من أولويات طرفي العقد ضمان تنفيذ الالتزامات الواردة فيه، لكن ارادة الافراد تطمح الى المزيد. ولتأكيد ذلك، افسح المشرع المجال لارادة المتعاقدين ليضعوا ما يرونه مناسبا من ضمانات لتدعيم مسؤولياتهم. ولما كان تنفيذ التزامات كل طرف في العقد تجاه الاخر هو القصد الاول، فانه يجري تضمين العقد شرطا جزائيا ينفذ في حق من يتقاعس عن تنفيذ التزامه، وغالبا ما يكون على شكل مقابل يدفعه الطرف المخل الى الطرف الاخر. ولذلك فان وظيفة الشرط الجزائي هي اجبار المتعهد في العقد بتنفيذ التزامه، واداة اكراه ضد المدين لتنفيذ التزاماته.
ولا يخضع الشرط الجزائي لشكل خاص، وغالبا ما يكون من ضمن بنود العقد نفسه، وكذلك يمكن اشتراطه في عقد مستقل، وقد يكون لاحقا للعقد الاصلي، وقد يتفق الفرقاء على اكثر من شرط جزائي في العقد كأن يتناول احد البنود التأخير في تنفيذ الالتزام، والآخر يتناول عدم التنفيذ. وشرعية مبدأ البنود الجزائية في العقود ليست موضع جدل، فهي معترف بها بصريح نصوص القانون، لذلك نجدها مندرجة في شتى انواع العقود بغية ضمان تنفيذ الالتزامات الواردة فيها، فنجدها في عقود البيع والايجار وعقود العمل والتوظيف والبناء وعقود المشاريع الصناعية، وحتى في عقود الهبة التي هي من غير مقابل يجوز ان يثقل كاهل المستفيد بأعباء وتكاليف.
ولا شك ان شرعية البند الجزائي في العقد مطلوبة، حتى يكون الشرط الجزائي في منأى عن البطلان فيجب الا يكون مخالفا للقانون والنظام العام. ومن البديهي انه حتى يكون الشرط الجزائي مشروعا فانه من الاصل يجب ان يكون العقد الذي يتضمنه الشرط الجزائي مشروعا، فانه من الاصل يجب ان يكون العقد الذي يتضمنه الشرط الجزائي مشروعا وغير مخالف للقانون او النظام العام. واذا كان العقد مشروعا وتضمن بندا جزائيا غير مشروع فان العقد يصح والشرط يبطل. وهذا يبين ان صفة الشرط الجزائي انها عقد تابع للعقد الاصلي، فهو لا وجود له بدون العقد الاصلي، كما ان وجوده بسبب العقد الاصلي وبغاية تنفيذه.
ويترتب على ذلك انه اذا زال العقد الاصلي يزول بأثره الشرط الجزائي، حيث ان الاخير، وان افرد في عقد منفصل، فانه ليس له كيان مستقل عن العقد الاصلي. واذا كان العقد الاصلي معلقا على شرط فاسخ او آجل فان الشرط الجزائي يتبعه في هذه الكيفية، واذا لحق العقد الاصلي البطلان فانه يلحق الشرط الجزائي حتما، واذا كان العقد فيه عوار وقابل للفسخ او الابطال كعدم توافر الاهلية او عدم سلامة الرضاء، وتم تثبيت العقد بعد ذلك واصبح العقد سليما، فان الشرط الجزائي يصبح مشروعا. وبالمقابل، كما سبق القول، فان القاعدة تقتضي بأن الشرط الجزائي، باعتباره تابعا للعقد وانه لا يمكن ان يستمر بدونه، فان العكس ان يستمر العقد من دون الشرط الجزائي اذا كان غير مشروع او مستوفٍ الشروط، وهنا اذا تم الاخلال في العقد فان المحكمة هي صاحبة السلطة في تقرير التعويض المستحق، ولا يغيب عن البال انه يمكن تخفيض الشرط الجزائي اذا تم تنفيذ جزء من العقد، ذلك ان الشرط الجزائي كان مقابل عدم التنفيذ كليا، فاذا تم تنفيذ جزء من التزامات العقد فان من العدل ان يتم تخفيض الشرط الجزائي بمقدار ما تم تنفيذه.
وعلى نقيض ذلك فان الدائن لا يستطيع المطالبة بأكثر مما ورد في الشرط الجزائي حتى لو كان التعويض المحدد في الشرط لا يمثل الضرر الحقيقي اللاحق به من جراء عدم التنفيذ، وعلة ذلك انه تم التراضي والاتفاق على قيمة التعويض ولا يجوز التعدي على ارادة الطرفين بعد ان تم الرضاء بينهما على مبلغ التعويض في الشرط الجزائي، ولكن في جميع الاحوال فان من سلطة القضاء التدخل في الشرط الجزائي والحد من قيمة التعويض اذا كان مبالغا فيه، وكمبدأ عام فان الشرط الجزائي يتبع قواعد المسؤولية التعاقدية وهو تعويض عن الاضرار التي تلحق بالدائن جراء عدم تنفيذ العقد او التأخير في تنفيذه، والمبلغ الذي يحدده الشرط الجزائي هو محل التعويض الذي لولا وجود هذا الشرط في العقد لكان تحديده من قبل القاضي، وبالتالي فانه يكون ملزما بالشروط والحالات ذاتها المتفق عليها في العقد الاصلين لكن حتى يتم تفعيل هذا البند يتعين توجيه انذار للمدين.
واذا كان الشرط الجزائي هو بمنزلة تعاقد فانه لا يمكن ان يستفيد منه الا طرفا العقد وخلفائهما ودائنيهما، وهو ما دام كذلك فان المسؤولية لا تقع الا على المدين المسؤول عن عدم التنفيذ الا اذا ثبت ان عدم التنفيذ يرجع الى القوة القاهرة او عمل الغير، كما ان للشرط الجزائي دورا مهما في تحديد مقدار الضرر والتعويض برقم اقرب ما يكون ممكنا للواقع والذي هو اتفاق مسبق على التعويض، لذلك فانه يكون بمنأى عن القضاء اذا كان مشروعا وعقلانياً.
ورغم ذلك فكثير ما يطلب من القضاء ان يمارس الرقابة على الشروط الجزائية، التي غالبا ما تلقى الاستجابة، ومن اهم الابواب المفتوحة للقضاء للرقابة هي شرعية البند الجزائي ومدى مطابقته للقانون وعدم المساس بالآداب العامة والنظام العام، والحالة الثانية التي لا شك في مشروعية رقابة القضاء هو الرقابة على مدى انطباق الشروط الموجبة لاعمال الشرط الجزائي. اما الحالة الثالثة وهي على نطاق ضيق هو الرقابة على مبلغ التعويض اذ لا يملك القاضي صلاحية واسعة في اعادة النظر في مبلغ التعويض لان من شأنه ان يشل البند الجزائي، ويعتبر تعديا على ارادة العاقدين اللذين ارتضيا مقدار هذا التعويض، ولكن هناك حالات تمارس فيها هذه الرقابة مستعينين بحقهم في الرقابة القضائية بشأن الغبن والاثراء غير المشروع.
ومن المقرر ان وجود الشرط الجزائي يفترض معه تقدير التعويض المناسب مع الضرر الذي لحق الدائن، وعلى القاضي ان يعمل هذا الشرط الا اذا ثبت ان الدائن لم يلحقه اي ضرر، فعندئذ لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقا اصلا، او اذا اثبت المدين ان التعويض كان مبالغا فيه الى درجة كبيرة، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي ان يخفض التعويض المتفق عليه الى الحد الذي يتناسب مع مقدار الضرر الحقيقي الذي لحق الدائن، مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع.
ومن المقرر في احكام التمييز ان المناطق في عدم التقيد في تقدير التعويض بقيمة الشرط الجزائي المتفق عليه في العقد طبقا لنص المادة 304 من القانون المدني ان يكون المتعاقد الذي لم ينفذ التزاماته او جزء منها قد ارتكب غشا او خطأ جسيماً.
تحليل التعليقات: