نبض أرقام
12:35 م
توقيت مكة المكرمة

2025/06/17
2025/06/16

المسؤولية الاجتماعية للشركات

2010/09/30 الشرق القطرية ـ الدكتور عدنان علي ستيتية

هناك عدة تعريفات للمسؤولية الاجتماعية للشركات ومؤسسات الأعمال، تختلف باختلاف وجهات النظر. فالبعض يراها تذكيرا للشركات والمؤسسات بمسؤوليتها وواجباتها في تطوير المجتمع الذي تعمل فيه. وعلى النقيض هناك تيار آخر يرى بأن تلك المسؤولية هي مسؤولية طوعية واختيارية تقوم بها الإدارة بإرادتها المنفردة. إلا أننا نميل إلى التشدد، بأنها يجب أن ترتقي تلك المسؤولية لتصبح بمثابة فرض وواجب أساسه الالتزام العقدي والواجب القانوني.

لابد من التوافق بين أصحاب المصالح المتعارضة، وهم: أصحاب رأس المال، والعمال، والعملاء، ومؤسسات التمويل، ومؤسسات المجتمع المدني الهادفة إما لحماية حقوق العمال، أو لحماية المستهلكين، أو لحماية البيئة. وبهدف تحقيق التوافق المنشود ظهر مفهوم المسؤولية الاجتماعية وساد وفاق عام حول أهميته في تحقيق التوافق بين أصحاب المصالح المتعارضة.

رغم الاتفاق على المبدأ، ظهر بين المهتمين تفاوت في مرجعية المفهوم. فالبعض يعتبر أن المسؤولية هي مسؤولية الإدارة، ويطلق على المفهوم المسؤولية الاجتماعية للإدارة. والبعض الآخر يعتبر أن المسؤولية هي مسؤولية رأس المال، فيطلق على المفهوم المسؤولية الاجتماعية لرأس المال.

مع استقرار مبدأ فصل الملكية عن الإدارة، فإننا نرجح مرجعية المسؤولية للإدارة، وبالتالي نتبنى مفهوم المسؤولية الاجتماعية للإدارة، وليس لرأس المال. فالإدارة هي المسؤولة عن التوفيق بين أصحاب المصالح المتعارضة، وتحقيق توازن دقيق بينها بما يحقق أقصى منفعة ممكنة ومقبولة من جميع العناصر المكونة للمجتمع الذي تنشط فيه المؤسسات والشركات.

كما كان من أهم نتائج الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الراهنة تلك الأزمة التي ظهرت في النصف الثاني من العام 2008، بروز مفهوم المسؤولية الاجتماعية مجدداً في عالم المال والأعمال والاقتصاد، وترسيخ مبدأ مسؤولية الإدارة، وإثارة مسؤولية الإدارة عن هدر وتبديد الثروات الناجم عن الأزمة المذكورة.

المسؤولية الاجتماعية واجب أخلاقي:

يثير مفهوم المسؤولية الاجتماعية السؤال عن مدى التكامل والترابط، أو التباين ما بين الأخلاق والقيم من جهة، والاقتصاد والمال والأعمال من جهة أخرى. وهل تسود العلاقات الاقتصادية والتجارية مبادئ العدالة في إطار النظام الاقتصادي العالمي؟

يجب على الإدارة ومؤسساتها في عالم المال والأعمال والاقتصاد أن تنظر إلى نفسها على أنها جزء من المجتمع التي تعمل فيه وليست كياناً مستقلاً منفصلاً عن هذا المجتمع. وعليها أيضا أن تضحي بمصلحتها الذاتية البحتة في أي وقت من الأوقات تتعارض تلك المصلحة مع مصلحة المجتمع الذي تعمل فيه، سواء كان مجتمعاً محلياً أو عالمياً.

وفي هذه المقولة نرى أسس المسؤولية الاجتماعية وحماية البيئة المحلية والعالمية، فالعلاقة وثيقة ما بين الشركات والمجتمع الذي تعمل به سواءً محلياً أو عالمياً، حيث تكمن أسباب وجود واستمرار الشركات وأنشطتها في المجتمع، فالمجتمع هو مصدر عوامل الإنتاج بما فيها الموارد الطبيعية والعمالة والخدمات اللازمة. وهو في الوقت نفسه المستوعب لمنتجات تلك الأنشطة من السلع والخدمات.

ويجب أن يتم النظر إلى المجتمع في هذا الصدد ضمن المفهوم الواسع إلى ما وراء الحدود السياسية والطبيعية، فقد أتاح نظام العولمة وتحرير الاقتصادات المحلية وفتح أسواقها، وثورة تكنولوجيا الاتصالات، وتطور الاقتصاد المعرفي مجالاً واسعاً للمنافسة. وأدى بالتالي إلى توسع مفهوم المجتمع لينتقل من المفهوم المحلي إلى المفهوم العالمي، بحيث أصبح العالم بأسره قرية واحدة شديدة الحساسية وسريعة التأثر.

المسؤولية الاجتماعية عقدية وتقصيرية:

مع ظهور الاتجاهات الجديدة في الإدارة، أصبحت الإدارة على يقين بأن هدفها في الازدهار لن يتحقق ما لم تكن في خدمة المجتمع، فالمجتمع يضع ثقته في الإدارة لاستغلال عوامل الإنتاج الاجتماعية بكفاءة عالية تعود على الشركات بعوائد مجزية، وبتقدير واحترام لدورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تعود على المجتمع برمته بالخير والمنفعة من جهة، وفي تلبية احتياجاته من الخدمات والسلع وتطوير الموارد البشرية وحماية البيئة من جهة أخرى.

كما يتوقع المجتمع من الإدارة أن تلتزم بالقوانين والنظم، وكامل الإطار القانوني المنظم للنشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى مبادئ العدالة والإنصاف.

وانطلاقاً من هذا المفهوم تكتسب الإدارة صفة الوكيل المؤتمن في مجال نشاطها، حيث يأتمنها المجتمع على استغلال عوامل الإنتاج الاجتماعية لتحقيق مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يرغب المجتمع بتحقيقها. فالعلاقة ما بين المجتمع والشركات هي علاقة الموكل بالوكيل، وأن من شأن عدم التزام الشركات في حدود الوكالة التي كلفها بها المجتمع أن يثير مسؤوليتها اتجاه المجتمع. وفي هذا الصدد تعتبر مسؤولية الشركات مسؤولية مزدوجة، فهي مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية بآنٍ واحد.

لذا فإن المسؤولية الاجتماعية هي مسؤولية عقدية يمكن أن تثار في أي وقت من الأوقات تتعارض به مصالح المجتمع مع مصالح إدارة الشركات. وتجوز بالتالي مساءلة الإدارة عن عدم التزامها وإخلالها بالعقد الاجتماعي الضمني، كما تجوز من جهة أخرى مساءلتها عن المسؤولية التقصيرية لعدم التزامها بمبادئ القانون الاجتماعي والطبيعي التي تتضمن تغليب المصلحة الاجتماعية على المصلحة الذاتية، ولعدم التزامها أيضاً بمبادئ العدالة والإنصاف، التي تنص على التزام الشركات في خدمة المجتمع الذي تعمل به، وأن تعطيه بقدر ما تأخذ منه، وهذا هو المفهوم الجديد في المسؤولية الاجتماعية لإدارة الشركات.

ومن الجدير بالذكر أن تطبيق المسؤولية الاجتماعية بالصيغة الغربية الحديثة هي ضرورة حيوية للمجتمع العالمي، وذلك بهدف الحد من جموح الرأسمالية، وما نتج عنها من ظلم اجتماعي واستغلال ومعاناة وبؤس وفقر وإخلال بعدالة التجارة الدولية. إلا أن تطبيق المفهوم في مجتمعنا العربي الإسلامي لا يستوجب تطبيق المفهوم الغربي البحت، بل هو عودة إلى الأصول لتطبيق مفهوم التكافل المجتمعي وقيم الحضارة العربية والإسلامية أصالة ومعاصرة، أي تطبيق قيم التكافل الاجتماعي الأصيلة بأسلوب حديث ومعاصر.

مبادئ المسؤولية الاجتماعية:

تقوم المسؤولية الاجتماعية على مبادئ وأسس من أهمها التزام الشركات بتأمين 1) احتياجات المجتمع من السلع والخدمات، 2) تطوير الموارد البشرية، 3) حماية وتحسين البيئة.

أولاً: الربح ليس الهدف الوحيد:

بما أن الإدارة تكتسب صفة الوكيل المؤتمن بتأمين احتياجات المجتمع، وتطوير موارده البشرية كما سبق وأسلفنا، لذا يجب أن لا يكون الربح المادي البحت هو الهدف الأساسي للنشاط الاقتصادي. بل يجب أن يكون الالتزام بالجودة الشاملة هو الهدف الذي يؤدي إلى تحقيق الازدهار ومزيد من الثروة. والجودة الشاملة بالمفهوم الواسع تعني تأمين احتياجات المجتمع وتطوير موارده البشرية وتحسين البيئة، وتحقيق عوائد تضمن لتلك الشركات الاستدامة، وإعادة الإنتاج والتوسع في الاستخدام الكفء لعوامل الإنتاج الاجتماعية.

ثانياً: تطوير الموارد البشرية:

أثناء ممارسة الشركات لأنشطتها الإنتاجية، يجب أن تسعى إلى تطوير الموارد البشرية للمجتمع، وذلك بتأمين سبل اكتساب المهارات، وتحويل العمالة غير الماهرة إلى عمالة ماهرة فنية متخصصة، وتأمين برامج الرعاية الصحية المناسبة، وتدريب الخريجين الجدد، وتأهيلهم للعمل في مؤسسات أخرى في المجتمع، والعمل على محو الأمية وترويج الاقتصاد المعرفي، أي بعبارة أخرى المساهمة في تطوير المجتمع.

ثالثاً: حماية البيئة:

إن من أهم مكونات المسؤولية الاجتماعية أن ننقل البيئة التي استلفناها من أجدادنا إلى أحفادنا بصورة أفضل، لذا فإن من أهم أنشطة المسؤولية الاجتماعية لا أن تسعى إدارة الشركات فقط إلى حماية البيئة أثناء ممارسة الأنشطة الاقتصادية، بل إن تعمل على تحسينها.

ويضاف إلى المبادئ السابقة:

المشاركة في الثروة:

بما أن المجتمع هو مصدر الثروات وعوامل الإنتاج، وهو السوق المستهلك للمنتجات والخدمات التي تنتجها وتقدمها الشركات بآن واحد، على إدارة الشركات أن تخصص جزءا من تلك الثروة المكتسبة من المجتمع، لإعادة توظيفها في الأنشطة المجتمعية مثل البحث العلمي، والأنشطة الرياضية والثقافية، ومؤسسات الخدمة المجتمعية الأخرى.

تخصيص المرافق وتقديم التسهيلات:

على إدارة الشركات أن تخصص مرافقها وتسهيلاتها لمؤسسات المجتمع المدني والخدمة المجتمعية، ودعم الأبحاث والدراسات وإتاحة المخابر لإجراء الأبحاث غير الصناعية لخدمة المجتمع وتحسين البيئة.

المسؤولية المجتمعية:

رغم تركيزنا على المسؤولية الاجتماعية لإدارة الشركات، نود أن ننوه إلى عدم إساءة الفهم بأن المسؤولية الاجتماعية تقع حصراً على عاتق إدارة الشركات، بل هي مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق المجتمع بجميع مكوناته سواءً كانت شركات أو مؤسسات خاصة أو أفرادا أو مؤسسات حكومية أو غير حكومية.

إضافة إلى ذلك فعندما نتطرق للمسؤولية الاجتماعية للشركات، يجب أن لا نتناسى بأن للشركات أيضاً حقوقا على المجتمع الذي تعمل فيه باعتبارها عضواً ومكوناً من مكوناته. فمقابل المسؤولية هناك حقوق لكل فرد من أفراد المجتمع بما فيها الشركات. وعلى المجتمع أن يضمن تلك الحقوق ويحميها في الوقت الذي يسائل فيه الشركات عن أنشطتها وأثرها في المجتمع وعلى البيئة.

إن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية وفقاً لما عرضناه، لا يعني بأي شكل من الأشكال التناقض مع مقولة "إن عمل الشركات هو تحقيق الربح".

فالمقولة آنفة الذكر مقولة منطقية، ونعتقد بأن هدف تعظيم الأرباح يعني الاستخدام الكفء لجميع موارد المجتمع، لذا فإن هدف تعظيم الربح يتضمن ثلاثية مكوناتها: 1) إنتاج السلع والخدمات بأقل تكلفة ممكنة، 2) حماية البيئة، 3) تطوير الموارد البشرية. وهذه هي أسس ومكونات المسؤولية الاجتماعية لإدارة الشركات، فالأساس الأول المتمثل في إنتاج السلع والخدمات بأقل تكلفة ممكنة هو النشاط الأساسي لتلك الشركات، أما حماية البيئة وتطوير الموارد البشرية فيشكلان أساس المسؤولية الاجتماعية والخدمة المجتمعية. وفي هذا الصدد يصبح تحقيق الربح الاجتماعي هو الهدف وليس تحقيق الربح المادي البحت على حساب المجتمع وبيئته وموارده البشرية. فالمسؤولية الاجتماعية أمانة، وعلى الإدارة أن تؤدي تلك الأمانة حتى تنجح في تأدية دورها المأمول والمنشود في تعظيم الربح الاجتماعي.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.