة والأخبار الزائفة باعتبارها الخطر الأكبر من حيث الشدة خلال العامين المقبلين.

 

ومع تسارع استخدام الذكاء الاصطناعي، بات تآكل الحقيقة يكلف الاقتصاد العالمي نحو 78 مليار دولار سنويًا.

 

وفي المملكة المتحدة وحدها، يشير أكثر من 90% من السكان إلى أنهم شاهدوا محتوى مضللًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

أما الرقم الأكثر إثارة للقلق، فهو أن 70% من الناس يعتقدون أن قادة في مجالات الأعمال والحكومات ووسائل الإعلام يتعمدون تضليلهم.

 

هنا تتجلى المفارقة الكبرى التي تواجه القادة اليوم: لدينا معلومات أكثر من أي وقت مضى، وقنوات اتصال لا حصر لها، لكن الثقة فيما يُقال وما يُعرض في تراجع مستمر.

 

وفي عالم يتسم بالاستقطاب وعدم اليقين، أصبحت الثقة العملة الأندر والأكثر قيمة.. وغالبًا الأكثر إهمالًا.

 

العلامة التجارية.. خط الدفاع الأول

 

وسط هذا المشهد القاتم، ثمة خبر جيد: المؤسسات تمتلك بالفعل ترياقًا لهذه الأزمة. وليس هذا الترياق أداة جديدة أو منصة مبتكرة، بل شيء أكثر جوهرية وعمقًا: علامة تجارية واضحة، متسقة، وقائمة على القيم.

 

غالبًا ما يُستخدم مصطلحا "العلامة التجارية" و"السمعة" بالتبادل، لكن الخلط بينهما في هذا العصر قد يكون مكلفًا. فالسمعة هي الصورة التي يرسمها الآخرون عنك، قصة تُبنى بمرور الوقت وتتأثر بالإعلام والخوارزميات وتجارب الناس. يمكنك توجيهها، لكنك لا تملك السيطرة الكاملة عليها.

 

أما العلامة التجارية، فهي القصة التي ترويها أنت عن نفسك، التعبير المتعمد عمّن تكون، وما الذي تؤمن به، والأثر الذي تسعى إلى تحقيقه.

 

في زمن تنتشر فيه المعلومات المضللة بسرعة الضوء، تصبح العلامة التجارية أصلًا وقائيًا بالغ الأهمية.

 

فهي تخلق التعرف والاعتياد، وتمنح الجمهور نقطة مرجعية واضحة يعود إليها حين تختلط الحقائق بالأكاذيب.

 

عندما يعرف الناس من أنت، لأنك عبّرت عن ذلك بوضوح وكرّسته باستمرار، يصبحون أقل عرضة لتصديق السرديات الزائفة.

 

العلامة التجارية القوية، القائمة على القيم، تؤدي وظيفتين أساسيتين: فهي أولًا تثبّت الحقيقة، وتمنح الجمهور مرساة فكرية عند ظهور التضليل. وثانيًا، تُبسّط الاختيار، وتخفف العبء الذهني الناتج عن التخمة المعلوماتية.

 

وإذا كانت السمعة هي الأرض التي تدافع عنها المؤسسة، فإن العلامة التجارية هي الأداة التي تخوض بها هذا الدفاع.

 

سد فجوة الثقة

 

بعد ضبط "بوصلة" العلامة التجارية، تبدأ أصعب مراحل الرحلة: التعامل مع فجوة الثقة الحديثة.

 

في عام 2025، لا تزال الشركات تُعد المؤسسة الأكثر ثقة نسبيًا، وفق "مؤشر إيدلمان للثقة"، وهي الجهة الوحيدة التي يُنظر إليها باعتبارها تجمع بين الكفاءة والأخلاق.

 

ومع ذلك، فإن الثقة في مصادر الأخبار كافة، من الإعلام التقليدي إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث وحتى القنوات المملوكة للمؤسسات نفسها، تشهد تراجعًا ملحوظًا.

 

تزداد الصورة تعقيدًا مع تنامي الاعتقاد بأن قادة الأعمال والحكومات والصحفيين يتعمدون تضليل الرأي العام.

 

غير أن سد هذه الفجوة ليس مسألة أخلاقية فقط، بل له مبرر اقتصادي واضح. فقد أظهر بحث لصحيفة "فايننشال تايمز" أن الثقة أصبحت ثاني أقوى عامل، بعد جودة المنتج أو الخدمة، في التأثير على الأرباح والحصة السوقية واكتساب العملاء.

 

ولإغلاق هذه الفجوة، تبرز ثلاث ركائز أساسية: الوضوح، والاتساق، والمصداقية.

 

فالعلامة التجارية الواضحة تخلق اصطفافًا داخليًا وخارجيًا حول رسالة واحدة وجوهر واحد يتكرر بثبات.

 

أما الاتساق، فتؤكد نظريات الاتصال أنك تحتاج إلى تكرار الرسالة مرات عدة قبل أن ترسخ في الأذهان، شرط أن تكون بسيطة ومحددة.

 

أما المصداقية، فهي الأساس الذي تُبنى عليه الثقة؛ إذ يجب أن تكون العلامة التجارية منسجمة مع القيم والاستراتيجية والرسالة الفعلية للمؤسسة، وإلا انهارت الثقة عند أول تناقض بين القول والفعل.

 

 

الموظفون.. القوة الخفية للعلامة التجارية

 

تنفيذ العلامة التجارية لا يحدث ببيان صحفي أو حملة إعلانية، بل يمر بثلاث مراحل مترابطة: التوضيح، ثم الدمج، ثم التعزيز.

 

تبدأ العملية بتحديد سردية واضحة للعلامة التجارية في عبارة واحدة يستطيع الجميع استخدامها، ثم بناء رسائل وأدلة تدعمها.

 

لكن المرحلة الحاسمة هي الدمج، حيث يتحول الموظفون إلى سفراء حقيقيين للعلامة. عندما تُدمج قيم العلامة في التوظيف، والتدريب، والقيادة، والمحادثات اليومية، يصبح الجميع ناطقًا بلغة واحدة منذ اليوم الأول.

 

ومن هنا، يجب أن تبدأ معرفة العلامة التجارية وفهمها من الداخل قبل الخارج. وعندما يتحقق ذلك، يصبح التعزيز الخارجي طبيعيًا؛ فالمحتوى والحملات والفعاليات والشراكات تحمل رسالة متسقة، مع احترام الخصوصيات الثقافية والجغرافية، دون التفريط في الجوهر.

 

نظام حي متطور

 

ومع ذلك، فالعلامة التجارية ليست كيانًا جامدًا، بل نظامًا حيًا يتطور مع تطور المؤسسة وتغير احتياجات أصحاب المصلحة.

 

ولهذا، تسعى بعض المؤسسات إلى إنشاء مجموعات استشارية داخلية لمتابعة تطور العلامة، وقياس صحتها، ليس بهدف الرقابة، بل بهدف الاستماع والتكيف.

 

في النهاية، النجاح لا يعني فقط أن يستخدم الجميع اللغة الصحيحة أو يرووا القصة نفسها، بل أن يفهموا لماذا هذه القصة مهمة.

 

ففي عالم يغرق في الضجيج، لم تعد العلامة التجارية القوية رفاهية أو خيارًا تجميليًا. إنها الإشارة وسط الفوضى، والبوصلة في زمن الارتباك، والمرساة التي تصمد حين تتشقق الثقة.

 

والسؤال الحقيقي لم يعد: هل تستطيع أن تتحمل تكلفة بناء علامة تجارية قوية؟

 

بل: هل تستطيع تحمّل كلفة عدم القيام بذلك؟

 

المصدر: "المنتدى الاقتصادي العالمي"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.