نبض أرقام
19:47
توقيت مكة المكرمة

2024/05/15

مستقبل القطاع المصرفي: هل ستعطل التكنولوجيا المالية نماذج أعمال البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي؟

2017/10/22 بيان صحفي

تعتقد وكالة "إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية" بأن الابتكار التكنولوجي في القطاع المالي بات يشكل توجهاً عالمياً بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة والنامية على حدٍ سواء. ونعتقد بأن التكنولوجيا المالية يمكن أن تقلل من ربحية بعض أنشطة البنوك في منطقة الخليج وبأنها ستغير طريقة عمل هذه البنوك مع مرور الوقت. وفي حين أننا لا نتوقع تعطلاً كبيراً في نشاط الإقراض في منطقة الخليج – والذي لا يزال مرتكزاً على قطاع الشركات – نعتقد بأن التكنولوجيا المالية يمكن أن تؤثر على قطاع الخدمات المصرفية للأفراد، وتحديداً تحويل الأموال وصرف العملات الأجنبية. وهذا سيدفع بعض البنوك إلى إدخال تغييرات على عملياتها من خلال زيادة الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، وخفض عدد الفروع، وإعادة هيكلة الموظفين.

لذلك، لا نتوقع بأن يكون للتكنولوجيا المالية لوحدها أثراً كبيراً على تصنيفاتنا الائتمانية للبنوك الخليجية في المستقبل المنظور. فالبنوك الخليجية لا تزال عموماً تتمتع بربحية ونجاعة عالية بحسب المعايير الدولية. ونعتقد أيضاً بأن بعض البنوك بدأت تُدرك حجم المخاطر والفرص التي تفرضها التكنولوجيا المالية، وقامت بوضع الإجراءات اللازمة للتكيُّف مع الحقائق الجديدة في بيئتها التشغيلية. وأخيراً، نتوقع بأن تواصل الجهات التنظيمية المحلية حماية الاستقرار المالي لأنظمتها المصرفية.

ثورة التكنولوجيا المالية

توظف شركات التكنولوجيا المالية الناشئة التكنولوجيا في قطاع الخدمات المالية مما يحد من تكلفة ووقت تنفيذ المعاملة، فضلاً عن تزويد العملاء بتجربة أفضل في نفس الوقت. وقد ارتفع حجم استثمارات رأس مال المخاطر في التكنولوجيا المالية بشكل كبير عالمياً، وصل إلى 50 مليار دولار أمريكي (انظر الرسم البياني 1).



 


هناك العديد من الأنواع المختلفة من التكنولوجيا المالية، لكن الأنواع السبعة الأكثر شيوعاً، وفقاً لمصادر القطاع المختلفة، هي استخدام التكنولوجيا في:

عمليات الدفع/التحويلات: لتحل محل أنظمة الدفع التقليدية أو تحويل الأموال، ومن الأمثلة الأكثر شيوعاً الحسابات الموزعة (سلسلة الكتل) والعملات المشفرة (بتكوين).

الإقراض: ربط الممولين بالعملاء الذين يحتاجون للتمويل (على سبيل المثال؛ شركات التجزئة أو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة). ومن الأمثلة الأكثر شيوعاً منصات الإقراض المباشر والتمويل الجماعي.

التمويل الشخصي/المؤسسي: يجمع بين الخدمتين المذكورتين أعلاه من خلال توفير الخدمات المصرفية على المنصات الرقمية.

الخدمات المصرفية للمستثمرين/أسواق رأس المال: تزود خدمات تقوم بتزويدها عادةً البنوك الاستثمارية (مثل التداول الاجتماعي أو جمع التمويل).

تكنولوجيا التأمين: تقدم منتجات التأمين مباشرة للعملاء أو حلولاً أكثر كفاءة لتقييم المخاطر في الوقت المناسب لشركات التأمين.

إدارة الثروات: تقدم حلولاً لإدارة الثروات لعملائها بدعم من التعلم الآلي.

تكنولوجيا مراقبة اللوائح التنظيمية: تساعد الشركات على الامتثال للأنظمة.

قد تعطل الأنواع الثلاثة الأولى من التكنولوجيا المالية أنشطة البنوك الخليجية من خلال مساهمتها بخفض الإيرادات المتأتية من بعض الأنشطة والدفع باتجاه تقديم المزيد من الكفاءة، من وجهة نظرنا. ونعتقد بأن الأنواع الأربعة الأخرى من التكنولوجيا المالية يمكن أن تكون أيضاً سبباً في تعطيل الأنشطة لدى البنوك، ولكن على المدى المتوسط فقط، وذلك إما بسبب المساهمة الضعيفة لهذه الأنشطة في صافي أرباح البنوك، أو لأهمية العلاقات طويلة الأجل والثقة بالنسبة للأنواع الأخرى من الأنشطة. 

نتوقع بأن تؤثر التكنولوجيا المالية على ربحية البنوك الخليجية، ولكن هذا التأثير لن يطال جميع الأنشطة

في العام 2016، حققت البنوك الخليجية التي نُصنفها نحو ربع إيراداتها من الرسوم والعمولة ومكاسب صرف العملات الأجنبية. وقد ساهمت الأخيرة بنحو 6% من الإيرادات التشغيلية للبنوك الخليجية المصنفة خلال نفس الفترة. وفي حين أننا نعلم بأن جزءاً كبيراً من هذه الإيرادات يرتبط بالإقراض والأنشطة الاستشارية، إلا أن جزءاً منها يرتبط أيضاً بعمليات تحويل الأموال وصرف العملات.

تبقى دول مجلس التعاون الخليجي دول مصدرة صافية لرأس المال. فالكثافة السكانية الضعيفة والاستثمارات الكبيرة والتطور الاقتصادي أحدث حاجة كبيرة لاستجلاب العمالة المؤهلة وغير المؤهلة. وبالنتيجة أصبح الوافدون (عمال الياقات البيضاء والزرقاء) يشكلون الجزء الأكبر من عدد السكان. وبحسب البنك الدولي، أرسل هؤلاء الوافدون 102.5 مليار دولار أمريكي إلى بلدانهم الأم في العام 2016 (انظر الرسم البياني 2)، حيث شكلت الهند، وباكستان، ومصر، والفلبين الوجهات الرئيسية لتلك التحويلات (انظر الرسم البياني 3).  
 




 


من وجهة نظرنا، قد تُعطل التكنولوجيا المالية عمليات تحويل الأموال لدى البنوك الخليجية. فشركات التكنولوجيا المالية، بحسب تعريفها، تركز على خفض رسوم ومدة التحويل. لقد قدَّر البنك الدولي متوسط تكلفة التحويل العالمية بنسبة 7.2% في الربع الثالث من العام 2017 (لتحويل 200 دولار أمريكي؛ قُدِّر المتوسط العالمي الموزون بنحو 5.5%). وهذا بعيد كلياً عن هدف الأمم المتحدة للمتوسط العالمي الذي حددته في أهدافها للتنمية المستدامة بنسبة 3.0% بحلول العام 2030. وقد تُعطل التكنولوجيا المالية أيضاً خدمة الدفع لأنها ستحد من التكاليف المترتبة على المستخدم النهائي (والإيرادات لمزودي الخدمة) بسبب تراجع عدد المشتركين.

بدأت البنوك الخليجية مؤخراً تدرك المخاطر المحتملة والفرص الناتجة عن تطور التكنولوجيا المالية. وبجسب تقرير لعبة التكنولوجيا المالية للدول الخليجية للعام 2017 لإيرنست آند يونغ، فإن 42% فقط من البنوك الخليجية التي شاركت في استبيان "إيرنست آند يونغ" كانت على اطلاع (على معرفة جيدة إلى حد ما أو أكثر) على قطاع التكنولوجيا المالية، بينما شكك 93% من البنوك الخليجية بإمكانية تأثير شركات التكنولوجيا المالية على أعمالها في المدى القصير. وبنفس الاستبيان، توقع 86% من البنوك الخليجية أن حجم الأنشطة الذي قد تخسره البنوك الخليجية لصالح شركات التكنولوجيا المالية لن يتعدى 15% من أنشطة البنوك في السنوات الخمس القادمة، معتقدين أن تحويل الأموال والوساطة المالية ستكون من أبرز الأنشطة التي من المرجح أن تتأثر. من المهم أن نشير إلى أن "إيرنست آند يونغ" قامت بإجراء الاستبيان في العام 2016، وبالتالي فإن إدراك البنوك الخليجية للمخاطر التي تفرضها التكنولوجيا المالية من المحتمل أن يكون شهد تحسناً منذ ذلك الحين وحتى الآن. مع ذلك، يمكن تفسير هذه النتائج باعتقاد راسخ بأن الجهات التنظيمية ستعمل على حماية البنوك الخليجية من الأزمات الكبيرة. 

نرى بأنه كلما أسرعت البنوك الخليجية بفهم المخاطر المحتملة من التكنولوجيا المالية، كلما كان ذلك أفضل ليكون بمقدورها اتخاذ التدابير الدفاعية أو وضع استراتيجيات للتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية الجديدة. وقد يأخذ التعاون شكل شراكة مع بعض شركات التكنولوجيا المالية بخدمات محددة، على سبيل المثال؛ السماح لشركات التكنولوجيا المالية باستخدام البنية التحتية للنظام المصرفي لعمليات المقاصة والتسوية. وستركز التدابير الدفاعية في المقام الأول على تعزيز الخدمات المصرفية للهاتف الجوال، وإعادة هيكلة الفروع، وإعادة تركيز الموظفين على خدمات القيمة المضافة بدلاً من التركيز على العمليات المتكررة الأقل ربحية.

تتمتع البنوك الخليجية بكفاءة عالية بحسب المعايير الدولية، وذلك بفضل التكلفة المنخفضة نسبياً للعمالة وغياب ضريبة الدخل. بلغت نسبة التكلفة إلى الدخل للبنوك الخليجية التي نصنفها 39.1% في المتوسط في العام 2016.

وبنفس الوقت نتوقع بأن تبقى بعض أنشطة البنوك الخليجية محمية من ثورة التكنولوجيا المالية. وتشتمل هذه الأنشطة على إقراض الشركات، والذي يعد من الأنشطة الرئيسية في البنوك الخليجية. وفي المتوسط، ساهم أكبر 20 عميلاً بنسبة تتراوح ما بين 25%-35% من إجمالي الإقراض لدى البنوك الخليجية التي نصنفها. ويبقى الإقراض للشركات معتمداً على العلاقات، وتبقى القيمة المضافة البشرية كبيرة في منطقة الخليج، من مديري علاقات الشركات وحتى صناع القرار. وفي حين أننا نقر بأن التكنولوجيا المالية قد تساعد في تعزيز كفاءة بعض هذه العمليات، فإننا لا نعتقد بأنها ستتعطل إلى حد كبير في السنوات القليلة القادمة.

يكمن دور الجهات التنظيمية والسلطات بين حماية البنوك واغتنام الفرص

تراقب الجهات التنظيمية في منطقة الخليج عن كثب التكنولوجيا المالية، ليس من منظور الاستقرار المالي فحسب، بل ومن منظور التعاون أيضاً. تمثل "فينتيك هايف" في مركز دبي المالي العالمي، والمختبر التنظيمي (sandboxes regulatory) الذي أسسته سلطة دبي للخدمات المالية، مع مبادرات مشابهة في كل من أبوظبي والبحرين، أمثلة على كيفية تعامل الجهات التنظيمية مع قطاع التكنولوجيا المالية. وبينما تساعد "فينتيك هايف" شركات التكنولوجيا المالية في الاستفادة من التعاون مع كبار المديرين التنفيذيين في مركز دبي المالي العالمي على مدى برنامج مدته 12 أسبوعاً، يتيح المختبر التنظيمي (sandboxes regulatory) لشركات التكنولوجيا المالية اختبار ابتكاراتها في السوق الحقيقية ضمن بيئة تنظيمية مقيدة. نرى بأن الجهات التنظيمية لا تركز فقط على حماية المستهلك، بل تركز أيضاً على حماية أنظمتها المالية من احتمال تعرضها لأي تعطل كبير من كيانات غير منظمة.     

من المواضيع الشائعة في خطط التنمية الوطنية في معظم الدول الخليجية زيادة الدعم للمؤسات الصغيرة والمتوسطة لتمهيد الطريق أمام تحقيق تنويع اقتصادي أفضل. وبالتالي، تتلقى أسواق الإقراض المباشر غير المضمونة ومنصات التمويل الجماعي القائمة على الأسهم الدعم من الحكومة. وفي دبي، قامت سلطة مركز دبي المالي العالمي بإطلاق الإطار التنظيمي لمنصات القروض والتمويل الجماعي القائم على الاستثمار في وقت سابق من هذا العام، وقامت بترخيص شركة للإقراض المباشر ومنصة أخرى للتمويل الجماعي القائم على الأسهم.

سيكون للتكنولوجيا المالية أثر طفيفاً على التصنيفات الائتمانية للبنوك الخليجية في الوقت الحالي

لا نتوقع بأن يكون للتكنولوجيا المالية لوحدها أثراً كبيراً على تصنيفاتنا الائتمانية للبنوك الخليجية خلال العامين القادمين. ذلك لأننا نرى بأن البنوك ستكون قادرة على التكيف مع بيئاتها التشغيلية المتغيرة من خلال الجمع ما بين التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية وتدابير خفض التكلفة. ونعتقد أيضاً بأن الجهات التنظيمية ستواصل حماية الاستقرار المالي لأنظمتها المصرفية.

ننظر حالياً للتكنولوجيا المالية باعتبارها منافساً جديداً لقطاع البنوك، ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى تُغيّر فيه قواعد اللعبة بالنسبة لعمليات البنوك في منطقة الخليج. لذلك فهي لا تشكل حتى الآن عاملاً سلبياً بالنسبة للتصنيفات الائتمانية للبنوك على مدى فترة توقعاتنا. مع ذلك، نعتقد بأن التكنولوجيا المالية ستكتسب زخماً متزايداً لا يستهان به. ولا يعتمد التأثير النهائي على التصنيفات الائتمانية للبنوك فقط على كيفية استجابة البنوك للمنافسة الجديدة ونقاط الضعف في نماذج أعمالها، ولكنه يعتمد أيضاً على استجابة السلطات والجهات التنظيمية للنفوذ المتنامي للتكنولوجيا المالية.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة