الحيازة كما عرفها المشرع هي سيطرة شخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء مادي، يظهر عليه بمظهر المالك أو صاحب حق يباشر عليه الأعمال التي يباشرها صاحب الحق. وفي الغالب الأعم يكون الحائز هو المالك أو صاحب الحق عليه، لذلك اعتبر المشرع الحيازة في ذاتها قرينة على الملكية، إلى أن يقوم الدليل على ما يخالف ذلك.
وللحيازة آثار قانونية شديدة الأهمية، حيث إنها من أحد أسباب كسب الملكية، وحتى ترتب الحيازة آثارها القانونية يجب أن تكون حيازة قانونية، ويجب أن يتوافر فيها الركنان المادي والمعنوي. ويقصد بالركن المادي هو السيطرة ووضع اليد على الشيء، والقيام بأعمال لا يقوم بها عادة إلا المالك، سواء قام بهذه الأعمال بنفسه أو بواسطة غيره، وسواء كان الحائز فرداً أو شخصاً اعتبارياً، وقد تكون الحيازة لشخص واحد أو لأشخاص عدة.
ومتى كانت الحيازة هي السيطرة أو التسلط على شيء يعطي مظهر المالك أو صاحب الحق ، فإن مؤدى ذلك ألا تكون الحيازة إلا على الأشياء المادية وحدها، لأنها هي التي تقبل وحدها التسلط عليها، فتخرج من ذلك المصنفات الفكرية والمخترعات والأسماء التجارية، لأنها من قبيل الأشياء المعنوية ، التي لا تقبل الحيازة والمس والإمساك باليد، وتطبيقاً لذلك ، فإن الحيازة لا ترد على الديون، إلا ما كان منها ثابتاً بسند لحامله، فتكون حيازة هذا السند لما يحتويه من حق، كما أن الحيازة لا ترد على الأموال العامة، ويقع على من يدعي الحيازة إثبات قيامه بمباشرة الأعمال المادية، وللقاضي سلطة تقدير كفاية الأعمال التي يقوم بها مدعي الحيازة.
وإلى جانب الأعمال المادية يجب على الحائز أن يتصرف في الشيء لحساب نفسه ، ويظهر عليه بنية المالك أو صاحب الحق فيه.
ولا يهم بعد ذلك ما إذا كانت هذه النية مشروعة أم غير مشروعة، ولا ما إذا كان الحائز يعلم بمشروعية قصده أو لا يعلم، ولا ما إذا كان يعرف على وجه التحديد مقدار الحق الذي في حيازته أو لا يعرف، فإذا لم تكن لدى الحائز نية التملك والظهور بمظهر المالك، فلا تقوم الحيازة، حتى لو قام بالأعمال المادية، والسيطرة على الشيء والتصرف فيه تصرف المالك له. واستخلاص نية التملك لدى الحائز من المسائل التي يكون تقديرها للقاضي، بحسب ما يتوافر لديه من دلائل وملابسات.
ويتبين مما سبق أن النية هي التي تحدد طبيعة الحيازة، لأن الأعمال المادية قد لا تكون بقصد الملكية، فأعمال الإصلاحات على الأراضي والمباني قد يقوم بها المالك، وقد يقوم بها من له حق انتفاع عليها، مثل مستأجري القسائم الصناعية والزراعية من الدولة. أو إذا باشر الحائز الأعمال بواسطة وكيل أو نائب عنه، فإن الوكيل أو النائب، الذي يقوم بالأعمال المادية لا يعتبر حائزاً بنية التملك.
وقد تكون الحيازة عرضية، بناء على سند قانوني، مثل المستأجر أو الوكيل. وهذا السند القانوني وإن كان يخول الحائز مباشرة أعمال الحفظ والحراسة والاستعمال، إلا أنه يتضمن الاعتراف من جانبه بملكية غيره ، ووجوب رد هذا الحق إلى مالكه ، بعد انتهاء مدة الحيازة العرضية.
ولما كان الغالب أن يباشر واضع اليد الأعمال التي تكون الحيازة العنصر المادي لحيازته لحساب نفسه ، فكانت الحيازة المادية قرينة على وجود الركن المعنوي، وهو نية التملك، ومن ثم قرينة على الحيازة القانونية، بحيث يكفي الحائز أن يثبت توافر العنصر المادي في الحيازة، ليعتبر حائزاً لنفسه ، ويكون على من ينكر عليه الحيازة أن يقوم بإثبات عكس ذلك.
أما إذا تسلم الحائز الحيازة من حائز سابق، بحيث تكون حيازته مجرد استمرار لحيازة سابقة، فتفترض الحيازة القانونية لدى الحائز السابق، ليكون من خلفه مجرد حائز عرضي، فإذا ادعى الأخير الحيازة القانونية، فيجب عليه إثبات توافر نية التملك لديه ، ولا تكفيه الحيازة المادية، ولا تعتبر قرينة على نية التملك. ولا يعطي التسامح الذي يبديه مالك الشيء تجاه الحائز الحق في الادعاء بالحيازة القانونية، وإن طالت مدة التسامح.
وتعتبر مسألة التسامح مسألة واقعة، تخضع لتقدير القاضي، ويستدل عليها من ظروف الدعوى، مثل وجود علاقة قرابة أو صداقة، وإذا كانت الحيازة عن طريق التسامح لا تنتج أثرها في مواجهة المالك، الذي إجاز له القانون مباشرة الأعمال على ملكه، إلا أنه في مواجهة الغير يكون المباشر حائزاً قانونياً، وله الحق في حماية حيازته من الاعتداء عليها.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: