نبض أرقام
12:41 م
توقيت مكة المكرمة

2025/06/30
2025/06/29

ماذا لو كانت هذه آخر طفرة نفطية؟

2008/07/22 الاقتصادية - فواز بن حمد الفواز

هناك جدل واسع في الدوائر الاقتصادية والجيولوجية حول دور النفط كأرخص مصدر للطاقة والبدائل المحتملة وغير المحتملة، وفيما إذا وصل النفط أو تعدى الذروة الجيولوجية. السبب الرئيس لهذا الارتفاع في أسعار النفط هو تزايد الطلب، خاصة من الصين، وعدم مواكبة الزيادة في الإنتاج. فبعد هذا الارتفاع المحموم لم يزد الإنتاج إلا بنسبة 1 في المائة في 2007. محصلة تجارة صناديق المضاربة في العقود النفطية صفر (تباع وتشترى في الغالب بين بعض)، ولعل أكبر دليل على ذلك أنه ليس هناك من مخزون منتج مؤثر، ما يعزز حقيقة أن السبب الأهم في ارتفاع أسعار النفط هو الطلب. لذلك فإن سباقا لإيجاد البديل أصبح أكثر إلحاحا. قد تكون مرونة معادلة الطلب بطيئة – كلمات الاقتصادي في قول إن إيجاد البديل قد يطول بعض الشيء.

لكن هذا البطء يخضع لتوقيت الاختراقات العلمية والفنية، وفي هذا مغامرة بمستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي. قد يقول البعض إن هذا جدل أكاديمي، عدا أن موضوع النفط هو عمود حياتنا المادية ولم نضع حتى الآن البديل المقنع، بينما عملاء سلعتنا الأساسية في سباق محموم لإيجاد البديل. الأدهى والأمر على المديين القصير والمتوسط أن استهلاكنا من مصدر رزقنا عال، وفي نمو أعلى من إنتاجنا. فنحن كما يقول المثل الشعبي "يأكل من لحم ثوره". تقول التجربة دائما إنه في أعلى حالات التفاؤل حول الأسعار تبدأ بذرة النزول.

لا يمكن الحديث عن تطورات سعر النفط دون ذكر التجربة الاقتصادية السعودية، فمنذ الطفرة الأولى في أسعار النفط 1974 مرت الأحوال المالية وبالتالي الاقتصادية بتذبذب حاد، ما جعل مهمة أي مخطط اقتصادي صعبة جدا ولم تخل هذه الفترة من بعض الإنجازات مثل تمويل البعثات وتطوير البنية التحتية وبناء صناعات بتروكيماوية معتبرة وحتى بعض البناء المؤسساتي في البلاد. ولكن كل هذه لم يرتق لأخذ المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، ولم يوفر البديل الاقتصادي المستدام إلى حد الآن. هناك تشوّهات واضحة في الاقتصاد تظهر في عدم حيادية سياسة الدعم بين المواطن وغير المواطن، وبين الغني والفقير، وكذلك هناك تشوهات أخرى مثل سلم الرواتب للمؤسسات الحكومية الجديدة العالي نسبيا ومقارنة ذلك بسلم الرواتب لمؤسسات حكومية أخرى مهمة. تراكمت العيوب وضعفت الرسالة التنموية ولم يساعد تأسيس مجلس اقتصادي أعلى خلط بين الأطراف التنفيذية والتخطيطية والاستشارية على فرز هذه الأولويات.

بعد نحو 35 سنة من بعض النجاحات وتراكم بعض العيوب الهيكلية والممارسات الخاطئة حان الوقت لمراجعة جادة لطريقة التفكير في الاقتصاد الريعي والقبول بأن الحلول يجب أن تبدأ من مصدرها – أي القبول بهشاشة الوضعية الاقتصادية والحاجة إلى إعادة التفكير في ربط الموارد المالية بمصالح الناس مباشرة، هذه هي الخطوة الأولى نحو إيجاد المؤسسات الاقتصادية القادرة على تراكم المعرفة والتفاعل مع استحقاقات المستقبل.

الحل يبدأ في قبول عيوب التجربة ونقد الذات والبناء على النجاحات. كل هذا ممكن إذا قبلنا بإعادة التفكير والثقة بالنفس أن الحل ليس في تجارب الآخرين الاقتصادية، ولكن في التمعن في الحقائق الاقتصادية الاجتماعية التي تمكننا من فصل الحق العام عن الخاص، والاقتصادي عن السياسي، والشخصية الاجتماعية عن الشخصية الإنتاجية.

القدرة على فرز هذه الأمور هي ما تجعل الذهن صافيا للتعامل مع الأمور الاقتصادية ذات الحلول السهلة الممتنعة. ليس غريبا على الشعوب أن تغتنم الفرص للقفز نحو مصاف الدول المتقدمة في فترة وجيزة تاريخيا أو أن تضيع فرصا سهلة، لذلك فإن حدث ارتفاع النفط لا بد أن يكون حدثا تاريخيا جللا في تسليط الضوء على هذا المنعطف التاريخي.