نبض أرقام
02:52 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/12/31
2025/12/30

عندما لم تعد البيانات وحدها كافية لفهم السوق

2025/12/30 أرقام


بقلم: إسلام زوين

 

مع نهاية عام مليء بالتحولات في السوق السعودي، يبرز سؤال جوهري: هل ما زالت البيانات وحدها كافية لفهم ما يجري؟ أم أن اتساع السوق وتسارع التغيرات يفرضان طريقة أعمق للقراءة والفهم؟

 

في لحظات التحول الحقيقي، لا تتغير الأسواق فقط، بل تتغير الطريقة التي نفهمها بها. لفترة طويلة، كانت البيانات كافية.

 

الأرقام، النتائج، مؤشرات الأداء، وحركة السوق كانت تقول لنا ما نحتاج إلى معرفته. وكان هذا صحيحا، بل وضروريا، في مرحلة كان فيها السوق أبسط، وأكثر خطية، وأقل تداخلاً. لكن الواقع تغيّر. البيانات لم تفشل لأنها خاطئة، بل لأنها لم تعد كافية للتفسير. فهي تخبرنا بما حدث، لكنها لا تشرح لماذا حدث، ولا ما الذي يتكوّن الآن، ولا إلى أين يمكن أن يتجه.

 

وهنا يبدأ الفرق بين الوصف والفهم. فالسوق السعودي اليوم لا يُقرأ من شاشة واحدة، ولا يُفهم من نتائج ربع سنوية فقط. إنه نتاج سياسات، ورؤية طويلة المدى، ومشاريع كبرى، وتحولات قطاعية، تبدأ آثارها قبل أن تظهر في البيانات، وتُتخذ قراراتها قبل أن تنعكس في القوائم المالية.

 

في هذا السياق، يصبح الاكتفاء بنقل الرقم (مهما كان دقيقاً) قراءة ناقصة. ومنذ تأسيسها، لم تُبنَ أرقام لتكون مجرد مستودع بيانات، بل لتكون أداة لفهم السوق. ومع تغير طبيعة السوق، كان لا بد أن تتطوّر طريقة التفكير، لا أن تتغير المبادئ. فالانتقال من وصف ما حدث إلى محاولة فهم ما يتكوّن ليس ترفاً فكرياً، ولا خروجاً عن الدور، بل استجابة مباشرة لواقع أكثر تعقيداً.

 

والأهم من ذلك، أن التحدي لم يعد فيما إذا كانت المؤسسات ستنمو، بل في كيف ستنمو. فالسؤال الحقيقي لم يعد: هل سنكبر؟ بل: هل سنكبر بالوتيرة، والعمق، والطموح نفسه الذي يتغير به السوق السعودي؟

 

في سوق يتّسع بهذه السرعة، قد لا يكون الخطر في التراجع، بل في النمو البطيء الذي يجعلنا أصغر نسبياً، حتى ونحن نبدو في حالة تقدّم.

 

هذا التحول لا يحدث بلا أثر. فعندما تتغير طريقة قراءة السوق، من الطبيعي أن تتباين زوايا النظر، وأن تختلف أساليب التفاعل مع هذا التعقيد المتزايد. هناك من يفضّل الوضوح الكامل والمسارات المحددة، وهناك من يرى في طرح الأسئلة جزءاً أساسياً من الفهم. وكلا النهجين كان (ولا يزال) جزءاً من رحلة التطور في أي سوق حي.

 

في المرحلة القادمة، لا تسعى أرقام إلى أن تكون أسرع خبر (بل أن تكون الأوثق)، ولا أعلى صوت (بل الأرشَد)، ولا مجرد ناقلٍ للمعلومة. بل أن تظل منصة لفهم السوق الذي اتسع، واستخراج الإشارات التي تعددت، وربط ما يحدث اليوم بما قد يؤثر غدًا. ستظل البيانات أساساً لا غنى عنه، لكنها لم تعد نهاية المطاف.

 

فالبيانات تصف الماضي، أما الفهم فيسبق المستقبل. وهذا التحول لا يلغي ما بُني، ولا ينتقص من الجهد الذي سبق، بل يضعه في سياقه الصحيح كنقطة انطلاق، لا كنقطة توقف.

 

ومع نهاية هذا العام، يبقى الرهان الحقيقي أن تظل أرقام وفية لدورها الأساسي: ليس فقط أن تُخبرنا بما حدث، بل أن تساعدنا على فهم ما يحدث، وما الذي قد يأتي بعده.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.