لا تتوانى الصين في بناء بنيتها التحتية، فهي تمتلك أطول شبكات طرق وسكك حديدية فائقة السرعة في العالم، ولديها أعلى وأطول كوبري، وتبني قرابة عشرة مطارات سنوياً بما يفوق أي دولة أخرى، وتمتلك أقوى سد لتوليد الكهرباء وأكبر مزرعة رياح وطاقة مولدة من الفحم أكبر من الكم الذي يتم توليده في العالم بأكمله، وتساءل تقرير "الإيكونوميست" هل يتراجع نشاط البنية التحتية في الصين بعد الوصول لذروته؟
لكن يبدو أن ازدهار نشاط البنية التحتية قد خفت خلال العام الحالي، فبعد توسع استثماراتها بوتيرة كبيرة في معظم الوقت خلال العقود الثلاثة الأخيرة يتراجع نمو الاستثمارات على نحو حاد، ومنذ مايو/أيار الماضي تراجع الإنفاق على مشروعات السكك الحديدية ومصانع إنتاج الطاقة مقارنة بالعام الماضي.
التساؤل المطروح هنا، هل ما يحدث تغير مؤقت أم أساسي؟ يرى بعض المحللين أن انخفاض الإنفاق مجرد تغير قصير المدى يتعلق بجهود الحكومة للحد من الدين، ومع تصاعد حرب الصين مع أمريكا، يتوقعون محاولة الصين لدعم الاقتصاد من خلال جولة استثمارية أخرى في البنية التحتية.
لكن يعتقد آخرون أنه حتى إذا حاولت الصين فعل ذلك قد لا تنجح، لأنها تنفق على أشياء مثل بناء الطرق والموانئ وتركيب الكابلات في شهرين أكثر من إنفاق الهند في عام كامل، وبالتالي يرون أن البناء بوتيرة أكبر قد يرفع المخاطر في مقابل تراجع الطلب، وأن الوقت حان لإيجاد سبل أخرى لتحفيزالنمو.
الديون تدفع الحكومة الصينية لخفض الإنفاق على قطاع البناء
يتعلق تراجع إنفاق البنية التحتية مؤخراً بجهود الدولة للحد من تراكم الديون الحكومية، حيث تقترض بعض المدن بكثافة لبناء أنظمة نقل خاطفة للبصر وفي ظل حملة القضاء على نظام الظل المصرفي انحسرت الموارد المالية لديهم، كما استهدفت الحكومة المركزية الإسراف أيضاً، ففي العام الماضي أمرت بإيقاف إنشاء مترو أنفاق في مدينة باوتو التي يصل فيها الدين الحكومي إلى مستويات مرتفعة للغاية.
مع ذلك، تباطؤ نمو استثمارات البنية التحتية ليس لأسباب قصيرة الأجل فقط، إذ أصبح المسؤولون الصينيون أكثر تحفظاً عند وضع خططهم وأصدرت الحكومة مرسوماً في يوليو/تموز يضع قواعد جديدة صارمة لأنظمة مترو الأنفاق ويشترط ألا يقل تعداد سكان المدن عن 3 ملايين نسمة لتتمكن من إنشاء خط مترو، كما يجب عليهم التحكم في الديون وتغطية 40% على الأقل من تكاليف البناء من عائداته الخاصة.
وخلال الأسابيع الأخيرة قامت مدن بحالة اقتصادية أفضل من باوتو بتقليص خطط مترو الأنفاق، على سبيل المثال راجعت مدينة تشنغدو جدول أعمالها بخصوص نظام النقل من خلال تقليل حجم خطوط المترو عن ذي قبل.
هل تتوقف الصين عن استثمارات البنية التحتية بشكل كامل؟
ربما تعد مدينة نانتونج التي تقع على مسافة 150 كيلو مترًا شمال شنغهاي نموذجًا توضيحيًا على توسع الصين في إنشاء البنية التحتية وما فرضته عليها من قيود مؤخراً، حيث اقتربت المدينة من إنهاء كوبري معلق بأسلاك فولاذية سوف يكون الأول من نوعه في العالم، لكنها تراجع سقف طموحها لأن عدد سكانها يبلغ مليوني نسمة أي أقل من المطلوب لإنشاء خط مترو بحسب قرار الحكومة.
وبعيداً عن هذا المرسوم، فإن نانتونج لديها أفكار أخرى حيث يسير التدفق المروري فيها على ما يرام، وخططت المدينة لإنشاء ثمانية خطوط سكك حديدية كان سيتجاوز طولهم – 330 كيلومترًا – خطوط مترو طوكيو، والآن مع بطء تحرك الحكومة لن يتم الانتهاء من الخط الأول قبل 2022 أي بعد أربع سنوات من الموعد المستهدف، وبالنسبة للخط الثاني خارج طاولة النقاش في الوقت الحالي.
وفي حين يمثل إنفاق البنية التحتية نحو خمس الإنتاج السنوي للصين بأعلى من إنفاق معظم الدول الأخرى، قال عضو لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الصيني "ليو شيجين" في مؤتمر عُقد الشهر الحالي إن الفوائد التي تعود على الاقتصاد تختفي سريعاً، واقترح زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والترفيه بدلاً من ذلك.
ونادى مجلس الوزراء الصيني بعد اجتماع في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول إلى لتركيز على الاستثمارات الفعالة، ورغم جهود الحكومة المركزية للحد من الدين، تسمح الحكومة المركزية للمحليات المسؤولة مالياً بالإنفاق على البنية التحتية، فتواصل منح التراخيص للمشروعات الكبيرة وتشجع البنوك لشراء سندات الحكومة المحلية بما في ذلك المرتبطة بالبنية التحتية.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: