ألقى تقرير نشره موقع "بروجيكت سنديكيت" الضوء على أسباب اهتمام بعض الدول بالصادرات بشكل خاص، في حين أنها لا علاقة لها بتلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها.

وأشار التقرير إلى أن الكثير من المعارضين للتجارة الحرة، والعولمة الاقتصادية يرون أن الصادرات لا تمثل احتياجات أساسية للشعوب مثل التعليم والرعاية الصحية، والإسكان، والطاقة، والمياه، والاتصالات، والأمن، والقانون، والترفيه.
واعتبر التقرير أن التساؤل خاطئ في المقام الأول، حيث إن الحكومات التي تهتم بشعوبها فعلا ينبغي لها التركيز على الصادرات.
اقتصاد السوق والتطور
يرى كثيرون أن اقتصاد السوق لا يمثل سوى الجشع، فهو نظام لا يهتم فيه الجميع إلا بمصالحهم الشخصية فحسب، إلا أن الواقع يشير إلى أنه نظام يربط مقدار ما يحصل عليه الشخص بحجم ما يقدمه للآخرين.
يحتم اقتصاد السوق على الجميع النظر والقلق بشأن احتياجات الآخرين، لأن هذه الحاجات تعتبر مصدر رزق.
يشجع اقتصاد السوق على التخصص، أن تصبح دولة ما جيدة للغاية في مجموعة من المهارات أو المنتجات، لتستبدل ذلك بملايين المنتجات الأخرى التي لا تعرف كيفية صنعها، لينتهي الأمر بإنتاج أشياء قليلة وشراء كل شيء آخر من الدول الأخرى.
تعتبر هذه الملاحظة صحيحة بالنسبة للأفراد كما هي للأحياء، والمدن، والولايات، والدول، ففي كل مدينة توجد محال بقالة، وصالونات تجميل، ومحطات وقود، ودور سينما تخدم المجتمع المحلي، وهي الأنشطة التي يعتبرها الاقتصاديون "غير قابلة للتداول"، لأنها لم تضع في اعتبارها العملاء بعيدي المنال.
إلا أن مواطني الحي يريدون منتجات أخرى لا يعلم أحدهم كيفية صنعها، حيث إن معظم المدن لا تنتج المواد الغذائية، والسيارات، والأدوية، والأفلام، لذلك هم بحاجة لاستيرادها من أماكن أخرى، ودفع ثمنها من خلال استبدال ما ينتجون مع الخارج.
ولكن يمكن للدول الأخرى أن تشتري هذه المنتجات من مكان آخر، لذا فإن السلع والخدمات التي يمكن لمكان ما أن يبيعها للمواطنين في دول أخرى يعتبر عاملا مهما في تشكيل نوعية الحياة فيها، وقدرتها على البقاء.
مميزات التصدير
وعلى النقيض من الأنشطة غير قابلة التداول، تحتاج أنشطة التصدير إلى قاعدة قوية تمكنها من إقناع العملاء في الخارج بشرائها بدلا من الاتجاه لخيارات أخرى، وهو ما يعني أن الصادرات يجب أن تمتلك معدلا جذابا من الجودة، والتكلفة.
تحتاج الدول من أجل زيادة جاذبية منتجاتها في الخارج إما لتحسين الجودة والإنتاجية وإما إلى خفض الأجور، حيث إن كلما ارتفعت الإنتاجية وجودة أنشطة التصدير ارتفع الأجر الذي يمكن دفعه للعمال مع البقاء في المنافسة.
في حال ارتفع التشغيل في صناعة التصدير، كما هو الحال في معظم الأماكن التي لا تعتمد على عائدات النفط، فإن الأجور التي يمكن أن يتحملها قطاع التصدير يمكن أن تؤثر على أجور الجميع في المدينة، وبالتالي فإنه من مصلحة الجميع تحسين قطاع التصدير.
بسبب المنافسة الكبيرة، تميل أنشطة التصدير إلى الخضوع للتطويرات التكنولوجية والإنتاجية بشكل أسرع من أي جزء آخر في الاقتصاد، مع التهديد المستمر من المنافسين الآخرين، مثلما هو الحال بالنظر إلى "آيفون" وأثره على "نوكيا"، والنفط الصخري و"أوبك".

تميل الدول الناجحة إلى التحرك من تصدير البضائع الصناعية البسيطة تقنيًا والتي تمتلك تنافسية كافية لتصديرها إلى منتجات أكثر تعقيدًا.
في عام 1963 كانت سلة صادرات تايلاند تحتوي على 97% من المنتجات الزراعية والمعدنية مثل الأرز والمطاط، في حين أنه بحلول عام 2013 أصبحت هذه المنتجات تمثل 20% من الإجمالي، بينما شكلت الماكينات والمواد الكيميائية 56%.
يظهر هذا التحول في كل الدول النامية خارج منظمة "أوبك"، في حين أن النجاح يرتبط إلى حد كبير بقدرة الشعوب على تحقيق هذا التحول، كما حدث في سنغافورة، وتركيا مثلا.
الضرورة والعقبات
شدد التقرير على ضرورة عدم اكتفاء البلدان والأقاليم والمدن بالتركيز على الأشياء التي تهم السكان المحليين فحسب مثل التعليم والبنية التحتية، وإنما ضرورة دعم قدرتها التصديرية للخارج.
غالبا ما تكون احتياجات أنشطة التصدير غير واضحة تماما، كما أن القواعد المحددة لها، والبنية الحتية، والمهارات، والتكنولوجيا تميل إلى أن تكون مختلفة عن الأنشطة غير القابلة للتداول، والتي تولد عادة الجزء الأكبر من العمالة في البلد أو المدينة.
تواجه الأنشطة القابلة للتداول صعوبات كبيرة مقارنة بغيرها، مع حقيقة مواجهة المنافسة الأجنبية، وحاجة المصدرين لاتصالات قوية معرفية في الخارج، ما يجعلها أكثر حساسية للاستثمار الأجنبي، والهجرة، والروابط المهنية الدولية.
تحتاج البلدان إلى إيلاء اهتمام خاص بالأنشطة التي تنتج سلعا وخدمات يمكن بيعها في الخارج، من أجل البقاء على قيد الحياة والتطور، بالإضافة إلى الحاجة إلى خلق فرص تصديرية جديدة، وإزالة العقبات التصديرية.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: