نبض أرقام
22:12
توقيت مكة المكرمة

2024/05/25

كيف بنت ألمانيا نهضتها الاقتصادية بعد الحرب؟

2019/02/08 أرقام - خاص

في خطاب لم يحظ بانتشار واسع، كان يتحدث وزير الخارجية الأمريكي "جورج مارشال" لطلاب جامعة هارفارد في يونيو عام 1947 عندما طرح فكرة البرنامج الأوروبي لإعادة الإعمار عقب الحرب العالمية الثانية، حيث كانت ترى واشنطن آنذاك أن القارة العجوز توشك أن تنهار اقتصاديًا بعد تدمير البنى التحتية الصناعية وتوقف التجارة وتفشي الجوع في ربوع المنطقة.

 

 

وكان الخطر الأكبر من وجهة نظر "مارشال" هي تحول البلدان الأوروبية التي عانت في ذلك الوقت من ويلات الحرب إلى الشيوعية، لكن خطابه كان بمثابة الفأس التي شقت نفقًا لإخراج هذه الدول -وعلى رأسها ألمانيا- من أزماتها، رغم أنه لم يحظ باهتمام خاص في ذلك الوقت، وفي النهاية استغرق الأمر 6 سنوات قبل التحرك فعليًا لمعالجة الأزمة.

 

ولم تهتم وزارة الخارجية الأمريكية نفسها في ذلك الوقت بإخبار أي من حلفائها الأوروبيين بما عرضه "مارشال"، ولم تر سفارة بريطانيا في واشنطن أهمية في إرسال نسخة من الخطاب إلى لندن، لكن لحسن الحظ تم تغطية كلمة "مارشال" من قبل "بي بي سي" في وقت كان يستمع فيه وزير الخارجية البريطاني "إرنست بيفين" للإذاعة.

 

إسقاط الديون لتلافي خطأ الماضي

 

- في السابع والعشرين من فبراير عام 1953، تم إبرام اتفاقية لندن بأن أسقطت نصف ديون ألمانيا (ألمانيا الغربية آنذاك)، أي ما قدره 15 مليارا من إجمالي 30 مليار  مارك ألماني (قرابة 13 مليار دولار، وفقًا لمعدلات الصرف الحالية).

 

- من بين أولئك الذين أسقطوا الديون عن ألمانيا، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، إلى جانب اليونان وإسبانيا وباكستان، والتي تعتبر من كبار المدينين في الوقت الحالي، وفقًا لتقرير أعدته اللجنة الدولية لإلغاء الديون غير الشرعية والمعروفة سابقًا باسم لجنة إسقاط ديون العالم الثالث.

 

- في السنوات التي تلت عام 1953، وافقت دول أخرى على إلغاء بعض الديون المستحقة على ألمانيا، بما في ذلك مصر والأرجنتين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكمبوديا والكاميرون وغينيا الجديدة ومالاوي وزامبيا وزيمبابوي.

 

 

- كان الدين الألماني نتاج فترتي ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وحصلت البلاد على نصف هذه القروض خلال عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن العشرين، قبل وصول النازيين إلى السلطة، وكانت تستخدم بشكل أساسي لسداد المدفوعات التي نصت عليها معاهدة فرساي عام 1919.

 

- هذه المدفوعات الضخمة قدمت كتعويضات للمنتصرين عقب هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، أما النصف الآخر من الديون فجاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بغرض إعادة إعمار البلاد من الدمار الذي لحق بها.

 

- أدرك الغرب دروس الماضي جيدًا، ولم يرغب في ارتكاب أخطاء ما بعد الحرب العالمية الأولى عندما فرضت قوى الحلفاء المنتصرة سلامًا عقابيًا على ألمانيا، وطالبتها بتعويضات ضخمة جراء الصراع، لذا حاول "مارشال" اتباع نهج مختلف.

 

سر الاهتمام الأمريكي

 

- لم يكن إسقاط الديون هو السبيل الوحيد رغم أنه كان الإجراء الأهم كي يستعيد الاقتصادان الألماني والأوروبي عافيتهما، وعلى مدار أربع سنوات أنفقت الولايات المتحدة 13 مليار دولار أملًا في إعادة بناء القدرات الاقتصادية لأوروبا وتمكين بلدانها من التبادل التجاري مع بعضهم البعض والتصدي لتهديدات الاتحاد السوفيتي، وفقًا لصحيفة "الجارديان".

 

- سلوك الولايات المتحدة لم يكن نابعًا من الشعور بالشفقة على شعوب هذه الدول أو رغبتها في ممارسة دورها الريادي فحسب، حيث كانت تحتاج أيضًا إلى إيجاد مزيد من الأسواق لترويج منتجاتها في وقت كانت تشكل فيه وحدها نصف الإنتاج العالمي وتراجع خلاله الطلب الألماني والفرنسي والإيطالي بشكل هائل.

 

 

- كانت بريطانيا المستفيد الأكبر من مساعدات "مارشال" وحصلت على أكثر من ربعها، فيما تلقت ألمانيا 1.1 مليار دولار وهو ما يعادل أربعة أضعاف ما حصلت عليه اليونان، لكن ما تلقتها الأولى كان يعادل آنذاك 4% من الناتج المحلي لها، فيما كان نصيب الثانية من المساعدات يعادل 200% من ناتجها، وفقًا لمركز أبحاث "أيفو" في ميونخ.

 

- يقول أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة لندن "ألبريخت ريتشل"، في مقالة نشرتها "الإيكونوميست": كان لخطة "مارشال" إطار خارجي وهو برنامج الإنعاش الأوروبي، وجوهر داخلي وهو إعادة البناء الاقتصادي على أساس إسقاط الديون وتحقيق التكامل التجاري مع ألمانيا.

 

- آثار هذه الجهود كانت هائلة، ففي حين عانت أوروبا الغربية في الخمسينيات من ارتفاع معدل الدين إلى 200% من الناتج المحلي الإجمالي، تمتعت ألمانيا الغربية بمعدل دين يقل عن 20%، والأهم أنها استفادت كثيرًا من إعادة دخولها إلى الأسواق الأوروبية.

 

الحياة تدب مجددًا في الاقتصاد الألماني

 

- الرغبة الأمريكية لا تقلل من أهمية الدور الذي لعبه المفاوضون الألمان خلال المحادثات في لندن، حيث نجحوا في إقناع الحضور بأن الديون التي تثقل البلاد ستعرقل الجهود الرامية لإعادة بناء الاقتصاد وهو ما أسفر عن تخفيض المديونية.

 

- ليس ذلك فحسب، نجح المفاوضون الألمان في إقناع الدائنين بأن يكون سداد الدفعات المتبقية مشروطًا بتحقيق البلاد فائضًا تجاريًا، أي أنه لا يتوجب على الحكومة الألمانية سداد أي أموال إلا إذا كانت تستطيع ذلك وليس عن طريق المزيد من الديون.

 

- ربط سداد الديون المتبقية بتحقيق ألمانيا فائضًا تجاريًا، شجع الدول الدائنة على استيراد المنتجات الألمانية حتى تتمكن في وقت لاحق من استرداد أموالها، ومن هنا انطلق ما يعرف بـ"المعجزة الاقتصادية الألمانية" حيث وصلت البلاد إلى مرحلة التوظيف الكامل سريعًا بفضل الأداء القوي لقطاع التصدير الذي أرست برلين قواعده منذ ذلك الحين ليصبح أحد أعمدة الاقتصاد الوطني الآن.

 

 

- مع تخفيف الديون وسعر الفائدة (تم إعفاء بعضها من الفائدة)، بلغت قيمة المدفوعات المستحقة ما يعادل 2.9% من عائدات الصادرات عام 1958 (العام الذي بدأت فيه ألمانيا سداد الالتزامات)، لكن هذه النسبة انخفضت بمرور الوقت مع نمو الصادرات، وتشير بعض التقديرات إلى أن إعفاءات الديون التي استفادت منها ألمانيا خلال الفترة من 1947 إلى 1953 كانت تعادل نحو 280% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

 

- على النقيض ينظر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حاليًا إلى مدفوعات الديون التي تتراوح بين 15% إلى 20% من عائدات التصدير على أنها معدلات مستدامة بالنسبة للدول الأكثر فقرًا.

 

- يقول "ريتشل": خلال القرن العشرين، كانت ألمانيا مسؤولة عن أكبر حالات إفلاس وطنية في التاريخ الحديث، وأدى انهيار اقتصادها في أوائل الثلاثينيات إلى موجات صادمة في الأسواق العالمية، لكن بفضل الدور الأمريكي عقب الحربين العالميتين، أصبحت ألمانيا مستقرة ماليًا وتقود أوروبا.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة